سياسة

صبري نخنوخ.. “رئيس جمهورية البلطجة”

فبراير 21, 2025

صبري نخنوخ.. “رئيس جمهورية البلطجة”

لماذا لُقب صبري نخنوخ بهذه اللقب مؤخرًا وهو أمر قد يؤذيه هو ذاته؟ جميعنا نعلم أن النرجسية تخفي العالم عن النرجسي؛ أتحدث عن نخنوخ طبعا.

في يونيو عام ٢٠٢٣، تحدث عبد الفتاح السيسي عن البلطجة والبلطجية، وأشار عرَضا إلى وجودهم وتسيير ”البعض“ أعمالهم بالاستعانة بالبلطجية. قال نصا: ”ممكن أهد مصر بملياريّ جنيه، ٢٠ جنيه وشريط ترامادول؛ ل ١٠٠ ألف شخص ظروفهم صعبة وانزله يعمل حاله“.

بعدها بأقل من شهر في يوليو في العام ذاته ٢٠٢٣، نقلت أكثر من وكالة للأنباء أثق في موضوعية بعضها، من بينها أسوشيتد برس؛ نقلت أن ٤ من ضباط الشرطة المصرية قُتلوا في هجوم استهدف مقرا أمنيا شديد التحصين تابعاً للأمن الوطني في العريش شمال شرق شبه جزيرة سيناء، وحددت أن الضباط القتلى من العمليات الخاصة. اكتفت أسوشييتد برس بالرواية الرسمية وما جاء على شاشات القنوات الموالية للسلطة وهذا مفهوم. بينما ذهبت بي بي سي وهي تحت نفس الضغوط في برنامجها الخفيف تريندينغ: ”العريش…تقارير عن اشتباكات داخل مقر الأمن الوطني بالعريش المصرية“، وكان ضمن متن الخبر (الترند) كالتالي : ” وأوضحت وسائل إعلام أن الاشتباكات اندلعت من قِبل محتجزين استولوا على أسلحة في المقر الحصين.“

المثير بالفعل بالنسبة لي فضلا عن إثارة الحادث نفسه ودراسة أبعاده الأعمق وتكتم المخابرات العسكرية والداخلية عليه (كالعادة) كان نعي صبري نخنوخ للضابط مؤنس ضابط العمليات الخاصة، عبر صفحته على “فيسبوك“؛ ما وشى بصلة ما بين ضابط الأمن الوطني المغدور بالمقر وكان رتبة رفيعة وكبير البلطجية في مصر.

سبتمبر ٢٠٢٣، تحديدا في الثامن والعشرين منه؛ كان اليوم يوم خميس وصحيفةٌ ذاتُ اسم ساطع لم تعد تلك الورقية التي كان يتلهف عليها القراء، بل أضحت مهزومة تحت ”تسيُّدِ الأمن الوطني“ والترند والأسنان الصفراء. يتصدر صفحتها الإلكترونية مدفوعة الأجر على الأرجح غرفةُ اجتماعاتٍ شديدةُ الفخامة وصفّان من الرجال شديدي التأنق. في مركز الصورة يجلس مِحورُ اهتمامي. رجلٌ متخمٌ بالثراء، والتفاخر.. صبري نخنوخ، ”قرصانُ الوجاهة“. والأجير الأهم للإرهاب في مصر. أو كما أُقيمُ الحُجَّةَ على صُنّاعِهِ في هذا المقال: ”جهازُ الأمنِ الرديف في مصر“.


مسار قانوني معقد

اقتحم الأمن في ٢٣ من أغسطس ٢٠١٢ قصرا كالقلعة لنخنوخ في منطقة ”كنج مريوط“ في الإسكندرية وألقى عليه القبض بتهمة حيازة أسلحة وذخائر لأسلحة أوتوماتيكية بأعداد ضخمة (انتبهوا) وحيوانات مفترسة، وحيازة وتعاطي المخدرات هو وعدد كبير من المرافقين له و حراسه .

ليست السابقة الأولى للسيد صبري نخنوخ ؛ في مايو ٢٠١٣ أصدرت محكمة جنايات الإسكندرية حكما بالمؤبد على صبري نخنوخ مُدانا بحيازة السلاح والذخيرة والمخدرات، ثم أيدته النقض في نوفمبر ٢٠١٤. ثم أصدرت الدستورية العليا بعد ذلك بأيام حكما بعدم دستورية القانون الذي عوقب وفقا لحكمه نخنوخ. إذ أصدرت المحكمة الدستورية حكماً بعدم تنفيذ المرسوم رقم ٦  لسنة ٢٠١٢ للمجلس العسكري بخصوص قضايا الأسلحة والذخيرة!  في فبراير ٢٠١٦ رُفعت دعوى من محامي نخنوخ وفقا للتعديل بعدم دستورية تعديل قانون الأسلحة والذخائر، الذي كان يحظر على المحكمة استعمال المادة ١٧ للنزول بالعقوبة درجة أو درجتين في شأن القانون. قبلته الدستورية العليا وألغت قرار محكمة النقض وأحيلت القضية من جديد لدائرة محكمة الجنايات بالإسكندرية، لكن العفو الرئاسي صدر في الشهر التالي، وتحرر السيد صبري نخنوخ.


