سياسة

الصندوق السيادي (٢)

مارس 14, 2025

الصندوق السيادي (٢)

أليس فيكم يَحْيَى حُسيْن عَبْد الهَادِي؟

 


صَدَقَ تَحْقِيُقُنا وَتأَكَّدْ 

بعد أقل من ٧٢ ساعة من مقالنا هل اشترت الإمارات القاهرة الخديوية؟.. خديعة الصندوق السيادي! أعلنت الحكومة المصرية -كما استشرفنا تماما- عن خطة لنقل إدارة جميع الشركات المملوكة للدولة إلى صندوق مصر السيادي. في الواقع وعلى الرغم من أن يدِيَ هذه التي كتبت التحقيق ووضعت نقاط ارتكازه لفرضية أثبتتُ بالدلائل والحجج أنها التفاف على القوانين الإدارية لنقل الثمين في القاهرة الخديوية لحوزة الصندوق السيادي انتهاء إلى ما أثبتناه بالحجة؛ إلا أن ربّكم والحق، فوجئت بقرار ضخم كهذا مرة واحدة. جميع.. (جميع) الشركات الحكومية انتقلت من القطاع العام إلى الصندوق السيادي.

 

الجمهور المستهدف (المستثمرين)

حقيقةً، سبق وأعلن وزير الاستثمارات المصري حسن الخطيب عن خطة مشابهة الشهر الفائت، استخدم منطوقا مشابها في السادس والعشرين من فبراير ٢٠٢٥. لكن معامليْن كانا مختلفين عن الإعلان العام:

الوزير قال مصر ”تعتزم“،  فأوحى ذلك بأن هناك مشروعا تجري دراسته وإقراره من جهات مختصة في الحكومة والبرلمان والهيئات الاقتصادية والمالية والإدارية المعنية مثلا، وثانيا أن ”الاعتزام“ أعلن خلال مؤتمر ”إنفستوبيا ٢٠٢٥“ في العاصمة الإماراتية ”أبو ظبي“ فجمهور من نوعية حضور ”إنفستوبيا“ الذي تلقّي هذا المشروع، افتراضيا جمهور يختلف عن  المصريين الذين يلتقونه صدفة في مقال كهذا. جمهور سّلم افتراضيا، أو سُلّمت عنه أموالُه العامة وممتلكاتُه (أموال الدولة)  لل”دولة” لإدارته.

التملك للدولة هو في الأصل تمكين من المالك الأصلي (الشعب المصري) للإدارة والمحاسبة على حسن أو سوء الإدارة.

 

الجمهور غير المستهدف (الشعب المصري صاحب الشركات)

عبقرية التوقيت

في الإعلان للجمهور العام جاء الإعلان تحت وهج لهيب الإقليم المحموم بين المقاومة وإسرائيل والصف المطبع الكبير الذي يجول في مصر ونحضر مؤتمراته ويشاركنا كل خططنا تقريبا سواء فيما نملك أو فيما ”نعرض“ للاستثمار وشارف على امتلاك كثير مما نستقصي عنه ونكتب في سلسلة المقالات هذه. أزمة اقتصادية ممتدة لجذور الطبقة المتوسطة، حولت جلها تقريبا إلى سلسلة الطبقات الفقيرة وفرمت المسحوقين والفقراء تماما.

 

القرار السيادي اتُخذ ويُنفذ

في الخامس من مارس قال مسؤول مصري لموقع CNN طبعا على شريطة ألا يفصح عن اسمه؛ لعل ما يقول ناقصا كلمة أو زائدا حرفا فيضيع في ”توكر“، إن الحكومة المصرية تخطط لبدء إجراءات نقل ملكية “عددٍ” من الشركات المملوكة لها (انتبهوا – للحكومة) للصندوق السيادي خلال ”الربع الثاني من العام الجاري (أبريل- يونيو)“. كما ”تسعى الحكومة لطرح تلك الشركات من خلال الصندوق على المستثمرين للاستثمار فيها“.

الحكومة المصرية حتى أغسطس ٢٠٢٤ تمتلك ٧٠٩ شركة تابعة إلى ٣٣ جهة حكومية،  موزعة على ١٨ قطاعا اقتصاديا ومملوكة لجهات مختلفة. تبلغ فيه هذه الشركات مساهمة الحكومة نحو ٢٣٪ من تلك الشركات نسبة تتجاوز ٧٥ ٪  أي حوالي ١٦٣ شركة (وفقا لوثيقة موقف الشركات المملوكة للدولة الصادرة في سبتمبر ٢٠٢٤).

