سياسة
أربعة إعلامات بطلب الحضور لنيابة أمن الدولة العليا! وحملة أمنية مكثفة كلف بها على الأقل نصف مليون لجنة موزعة على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى عدد من المواطنين ” أو هكذا يبدو“ انخرطوا في موجات بائسة من التخوين والسب والقذف والتشهير بلا وعي ولا خشية، ثم ثلاث حملات إعلامية أكثر بؤسا وأخرى من شخوص خرجوا على الآداب العامة والقانون وشخوص حزبية مكبوتة وبعضها مكبوت جدا على ما يبدو، وأطراف تصفي خصومات شخصية بل وحتى أطفال تحت السن!
العنوان العريض وقد كتبت عنه مقالي الفائت في كل هذه الحملات التي لم يكن لها لا علاقة بما جاء في التحقيقات ولا علاقة بالصحافة من قريب أو بعيد كان كما كتبت سلفا؛ ملهاة ”الهجوم على الجيش“! وكأننا في القرون الوسطى! خرج مشهد مريع لرجم الساحرات يشترك فيه العوام بلا وعي. كبت اجتماعي وسياسي وفكري أصاب مجتمعا يدفع ثمن عشرات السنوات من تجريف التعليم وتزييف الوعي. أصابته لوثة الاصطفاف خلف أي شيء سوى الوطن الحقيقي بقيمه التي لم يعد لها قيم ولا ملة، أصبحت قيم العقيدة الوطنية أو الاحترام لأي مؤسسة في الدولة مشاعا لصغار السياسيين ومنفلتي القيم. القبح الذي خُيل ”تطويرا“ تمدد لعقول الناس فغشى أبصارهم.
سلسلة تحقيقاتي التي لن أتراجع عن كلمة فيها، زارنا على حسها (كما بدا) أربعة من السادة الموظفين المُحضرين وثلاثةُ ضباط شرطة وعددٌ من السيارات الشرطية ومُولِد! أتوا جميعهم على عُنوانين؛ أحدهما لمنزل قديم لعائلتي. جميعهم يحمل الرقم والديباجة ذاتهما. كنت شبه أكيدة أن عدم إرفاق الاتهامات بالاستدعاءات جاء من باب الحذر ألا تكون دفوعنا حاضرة أمام رئيس النيابة.
في لقائي قبل جلسة رئيس نيابة أمن الدولة كنت أدرس مع السادة المحامين؛ الأستاذ خالد علي، الأستاذ طارق خاطر، والأستاذ نبيه الجنادي التحقيقات الثلاث الأخيرة التي تناولت ”الترسانة المصرية“ محل كل هذا الارتعاب والإرهاب! الحملة التى دفعت صفحات مستقلة سياسية وصحفية لتصدير محبتها للجيش حتى دونما داع وبلا جدوى! وكأن البعض، إلا قليلا من صفوة المثقفين والوطنيين الحقيقيين والدارسين والمراقبين لتطورات مساري المهني ومبادئي الثابتة ووطنيتي الراسخة فوق أي شبهة عمليا لا بالتقاط الصور! هذه الصفحات والأحزاب والصحفيين فيما نسميه عُرفا ”صحافة الجواسيس“ كانوا يقدموني وتحقيقاتي قربانا مجانيا دون أن يطالبهم أحد بذلك! يعتلون الرائجة! يعني بلغة أبسط ”بيسلموني تسليم أهالي“. يتنصلون مما لم أفعل، بل ويعلنون ولاءهم للجيش دون أن يتعرض للجيش أحد، إنما الواقع أنهم أعلنوا ولاءهم للسلطة. اصطفوا خلف القيادة مرتين! تنصلوا من مصداقيتهم؛ ثم من الصحفية “التي تتعرض للجيش”. فلم يكتفوا بتقديمها قربانا وطعنها في الظهر، كان لابد أيضا من تنصلٍ مبرر يجمل الخيانة.