العفو الرئاسي ٢٠١٨

”صبري باشا نخنوخ“ اعذروني في العجب العجاب وقد رأيت منه الكثير منذ عودتي لوطني الحبيب؛ قرأت في زمن ما قبل يناير ٢٠١١ أن مغنيا ”كبيرا“ اسمه ”سعد ”الصغير“ يقول ” وزير داخلية مصر اسمه حبيب العادلي، إحنا بقى وزير داخليتنا ”صبري باشا نخنوخ“. أي قبل أن يُصفَقَ حبيب العدلي في فضاءات الارتطام ثم تُصَفّى ثورةُ يناير ببطءِ المتلذذ من الدولة العميقة. لكنها تبقى جملة خالدة عن شخص حولته التحولات المتتالية قبل الانفجار الكوني في مصر من حال إلى حال. كتبتُ صورة عن هذه المتسلسلة  في ”مصر على شفير الانفجار في الجزئين الأول والثاني. كان العفو الرئاسي مريبا، لكنه لم يكن مفاجئا أبدا لي. كنت اتتبع القرائن على نية هذه السلطة خلْق  جيش رديف وأمنٍ رديف. كنت أنتظر من يختار السيسي أو كبار معاونيه، وكما توقعت؛ اختاروا للأمن الرديفِ رجلًا لا عزيزَ له.

الاسم صبري حلمي حنا نخنوخ. اختار السيسي أو بطانتُه رجلا لا يمكنُ أن يقربَ أيَّ جماعة إسلامية متشددة، رجلا يعرف العالم السفلي للمدينة وفركه كالحُمُّصِ بين كفيه. اختاروا أن يمنحوه عفوا ”رئاسيا“ في حكم مؤبد، بعد ست سنوات من الحبس؛ محسوبة بالضبط  (لكي يعي تماما كالوشم من ولي نعمته)؛ سجين بلطجي مدلل، لم يتمكن منه اليأس بعد، والحكم طويل، في عرض من ينقذه من غياهب الحبس الذي يبدو أبديا. أي يوم عيدٍ له هذا! شمل العفو نخنوخ وإلى جانبه مجموعة من المحكومين بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، كي يتوه وسطهم ولا يلفت النظر. لكن هيهات! تهمة نخنوخ لم تكن كالتُّهَمِ المعلبة، التي تُفتح بها ثلاجات القضايا الملفقة للمعارضين والخصوم والصحفيين (الانضمام لجماعة محظورة وتمويلها وتكدير السلم العام وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي). إدانة صبري“باشا“ نخنوخ كانت حيازة الأسلحة وتعاطي المخدرات.

السؤال هو لماذا صبري نخنوخ بالذات؟ والشوارع الخلفية حُبلى بالضائعين والمسحوقين وضحايا الإفقار والعيش الحرام والجهل؟ سؤال استحق البحثَ الحثيث.


النخنوخ الصغير

صبري نخنوخ بدأ تحت جناحي والده حلمي حنا نخنوخ، مع أخويه سامي وسعيد، تاجرا للخردة في عمق العشوائية النابتة في مصر في حي السبتية. أقول عمق العشوائية لا استعلاءً أبدا على ركام الخردة؛ حاشاي فهي أولا وأخيرا مهنة شريفة وشقاؤها حلال. ما أقصده أنها بعيدةٌ في الأصل عن أحياء القاهرة القديمة الكلاسيكية معماريا وإنسانيا في التراكم التاريخي والإرث العميق كحي السيدة أو المنيل أو المنيرة أو العباسية أو عين شمس أو الضاهر أو الأزهر أو غيرهم.. الخردة تُعلّمُ  تقييمَ المادة لا معمارا ولا تاريخ. على كلٍّ السيد حلمي نخنوخ الأب علم ابنه أمرا يقرّبه من المصريين الذين نعرفهم، أن يكون صاحب ”نخوة“، يعني أن ينحاز للضعفاء، حتى إنه معروف في السبتية وعلى وسائل الإعلام التي رسخت بفعل فاعل على صبري لقب ”وزير الغلابة“. لكن هذا اللقب لم يثبت طويلا.