 

قانون ”تنظيم ملكية الدولة“

موقع رئاسة الوزراء كان قد وافق في الخامس عشر من مايو ٢٠٢٤ على مشروع ”قانون تنظيم“ ملكية الدولة في الشركات المملوكة لها أو التي تساهم فيها“. بداية الشركات التي    يكون رأسمالها كاملا تابعا لهيكل وحدات الجهاز الإداري للدولة أو ”الأشخاص الاعتبارية العامة“ وفقا لخص هذا المشروع ” أيا كان النظام القانوني الذي تخضع له“ نصا كما هو في المشروع الذي أقره مجلس الوزراء، ثم الشركات المملوكة لتلك الشركات ( الشركات المملوكة لشركات الدولة“ سواء بمُفردها أو بالاشتراك مع وحدات الجهاز الإداري للدولة؛ أو الأشخاص الاعتبارية العامة، كما تسري أحكامه (القانون) على مُساهمات وحدات الجهاز الإداري للدولة والجهات والشركات المُشار إليها سابقاً؛ في رؤوس أموال الشركات غير المملوكة بالكامل لها، وذلك في حُدود تلك المُساهمات، ودون إخلال بالقواعد والاشتراطات الواردة بعقود تأسيس هذه الشركات وأنظمتها الأساسية؛ أو باتفاقات المُساهمين؛ أو اتفاقات الاستثمار التي أنشئت طِبقاً لها.“

 

اختصارا:  ١٨ وزارة و ٨ محافظات، والبنك المركزى المصرى، والهيئة العامة للرقابة المالية، وهيئة الشراء الموحد، واتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهيئة تنمية الصعيد، والهيئة العامة لقناة السويس، هي الثمانية عشر قطاعا اقتصاديا عامّا التي ستحلق بكل الشركات المشار لها أعلاه التي  ستدخل حوزة الصندوق السيادي.

 

بقراءة موضوعية لهذه الديباجة المعقدة عمدا. فإن الشركات المملوكة للدولة، أو المملوكة جزئيا للدولة الآن أحيطت جميعها حتى إذا كان جزئية ملكية الدولة لبعض من أسهمها مع وحدات إدارية أو جهات أو شركات أو شخصيات اعتبارية أخرى بالقانون ”التنظيمي“ لمكليتها تريدها لما اتفق عليه الاثنين العاشر من مارس ٢٠٢٥ وهو استحواذ الصندوق السيادي لكل شركات الدولة. كلمة واحدة.

 

في المقال قبل السابق كتبت عن تشابك فكرة استحواذ الصندوق السيادي للدولة على شركات التأمين تحت شركة واحدة قابضة كخطوة (مصر القابضة للتأمين) ثم استحواذ الصندوق السيادي على عقارات منطقة وسط البلد في العاصمة المصرية القاهرة بالامتلاك والحيازة والإخلاء والبيع والشراء. ما يعني ببساطة حق البيع لأي ”كيانات“ أو ”أفراد“ أو جهات ”استثمارية“ لم يحدد السيد رئيس الوزراء لا شروطا من حيث جنسيتها أو شراكاتها أو ما إذا كانت تتعهد بالحفاظ على الهوية والتاريخية والبصرية والمعمارية للمنطقة من عدمه. كما لم يتم لا حوار مجتمعي ولا نيابي لهذا القرار السيادي ولم يُضبط من السلطة القضائية بأي صورة.

 

إجراءات ”التعزيز الاستثماري“ لقرار ”الصندوق السيادي“

لمّا أعلن السيد وزير الاستثمار عن الخطة المزمعة نشرت الصحافة الإماراتية ومكاتب الصحافة الدولية العاملة منها بكثافة عن برنامج اقتصادي ”مصري“ قالت حديث السيد الوزير في إطار خطة تهدف ”لتنويع الاستثمارات“ وجذب مزيد منها، الأخطر الذي من الممكن أن يمر إذا قُرأ في مناخ مستقيم هو أن هذه الإجراءات مشفوعة ب“ تعزيز زور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي“.