في الواقع تأثرت كثيرا من حجم التضامن، وأسرني ذلك.. خجلت.. للمرة الأولى تؤثر عبارات التضامن والتشجيع والدفاع عني ومحاولات حمايتي وحماية قيمي وكرامتي وشرفي وشرف مهنتي وما أمثله وأؤمن به هذا التأثير الطاغي. تأثير شعرت فيه بسواعد كثيرة تشد على يدي وتدفعني برفق وتنتظرني ثمان ساعات ماراثونية بمحل رئاسة نيابة أمن الدولة العليا. وكأنهم يستحثون فارسة وحيدة نحو معركة! معركة الدفاع عن القلعة الأخيرة!
التحقيق (ولا سؤال واحد عن الجيش!)
لست أدري كيف أصوغ هذه العبارة تحديدا لعشرات الآلاف ممن نشطوا خلال الأسبوعين الفائتين يطالبون بإلقائي في المحرقة، والمرضي عنهم وغير الضالين… الذين انفرجت أساريرهم حين علموا بأن نيابة أمن الدولة أخيييييييرا ستحبس رشا قنديل وتنكل بها! رشا قنديل! التي أهانت الجيش! رشا قنديل اللي ”بتشتم الجيش!“ يؤسفني أن أخيب آمال حضراتكم… ثمان ساعات من التحقيق، اثنان وثلاثون بلاغا من مواطنين شرفاء، وتحريات الأمن الوطني؛ لا شيء من كل الأوراق هذه التي اصطفت جانب مكتب السيد رئيس النيابة ونقلت إلى جانب مقعدي وقرائتي وتمحيص وفي ذلك عدة تفاصيل ورد بها كلمة الجيش ولا مرة واحدة! مرة واحدة فقط لم يرد! نهائيا!
ثمان ساعات شحذت عقلي فيها واستعدت أمجادي في التغطيات الخاصة والحوارات الحادة! كان المحقق سريعا والاتهامات كثيرة! اثنان وثلاثون بلاغا وتحريات الأمن الوطني واتهامات من النيابة! ثمان ساعات من التركيز المكثف! قاطع السادة المحامون الأربعة أكثر من مرة بسبب سرعة وكثافة الأسئلة وطريقة صوغ الإجابات. كنت محددة جدا في إجاباتي. انتبه عقلي بكامل حضوري وطول قامتي حتى على الجلوس الطويل مع مشكلات ظهري. جاوبت بلغة عربية صريحة ومدققة جدا، كان لساني مدببا كقلمي وكنت مستقيمة في إجاباتي.
بداية؛ التحقيق لم يأت على معظم التحقيقات الكبرى التي لاقت الرواج والنجاح في سلسلة تحقيقاتي منذ ما يقرب من عام، واكتفى منها بتحقيقات الصندوق السيادي (١) و الصندوق السيادي (٢) و“مصر على شفير الهاوية“ و“ماكرون في خان الخليلي.. كفتة وطرب و ٢ رافال و ٤ مليار و”صَلَّحُه”! و ”مصر بين حكم العسكر والدولة البوليسية (١)“ هل مصر دولة عسكرية أم بوليسية؟ (٢).. المصطفّون خلف القيادة“،
وهي على سبيل المثال:
فضلا هذه المفاجأة الرائعة للسادة، ولأن القضية مازالت قيد التفضل بالنظر من قبل نيابة أمن الدولة العليا، أنوه فقط عما نوهنا عنه في بيانتنا الإعلامية والحقوقية:
الخطير في الأمر فعلا أنني لا بد صحفية خطيرة ومواطنة أخطر! كيف لي أن أغضب كل هذه الأجهزة والشخوص والصفحات لكبار سياسيي الدولة بتحقيقات صحفية قالوا إنها مفبركة ورديئة الكتابة وغير مؤثرة بالمرة! وكيف أتهم بالإساءة إلى الجيش في هذا التوقيت الحساس، وكل هذا الغليان الإقليمي كما ذكرت أنا نفسي يكاد يخنق مصر من كل جانب ولا أسأل عنه في القضية ٤١٩٦ أمن دولة عليا سؤالا واحدا؟!
ده كلام فارغ!