كان صبري نخنوخ منذ صباه مولعا بالسلاح وطبعا في سن اليفوع لم يكن يحق له الترخيص فحاز السلاح الآلي بلا ترخيص. مراهقٌ يحمل سلاحا آليا يخال به على أصحابه وخصومه. عاد ذات مرة وكان في البدرشين فنشبت مشاجرة بينه وبين بلطجي في منطقته اسمه جمال وردة ويمتلك ملهى ليلياً في حي المهندسين. استُدْعى الأمن وسُحب الاثنان واعترف صبري نخنوخ أنه تحتَ السن وأن سلاحَه غيرُ مرخص وفي نهاية التحقيق، حُفظ التحقيق وأُطلق سراحُه بلا ضمان! هُنا، وهنا فقط، أدركَ المراهقُ اللاهٍ بالسلاح أن عالمَه هو عالمُ غريمه في هذه المشاجرة. وأنه طالما ”مسنود“ فلا خوف عليه.


من الخردة إلى ”الإتاوات“

هجر صبري نخنوخ عالمَ والدِه تماما، واستهوته البلطجة. أولى خطواته كانت تكريس عقارٍ من خمسة طوابقَ ملكِ والده في بولاق لتدريب البلطجية على السلاح الناري والأبيض، وبدأت مجموعاتُ البلطجية تفرض إتاواتٍ على محال وسط البلد في القاهرة؛ وهي للقراء من غير المصريين المنطقةُ الأعرق ومن بين الأكثف تعدادا للسكان والمحال التجارية في العاصمة. قرر نخنوخ أن درجته الرفيعة في عالم البلطجة تؤهله ”كزعيم“ أن يترك المهام الصغيرة لل“صبيان“ ويتفرغ هو ودائرته المقربة لملاهي الهرم وفيصل الليلية. وقد كان.

خُصصت ”فردة – إتاوة شهرية بمبالغ خرافية“ لنخنوخ ومجموعته وبنى ثروة ضخمة فوق ثروة أبيه صاحب تجارة الخردة المليونية. حتى وقع تحت براثن حبيب العادي وزير الداخلية آنذاك في مصر فأصبحت لنخنوخ مهام محددة في مقابل غض الطرف عن أنشطته. بدأت ب“خدمة“ انتخابية لصالح لواء كان رئيسا سابقا لجهاز أمن الدولة. أتى نخنوخ على خصم الباشا من الإخوان المسلمين، فحبسه نخنوخ في معرض سياراته يوم إجراء الانتخابات حرفيا ومنعه من الحضور. فكافأه حبيب العادلي بما يشرح قلب صبري، رخص له خمس بنادق آلية، واستخرج له بطاقة بصفة ”مستشار لإحدى دول الكومونولث“! واستخرج له لوحة لإحدى سياراته بأرقام ”دبلوماسية“! ومحى ملفه الجنائي من الوجود! محى سجله الحافل وكأن لم يكن بشخطة قلم!

بدأت ممارسات كثيرة في البلطجة تُروى في مناطق بعينها. أن ”يَكْرِي فلان البلطجية على علان“، أي أن يستأجرهم عليه ذاعت كثيرا بالعالم السفلي للسيد نخنوخ. ثم بدأت أعاجيب نخنوخ تتحول إلى حكايا تتردد بامتلاكه أسلحة غريبة من الصعب استخدامها في عمليات صغيرة؛ بعضها على الوصف قد يرقي لأسلحة صاروخية تحمل على الكتف. هذه طبعا أسلحة لا ترخص للأفراد (تذكروا أسلحة العرجاني صاحب ”الجيش الرديف“.


قانون ٨٦ لسنة ٢٠١٥ 

نشرت الجريدة الرسمية بأمر عبد الفتاح السيسي قانون بشأن شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال تضمنت المادة الثانية منه “أنه دون التقيد بأحكام هذا القانون يجوز لوزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما والمخابرات العامة تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال“.“

فتح هذا القانون الباب لتربح للوزارات السالف ذكرها والتهرب من واجبها الأصلي الذي يدفع كلفته الشعب من دمه وضرائبه وقروضه. أبسطه حماية المنشآت ونقل الأموال وغيرها من مهام عمل الشرطة والدفاع والمخابرات الذي تتقاضى عنه الأجر والامتيازات!  فضلا عن تأسيس كيانات ”غير معروفة وغامضة وسرية طبعا“ لا نعرف إن كانت تعمل تحت ولاءات الجيش أو الشرطة أو المخابرات، ولا نعلم كمواطنين إن كانت خاضعة للرقابة والمحاسبة، ولا نعلم من أين تأتي رواتبهم ومخصصاتهم، والأخطر لا نعلم من أين وإلى أين تصل حدود سلطتهم علينا، في حين أن سلطة من ينشيء هذه الكيانات علينا تكاد تزهق أرواحنا أساسا!