 

مجلس الوزراء المصري عدّد  في الثامن عشر من أغسطس عام ٢٠٢٤ إجمالي الإجراءات ”الإصلاحية المنفذة بالفعل في الفترة بين مايو ٢٠٢٢ وحتى يونيو ٢٠٢٤، بنحو  ٢٩٣ إجراءً إصلاحيًا ”داعما للقطاع الخاص“. اللافت في صيغة الرصد المتاحة على صفحة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن ديباجة أقرب للشمول منها للنص باتت تُقرأ في ضوء المعطيات الجديدة بشكل مغاير. الإجراءات المعلنة على صفحة رئاسة الوزراء جاءت بالخاتمة التالية:

 

”بما يتماشى مع مُضي الدولة قُدمًا في تنفيذ سياسة ملكية الدولة للأصول التي تتضمن مسارًا شاملًا لتمكين القطاع الخاص. وأكد الدكتور أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء ورئيس المركز، سعي الحكومة المصرية إلى تبني العديد من الإصلاحات الداعمة لدفع وتيرة النمو الاقتصادي والوصول إلى معدلات نمو مدفوعة بالأساس بنمو القطاع الخاص، والتي تمثل الهدف الرئيسي لوثيقة سياسة ملكية الدولة“.

 

سأرجيء الحديث عن وثيقة سياسة ملكية الدولة لنبقى لدقائق في الخطة الاقتصادية المزمعة. كتبت ”دورية الاقتصادية“ عنوانا ”مصر تعتزم نقل إدارة شركات الدولة إلى صندوقها السيادي على دفعات“. وهو عنوان مغاير لما أعلنته الحكومة سواء الشهر الفائت في الإمارات أو عَرَضَا الشهر الجاري باعتباره أمرا سياديا وينفذ بالفعل. ما يهمني في منشور ”الاقتصادية“ من الإمارات عن حديث الوزير أن الإجراءات كما أعلن لجمع المستثمرين وأثرياء القوم أن الإجراءات تشمل ٦ محاور:

  • تعزيز مرونة وإصلاحات سياسة سعر الصرف.
  • وتعزيز المنافسة والحياد التنافسي.
  • وتشجيع القطاع الصناعي.
  • ودعم الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال.
  • الإصلاحات ذات الصلة بالأطر القانونية والتنظيمية والمؤسسية.
  • تنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة.

ما دور المجلس التشريعي من قرارات السيادة العليا والسلطة التنفيذية؟ 

كل ذلك عظيم جدا، لكنه يعود بنا لنقطة تبدو منسية أو متضائلة لحد عدم الاهتمام. وهو ما أرجأته قبل عدة أسطر. من يتخذ هذه القرارات ومن يشرعها والأهم من يحاسبها وأي رقابة تضمن حقوق المواطنين فيها؟  من يضمن للمواطن حقه وللدولة كذلك.

تأسس لدى المواطن المصري أن لفظة ”ملكية الدولة“ أو ”الصندوق السيادي“ أو غيرها من المفردات المستبيحة من السلطة من رأسها لأدناها في سلم البيروقراطية الرسمية بالمصرية القُحّ أن ”الدولة“ تتعامل في ”ملكها“! ومن حكم في ماله فما ظلمّ! وما يبدو أنه لحد الروتين والبيروقراطية الإدارية وكل وجع الدماغ هذا، مايصدر لهامش معين من المواطنين هو أننا في حالة حرب والأشرار يريدون لتجربتنا السوء وأن كل من يتحدث عن أي عوار هو إما خائن أو إخوان.  تصدر القرارات أولا بأول من رأس هرم السلطة لأنهم يحبون الإنجاز والسرعة وإنجازاتُهم سترد على كل ادعاءات أعداء النجاح.

 

الحوار المجتمعي في وثيقة سياسة ملكية الدولة

ذات الصفحة ”وثيقة سياسة ملكية الدولة“ تبدأ ببيان صحفي للسيد رئيس الوزراء يعلن أنه دشن جلسة ”حوار مجتمعي“ بشأن ”سياسة ملكية الدولة“ بتفاصيل شافية جدا ووافية حقيقة. ”المعلن أن الحوار المجتمعي بحضور عدد من الوزراء والمسئولين ، والعديد من خبراء الاقتصاد والمتخصصين، وممثلين عن مجلسي النواب والشيوخ، والقطاع الخاص، والمجتمع الأكاديمي، واتحاد الصناعات المصرية، والاتحاد العام للغرف التجارية”. ممتاز!

كذلك:

”آليات الحوار مع الخبراء تتضمن: إطلاق منصة إلكترونية حوارية، وعقد ورش عمل، وتدشين تطبيق للهاتف المحمول، حيث أعلن تدشين “منصة حوار الخبراء لوثيقة ملكية الدولة”، كمنصة إلكترونية لخلق حوار بناء بين نخبة من الخبراء والمتخصصين والحكومة المصرية، تتيح كافة المنشورات والوثائق حول الوثيقة، وأبرزها ملامح وثيقة ملكية الدولة، ودور صندوق مصر السيادي، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، كما تسمح بعقد ورش وحوارات إلكترونية في غرف نقاشية، وكذا استطلاع آراء الخبراء وذوي الشأن والمختصين. ويمكن الدخول عليها من خلال الرابط اضغط هنا وهناك فيديو حول المنصة“.