في وقت كان الأرز مُشْبِعا والمرغوب بشرائه كثير، نشر موقع العربية السعودي ضمن مواقع أخرى بتاريخ ١٣ يوليو ٢٠١٥ عن القانون ذاته. اللافت في الأمر هو شهادة ”الخبراء المصريين “ للعربية؛ إذ أكدوا للعربية.نت أن القرار ”جيد وجاء في توقيت مناسب ويهدف لتخفيف الضغوط والأعباء على الدولة ومساعدتها في التفرغ لمواجهة الإرهاب.“ ولكي أحتفظ بشيء من الموضوعية، رابط الموضوع كاملا أعلى الفقرة.

إضافة لذلك كله، فهذا القانون يبدو وكأنه سُطر خصيصا لشركات الحراسة ونقل الأموال. إذ بمقتضاه يُلزم الشركات المعنية بهذا الأمر بتقنين أوضاعها ثم أجاز لها الحصول على تراخيص بعد استيفاء الشروط. قنن عبد الفتاح السيسي لشركة فالكون وجودا شرعيا بكل ما يحمل ذلك من خطورة خلق جهاز أمني رديف للشرطة. في حين أن  أجهزة الأمن لم تقصر معه يشهد الله، ولم تحرم المواطنين من أياديها البيضاء.


”الدعم السريع“

في عام ٢٠١٤ بثت شركة فالكون فيلما تسجيليا عن استحداث خدمة سمّتها ” الدعم السريع“ ولست أدري إن كان هذا من سوء الطالع أم مجرد صدفة أن تسمى على اسم الفئة الموالية للإمارات تحت نفس الاسم في السودان والتي دخلت مع الجيش السوداني الرسمي في احتراب انتهى بغلبة الجيش. الشاهد أن الفيلم سجل صراحة وعلنا أن دور ”قوات الدعم السريع“ يعمل ”بالتكامل“ مع دور جهاز وقوات الشرطة الرسمية! إليكم الأغرب والأكثر فزعا: هذا القطاع ”الدعم السريع والتدخل العاجل“ أُسس في مصر بعد موافقة وزارة الداخلية! وأن الفيلم يحوي مشاهد شديدة الوضوح لأفراد ذي بنية وهيئة رياضية قوية يتعدون بدنيا على متظاهرين من المدنيين ضمن مشاهد دعائية في الفيلم على أنهم مخولون بفعل ذلك بإذن من وزارة الداخلية! وهم مدنيون ليسوا شرطة أو جيشا!


الأمن والحراسة و(خدمات الأموال)

أن يبني صبري نخنوخ ثروة من أي نشاط سلف ذكره فهذا أمر صدر عنه ”عفو رئاسي“!  يعني ذلك أن اختيار السلطة الحالية لنخنوخ لا تريد إبراء ذمته ولا تبييض صحيفة سوابقه الجنائيه. بل بالعكس! تريده كما هو، مخيفا وبلطجيا و ”وزيرا موازيا للداخلية“ كما قال الفنان ”الكبير“ ”سعد الصغير“، بل و“رئيسا لجمهورية البلطجة“، ما دام تحت النظر. ومادام قانون سيصدر ل“توفيق أوضاع شركات الحراسة“.

في ٢٠٢٣ اشترى صبري نخنوخ مجموعة شركات ”فالكون“؛ وكانت تضم ٧ شركات و٧ فروع وتتعامل مع عشرات المؤسسات والأفراد البارزين بحجم أصول بلغ ٨٢٠ مليون جنيه مصري. في ٢٠١٧ أضاف نخنوخ لخدمات المجموعة ”فالكون التواصل للعلاقات العامة“ وخصص هذه الشركة لتأمين المباريات الرياضية والمهرجانات الرسمية للدولة وزيارات الوفود الأجنبية وتنقلات الوزراء والمسؤولين وتأمين 12 جامعة من بينها جامعتي القاهرة وعين شمس الحكوميتين، وجابه ”حراس أمن – بلطجية“ نخنوخ مظاهرات في عام 2014. يعني ذلك باختصار أن بلطجية السيد صبري نخنوخ قامت بسلاح غير مرخص للشرطة ودون زي رسمي بممارسة العنف غير المرخص بدلا من قوات الأمن العام أو الأمن الوطني الغير دستوري أصلا، كسلاح بلطجية خاص باعتباره قوات رديفة.