 

كل ذلك أعظم من العظيم بدرجة. السؤال هو، ما دور اللجان المختصة في المجلس التشريعي تصويتيا؟  فهمت أن ممثلين عن مجلسي الشيوخ والنواب حضروا الحوار. من أي أحزاب؟ هل بينهم مختصون؟ هل الشخوص المنتقاة للحوار المجتمعي تتوافر فيهم فضلا عن علمهم وكامل الاحترام لكل منهم فرادى ومجتمعين ضمانة الانتماءات السياسية المختلفة التي من المفترض أن يضمها المجلس التشريعي حتى في لجانه النوعية؟ هل الناتج ”للحوار المجتمعي“ يعرض على مجلس النواب للتصويت؟ طيب على الجمهور قبل إقراره؟ هل هناك أي اعتراضات على أحد أو بعض هذه السياسات أو الخطة أو وثيقة ملكية الدولة؟ هل هناك أي دور أو ممثلون للنقابات التي حُلت أو للجهات الرقابية التي ستراقب الأداء الحكومي باعتباره تغيرا شاملا للاقتصاد السياسي لمصر (في المال العام) سيؤثر على جيلين على الأقل من المواطنين المصريين الذين يدفعون كلفة الحوار الوطني والقرارات البرلمانية الموالية والسلطة التنفيذية والقرارات السيادية وحدهم دون أن يبدو على الدولة أي ملامح للمعاناة ولا الاستدانة ولا نقص رأس المال لبناء القصور والطرق ”التي يدفع كلفتها المواطن مرتين مرة في الضرائب ومرات على كارتا هيئة الطرق والكباري كل يوم“؟

 

حقيقة الإجابة تستوجب شفافية أوضح من موقع قد لا تمتد له يد المواطن الذي يعاني بطء شبكات الإنترنت إذا كان التيار الكهربي منتظما. على العموم رئاسة الوزراء أتاحت لنا المشاركة في رابط أعيد تعزيزه هنا للمشاركة كمواطنين نوافق أو لا نوافق على التحول في سياسة مصر الاقتصادية. لافت جدا أن هذا التطبيق الذي يفترض أن يشارك به المواطن رأيه أو خبرته إن كان مختصا في قرار مصيري كهذا حمّله أكثر من ألف شخص فقط بعدد ضئيل. يعني لو حسبنا السادة والسيدات الأفاضل والفضليات المشاركين في ”الحوار المجتمعي“ الذي دشنه السيد رئيس الوزراء من الممكن جدا أن يضاف إليهم عدد من موظفي هيئاتهم الحكومية أو الخاصة أو الأكاديمية. على كل. فلنأخذ كمواطنين فرصة حقيقية للمشاركة المجتمعية لتحديد مصيرنا الاقتصادي في وطننا. وسأبدأ بنفسي.

 

لماذا يستدعي عقلي فوريا فكرة الرقابة والمحاسبة للقرارات العملاقة خاصة فيما يتعلق بالمال العام وملكية الدولة وأصولها؟ قد يكون من غير اللائق الحديث عن الرجليْن مجتمعيْن على الرغم من الفجوة الزمنية بين قصتيهما إلا أنهما يمثلان مجتمعيْن دورة كاملة لنموذج التنفيذ بشرف والرقابة بشرف لأي مشروع مشكوك أو غير مشكوك في نجاعته حتى لن أفترض الأسوأ.

 

المهندس يحيى حسين عبد الهادي والمستشار هشام جنينة 

دراستا حالتين – كيف يدار المال العام؟

تؤسفني جدا هذه البادئة السوداوية لكن كليهما انتهى به الحالُ مسجونا. دفعا كلفة الشرف والاستقامة في السجن. بداية غير مشجعة أليس كذلك. قصدت السرد بالضفيرة التالية لأرسم لحضراتكم دولة لن أقول فاضلة لكن مستقيمة. الاثنان موظفان عموميان. الأول المهندس يحيى حسين عبد الهادي دفع الثمن عاجلا وآجلا. المهندس المفضال الذي اختطف أخيرا من سيارته في طريقه إلينا في ندوة للحديث عن ”الفساد“ ويقضي وهو فوق السبعين فترة من الحبس الاحتياطي. هذا الرجل وقف في ٢٠٠٦ وقت الفساد الرائق المؤسسي وقفة أسد لبيع أصول الشركات وموجة كبيرة للخصخصة في عهد حسني مبارك في وقت وقّع كل الموظفين في الدرجات البيروقراطية الوظيفية من الأعلى للأدنى على تكهين وخصخصة وبيع شركة عمر أفندي ضمن موجة كبيرة من ”تطوير وإدارة وإنجازات“ سيادية أيضا.

تقدم المهندس يحيى حسين وهو في الأساس رتبة عليا في المؤسسة العسكرية المصرية التي كتبنا عنها بين الربح والعقيدة. انحاز المهندس يحيى العقيدة وقدم في ٢٠٠٦ وهو يعلم ثمن ما سيفعل ملفا فضح فيه فساد صفقة عمر أفندي مشفوعا ببلاغة رفيعة في خطاب سماه أوراق اعتماده للشعب المصري. عُزل طبعا من كل مواقعه الوظيفية الراقية. ثم وقع حظ السلطة الحالية العثر حين قرر المهندس يحيى حسين أن دوره لن يقف هنالك. يكفيني أن أدلل عن أدواره بعد استئصال خدماته الجليلة لوطنه جملة واحده قالها بعد يناير ٢٠١١. قال :”حتى لو لم نستطع استرداد أموالنا المنهوبة، فإن الشعب الذى أذهل العالم بثورته المتحضرة قادرٌ على أن يعيد بناء مصر من العدم“.  قال أيضا: “مصر وطنٌ كبيرٌ كبيرٌ كبير.. أكبر من أن يسطو عليه الصغار والإمّعات والتافهون والأنذال“. ولا تقلقوا فلن نزيد الاتهامات عليه بهذه العبارات، كتبها باستبسال وشرف ويريد منا أن ننشرها في أسره فك الله حبسه.

لاحقته السلطة الحالية بالطبع منذ ٢٠١١. أسس الحركة المدنية الديمقراطية وينسى ذلك الكثيرون للأسف، لأسباب ليس لها مجال هنا. مقالاته أزعجتهم جدا. الكلمات المكتوبة تزعجهم فعلا. هذا الرجل الملاحق كان يوما مديرا لمعهد إعداد القادة. هو الآن للمرة الثانية في قبضة السجان ويقول أعرف أني سأموت حبيسا. هذا هو الموظف العمومي في أعلى السلم الوظيفي الذي يعرف كيف يدار المال العام.

 

أما الثاني فهو المستشار هشام جنينة. السيد المستشار هو قاض مصري. قاضٍ. ممن تهتز الأبدان حين يقول ” وقد استقر ضمير المحكمة“ الكلمة التي لم أفهم يوما كيف تقال بعدها كلمة زورا. عين في ٢٠١٢ بعد رئاسته بتاريخ مشرف وحافل بالاختبارات والبهاء لمحكمة استئناف القاهرة. هو رمز حقيقي لتيار انتفض لنصرة القضاء وإنقاذه من استئساد السلطة والسيادة تيار استقلال القضاء. عين المستشار جنينه في عام الإخوان رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات بدرجة وزير.  هذا المنصب يكتب تقاريره وتسلم مباشرة لرئاسة الجمهورية. انكب الرجل المفضال على عمله ثم قدم تقريرا شافيا وافيا بما وثّقه من فساد مستشر في قطاعات الأعمال العامة فأعفاه عبد الفتاح السيسي من منصبه. قبلها ”وافق“ مجلس النواب على ”قانون“ أصدره السيسي في يوليو ٢٠١٦ يمنح نفسه فيه سلطة إقالة رؤساء الهيئات الرقابية ”المستقلة“! استشكل في فصله التعسفي المستشار هشام جنينه أمام محكمة القضاء الإداري. واعتزم الانضمام لنقابة المحامين والاشتغال بالمحاماة.

 

جاء الفريق سامي عنان يعلن نيته الترشح للرئاسة عام ٢٠١٨، ورشح اثنين يثق في شرفهما لتشكيل ”نواة مجلس مدني“ المستشار هشام جنينه  والأستاذ الدكتور حازم حسني رحمه الله. توالت أحداث كثيرة أسردها كل في حينه. اثنان من هذه الأسماء الرفيعة تعرضت للتصفية مباشرة (القتل) والثلاثة حبسوا على ذمة قضايا أو محكومين. أما المستشار هشام جنينة فقد خرج الحمد لله بعد انتهاء حكمه. ومازال مستهدفا هو وأسرته في رزقهم وأمانهم.

 

هكذا ياسادة يدار المال العام، في عالم ليس مثاليا؛ فقط مستقيما ونزيها. إذا عشنا، أكتب عنه المزيد.

شارك

مقالات ذات صلة