موقعة الجمل ومذبحة بورسعيد

تردد أن نخنوخ وبلطجيته شاركوا في أحداث جسام مثل تفجير كنيسة القديسين وموقعة الجمل ومذبحة ماسبيرو ومذبحة استاد بورسعيد، وصدرت عدة شهادات من الحضور في مذبحة بورسعيد وأهالي القتلى ولم تلق الاهتمام الرسمي اللائق.

ما يمكن التحقق منه أن صحيفة اليوم السابع مثلا، أحد ألسنة السلطة الحالية التي لم تصمت في العشرين من سبتمبر ٢٠١٢ عنونت التالي: ”استمرار التحقيق فى تورط “نخنوخ” بقتل المتظاهرين بموقعة الجمل.“ اللافت أن من بين المضبوطات في كنج مريوط في قضية حيازة السلاح والتعاطي في قصر نخنوخ ضمن المستندات الرسمية المزورة ”كارنيه يحمل صبري نخنوخ منسوب صدوره لنادى قضاة مصر!“

بينما كتبت المصري اليوم في التاسع والعشرين من أغسطس من العام نفسه ٢٠١٢ عن ضبطية مرعبة من السلاح في قصر نخنوخ بالإضافة إلى أسود ونمور في قصره!

الثابت فعلا هو شبكات نخنوخ الواسعة والعاملة في مناطق البساتين والمهندسين والهرم وفيصل، وأن بعض المحال هناك شهدت مرارا أن نخنوخ ورجاله كانوا على صلة وثيقة بالداخلية في ولاية حبيب العادلي وأن نخنوخ فرض إتاوات على المحال الساهرة في مناطق الهرم والمهندسين خاصة الكازينوهات والمراقص الليلية.

في عام الإخوان بات صبري نخنوخ هدفا مجانيا يريد الإخوان صيده للتدليل على فضيلتهم الأخلاقية، نقطةًٌ يسجلونها دون عواقب على أنهم يفعلون ما يقولون بلا مقاومة تذكر. وكالعادة كانوا واهمين. استُهدِف صبري نخنوخ أولا في إعلام الإخوان ؛ إذ نشرت بوابة الحرية والعدالة المحجوبة مستندًا ينسب ما وقع في مذبحة بورسعيد عام ٢٠١٢ إلى المخابرات الحربية والأمن الوطني. كذلك المجلس النيابي في سنة حكم الإخوان المسلمين، الذي انهال تعريضا وتصريحا على نخنوخ، باعتباره من صور فساد دولة مبارك الزائلة.


حبيب نخنوخ

جريدة الوطن، لسان حال المخابرات العامة (المعروفة بعدائها الصريح للأمن في صراع الأجنحة)  نشرت ٢٦ أغسطس ٢٠١٢ عنوانا  يقول ”تجديد حبس نخنوخ ١٥ يومًا.. والمتهم يؤكد علاقته بحبيب العادلي“ وجاء ضمن متن الخبر ”إذ كشف في أقواله أمام النيابة علاقاته بعدد من رموز النظام السابق بينهم اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية.“

الأمن العام وأمن الدولة (الجناح السياسي) في زمن مبارك كان عليهما تقديم حصة من ”الإيراد“، وكان ذلك النظام معروفا وثابتا لدى البلطجية والمخبرين و عتيدي الإجرام في بعض الأحياء في القاهرة والمحافظات. ارتكنت وزارة الداخلية في سنوات حكم مبارك اللاحقة المتوحشة في سقوطها الأخير إلى الصلة الوثيقة مع ملوك الأحياء ”السفلية“ لتسديد الداخلية أوراقهم وترقياتهم وضبطياتهم، فكان لكل ”بلطجي“ حصة من ”المجرمين والمتعاطين والسيدات المتاجرات بالأجساد“ يُسَلَّمون لضباط الأمن وكذلك توفير البلطجية لحماية صناديق الاقتراع في مواسم تزوير الانتخابات وهو أمر كان مرئيا للعيان لا لبس فيه، في أي فعاليات لخصوم السلطة، و لتأكيد مهابة الموالين لها ومرشحيها.

قبلها في عام ٢٠٠٠ تردد اسم نخنوخ بتوريد بلطجية ل“تأمين“ صناديق الاقتراع في انتخابات مجلس الشعب في أحياء البساتين في الهرم وفيصل بالقاهرة وإفساد بطاقات الاقتراع لصالح مرشح الحزب الوطني المنحل وقد وردت شهادات عن تزوير الانتخابات بالفعل. صدر أكثر من تقرير موثق لحركات رقابية أهلية تطوعية مثل شايفينكم و قضاة من أجل مصر للرقابة على الانتخابات.


”وزير الداخلية الموازي“

كانت المرة الأولى التي أسمع فيها هذا النعت. أصدقاءٌ لي كانوا مهددين لأمر خاص ؛حوّل بلطجيٌ صغير في مشكلة مع أصدقائي أمرهم ل“ أسطورة البلطجة “. بعدها سمعت في سياق ذات المشكلة ومناسبات عدة أكثر من مرة أسماء حركية أو بالأحرى فخرية أخرى للسيد نخنوخ، مثل ”مدير العالم السفلي“ و ”وزير الداخلية الموازي“. وتوقفت تماما عند هذا الاسم الأخير.

هو فقط يُذكر عندما يكون الأمر جللا، آت من ”عند ناس حبايب السيد نخنوخ“ أو ”من عند الناس اللي فوق“ أو ”بأمر من الباشا“ طبعا لا أحد يُعرف أيُّ باشا من البشوات أو من عند من فيمن هم ” فوق ”، وأيٌ من هؤلاء الذين أوقَعَنا حظُنا العَسِر أنه ”فوق“ ليسلّط علينا ”وزير الداخلية الموازي“ فيكفينا وزيادة وزيرُ الداخلية ”الميري“ والأمنُ ”الوطني“. قبل أن تتعاطفَ هذه السلطة مع نخنوخ ويمنحَه عبد الفتاح السيسي عفوا رئاسيا. بات نجم نخنوخ لامعا ومخيفا في عالم البلطجه وتوريد البلطجية.


صبري نخنوخ (الزميل) رئيس مجلس إدارة جريدة ”الدولة اليوم“

قبل أن تقع السلطة في محبة صبري نخنوخ، نشرت بوابة الأهرام في أكتوبر ٢٠١٢ أن نخنوخ ثبّت لافتة عريضة تصدرت عمارة قديمة في شارع مزدحم بالمارة في أحياء وسط البلد بالقرب من التحرير، تحمل اسم ”جريدة الدولة اليوم“ يتصدرها شعار ”الكلمة حق، الحكمة عدل“: لرئيس مجلس الإدارة صبري نخنوخ. بحسب ما ذكرت بوابة الأهرام نقلا عن بائعي الجرائد آنذاك فالجريدة انتوت إنتاج ”باكورة أعمالها“ بعد ثورة يناير ٢٠١١ بحوالي خمسة أشهر  من شقة بنفس الحي  بإيجار قديم للسيد صبري نخنوخ وأنه كان ”يرتادها بعد منتصف الليل كل يوم“. ثم بغمزة ذات دلالة كما ذكرت الزميلة الصحفية محررة المقال من أحد أقدم البائعين، أشار لها إلى أن هذه الشقة كانت وكرا لأنشطة نخنوخ ”إياها“، وأنه كان ينتظر فيها ”التعليمات والأوامر“ المتعلقة بمهامه ورجاله في ميدان التحرير وقت الثورة.


قانون البنك المركزي والقطاع المصرفي رقم ١٤٩ لسنة ٢٠٢٠

مالا يعرفه كثيرون أن فالكون كانت مجموعة وازنة لشركات الأمن الخاص تأسست عام ٢٠٠٦، مالكها كان البنك التجاري الدولي. وللمفارقة البنك نفسه أقال رئيسَه البنكُ المركزي المصري في ٢٠٢٠ بعد أن سُرب  لرئيس البنك التجاري هشام عز العرب شريطٌ نسب له فيه مخالفاتٌ ماليةٌ وانحرافاتٌ اقتضت وقفَ البورصةِ المصريةِ التداولَ على أسهم البنك. لافت أيضا أنه في نفس العام صدق رئيس السلطة الحالية عبدالفتاح السيسي، قبل هذه الواقعة بشهر واحد على قانون البنك المركزي والقطاع المصرفي رقم ١٤٩ لسنة ٢٠٢٠، الذي أقر عددا من التعديلات على دور البنك المركزي في القطاع المصرفي ليطلق سلطاته على مجالس إدارة البنوك العاملة في القطاع المصرفي المصري.

نعود لشركة ”فالكون“ المملوكة للبنك التجاري الدولي. في البداية كان الشركة ذات المقر الواحد والفرع الواحد تحمل اسم ”الشركة الدولية للأمن والخدمات“. اللافت أن مصرفا بهذا الحجم يؤسس شركة توفر الأمن الخاص لمؤسسات كالفنادق وأفراد كرجال الأعمال، ليس ذلك فقط، بل وتقدم خدمات ”نقل الأموال“ يعني نقل المبالغ الضخمة تحت الحراسة بسياراتها وحراسها من مكان لمكان. هذا المجال غير المطروق في مصر في آنه إلا للمصارف الخاصة، إذ إنّ حتى المبالغ الضخمة كالمرتبات وغيره كانت ينقلها موظفون عموميون في حقائب متهالكة. بعد توسع المصرف وشركته ”فالكون” في هذا المجال أسست فالكون الأم بعد أن تضاعف عملاؤها (يعني ذلك تعطش السوق وعدم وجود منافسين كثر) من مصارف وجامعات خاصة وسفارات وأندية، توسعت ”فالكون“ في سبع محافظات وأنشأت شركتين مهمتين لما سيأتي إضافة ”للأمن“ و ”نقل الأموال“ زاد عليهم ”فالكون للخدمات العامة“ وفالكون ”لإدارة المشروعات“.


فالكون في العراق!

لفت نظري جدا بالبحث في تاريخ ”فالكون“ أن أجدها ضمن شركات الأمن الخاص في العراق؛ خاصة بعد جرائم شركة الأمن الخاص الأمريكية ”بلاك ووتر“ التعاقدية للحكومة الفيدرالية الأمريكية، صاحبة الفضيحة الكبرى إبان السنوات الأولى للغزو الأمريكي للعراق. إذ أقدم ”أفراد“ الشركة في ١٦ سبتمبر ٢٠٠٧ على قتل ١٧ مواطنا عراقيا وجرح العشرات بعد إطلاق النار على سيارة تقل مدنيين عندما كانت ”بلاك ووتر“ ترافق موكبا لمسؤولين في الخارجية الأمريكية.

ذكر هذه الوقائع لأنبه القارئ المحترم ألا يعتقد أن ما يسمى بالحراسات الأمنية وشركاتها يمكن حصره بعدد العاملين فيه كالميليشيات، الذين عادة يستظهرون قوتهم بالسلاح والزي شبه العسكري؛ ببساطة لأن عناصر المرتزقة يرتدون أزياء مدنية ولو لم تأت لهم الأوامر باستظهار القوة خاصة لو في أحياء أو أماكن مزدحمة يكون من الصعب فرزهم الإحصاء عددهم. أعود لشركة فالكون. لماذا تمتد عقود فالكون للعراق؟ وهل شركة فالكون بالفعل شركة متعددة الجنسيات كما تعلن عن نفسها؟ لماذا تعلن عن وجودها فقط في دولتي مصر و العراق؟ ولماذا رغم توسع أنشطتها تقدم نفسها بالخدمات الثلاث: شركة أمنية – للحراسات ونقل الأموال؟

نُقل عن الأستاذ أبو العلا ماضي رئيس حزب ”الوسط“ المقرب من فكر الإسلام السياسي نقلا عن قياديها في عام حكم الإخوان المسلمين أن عدد البلطجية ”المسجلين“ بلغ ٣٠٠ ألفا وأن من شكّله هو جهازالمخابرات العامة وأنهم يأتمرون بأمر أمن الدولة ”الأمن الوطني“، بينما رصد ”المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية“ الحكومي أن ما يزيد عن نصف مليون بلطجي مسجلون رسميا. استند زملاء آخرون إلى أن مبلغ٥٠٠ جنيه في الساعة هي التعريفة لاستئجار البلطجي ”المتودك“ أي المحترف في الإرعاب وفنون الأذى (كان هذا في ٢٠١٥ انتبهوا).


انتخابات نقابة المهندسين ٢٠٢٣

واقعة للبلطجية لحساب السلطة بشهادات الحضور. اعتدى البلطجية لحساب (مستقبل وطن)  مايو ٢٠٢٣ على انتخابات الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، وحطموا صناديق الاجتماع، بعد تجديد الثقة في المهندس طارق النبراوي، بعد إشارة الحضور من المهندسين (مسجلة صوتا وصورة أكثر من مرة) لاستعانة الجهات الأمنية بالبلطجية لفرض مرشح ”مستقبل وطن“ على انتخابات الجمعية العمومية للنقابة. لإثبات صلة بلطجية بالاسم والصورة بمسؤولين وأعضاء بحزب مستقبل وطن، عمل الزملاء في الموقف المصري على تحقيق استعانوا فيه كذلك بتحقيقات مفتوحة المصادر وأدوات التدقيق ومضاهاة الوجوه لكل من المنصات الزميلة المختصة بالتدقيق ”ماتصدقش“ و ”صحيح مصر“.


الانتخابات الرئاسية ٢٠٢٣

(قبل أن أخوض صحفيا في هذه النقطة. لم ولن أستعين بأي توثيق لمنصة كنت أعمل فيها أو لعمل أنجزه زملاء حتى لو لم أحرره إبان رئاستي قسم التحقيقات بمنصة مدى مصر في توقيت الحملة الرئاسية لأحمد الطنطاوي لأنزّه عملي هذا عن أي شبهة لهوى أو غرض. ولن أستعين بما وثقته حملة أحمد الطنطاوي لتنزيه عملي الصحفي عن شبهة الأمر ذاته.)

كانت مرحلة الإعداد للانتخابات الرئاسية أهم من الانتخابات نفسها. كان القصد إرعاب  الناس في أدمغتهم لا خارج منازلهم حتى. مجرد التفكير في بديل سيعرضك وأهلك ل ”ناس ما تعرفش ربنا“. ”خلي بالك دول ناس إيدهم طائلة“ بلاش ”نخنوخ إيده طرشة“، وهكذا. حضر البلطجية على أبواب الشهور العقارية في فترة الاستعداد للانتخابات الرئاسية، حتى قبل أن تبدأ.  قام البلطجية تحت عين الشمس وبشهادة الآلاف من المواطنين بحصار مقارّ الشهر العقاري بمنع أنصار أحمد الطنطاوي وحملته – من تحرير توكيلات له لاستكمال مسوغات ترشحه بمواجهة السيسي، وقاموا بالتعدي عليه شخصيا في أحياء السيدة زينب في القاهرة والشرقية في جولته بالمحافظات.

الرابط الذي ستجدونه في كلمة ”الشرقية“ يشرح فيه الزملاء في (الموقف المصري) غيضا من فيض عن الكيفية التي أديرت بها حملات الانتخابات بالفساد والإفلات من العقاب وإساءة استغلال النفوذ والمال السياسي واستغلال الاحتياج المادي لبسطاء المصريين لحشدٍ مصطنعٍ لمرشح ليس بحاجة لرسم صورة مزيفة أمام شعب يدفع الثمن كل يوم لسياسة فاشلة وقمعية كي يستعين بالعالم السفلي؛ للإيهام بوجود منافسين وحبس المنافس الحقيقي بعد منعه بالبلطجة من إكمال الترشح، ثم حرمانه من محاكمة عادلة بلا انتهاكات صارخة، كما سمتها المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان في مايو ٢٠٢٤. كل ما أسلفته هنا لم يكن ليتم، لولا الاستعانة بالبلطجية في ركب الأمن “الوطني” أو سمه مجازا جهاز “أمن الدولة“ السابق و“معاونيه“.


صبري نخنوخ وإبراهيم العرجاني

مرة واحدة ذكر الاسمان معا. كان تلاسن غير حميد على ترند التواصل الاجتماعي الذي لا يعف عليه غير الذباب الموجه بالأمر المباشر وبقايا ملايين المحبطين والفارغين والملايين ذوي الغل والبطالة المقنعة خلف شاشات البطولات الوهمية والوطنية والمثالية المزيفة الهشة خلف شاشات الهواتف المراقبة. كانت ملاسنة بين أقذع وأشهر المتلاسنين من طرفين. ما لفتني هو محاولة تهديد الطرفين كلٍ للآخر أحدهما بإبراهيم العرجاني والآخر بصبري نخنوخ، الأول بقائد ”الجيش الرديف“ ”قائد ميليشيا فرسان الهيثم“ والثاني ب“وزير الداخلية الموازي“، ”رئيس جمهورية البلطجة“. كلاهما في مصر، ”الجمهورية الجديدة“.


خاتمة

بقراءة مقالاتي السابقة عن العرجاني أقول لحضراتكم مكمن الخطورة في سلسلتي عن الجيش والأمن الرديفين الذين صنعتهما هذه السلطة لحماية نفسها. أصبح لمصر جيشان أحدهما نظامي والآخر ميليشيا، وأصبح لها جهازان للأمن، أحدهما جهاز مدني شرطي عام وطبعا جهاز الأمن الوطني سيء الصيت، والثاني سلاح خاص بلطجي. الجهازان الرديفان خارج القانون صنعتهما السلطة لحماية النظام لا لحماية الشعب. وهذا أمر ينتفي معه احتكار الدولة لأدوات العنف المقنن بالتالي تنتفي معه سيادة الدولة، وأمن المواطن..

حُرر هذا المقال في فبراير ٢٠٢٥، بالاستعانة بالمصادر المفتوحة:

الجريدة الرسمية المصرية

بوابة الأهرام

مونت كارلو

موقع جريدة الشروق

موقع المعرفة

موقع العربية

الموقف المصري

شهادات مواطنين ومنصات تدقيق مختصة

ماتصدقش

صحيح مصر

عربي ٢١

شارك

مقالات ذات صلة