رياضة
اشتهر هانزي فليك بملامحه الحادة الباردة، كونه المدرب الألماني الذي ظهر دائماً في ثوب رجل الظل.
حيث ظهر مع منتخب ألمانيا في حقبة يواخيم لوف، ثم ظهر فيما بعد مع بايرن ميونخ في حقبة نيكو كوفاتش، وكان في الحقبتين الرجل الثاني والمساعد الذي يُدير الأمور في الخفاء. وقع عليه الاختيار لقيادة برشلونة، لكن الاختيار كان مفاجئاً، ربما بعد رحيل تشافي هيرنانديز قرر برشلونة أن يخوض مغامرة غير اعتيادية في تاريخه الحديث، والذهاب نحو مدرب هو صاحب السيرة الذاتية الأفضل في تدريب برشلونة في الألفية الحديثة كلها!لم يكن بيب جوارديولا، لويس إنريكي، إرنيستو فالفيردي، فرانك ريكارد، يملك أياً منهم سيرة ذاتية كتلك التي يمتلكها هانز فليك، وهنا تغير مسار التفكير لبرشلونة، من فريق لا يقبل إلا مدرب من أبناء النادي وإلا فلا.
برشلونة ليس بايرن ميونخ، البيئة غير البيئة، بيئة ألمانية كان فليك يعرفها وتمرس فيها لسنوات طويلة، وبيئة برشلونة التي تقوم على الكثير من التمجيد الذاتي وحب الشعارات، والانتماء المبالغ فيه لأفكار كرويف وصعوبة الموافقة على غيرها.
يعرف هانز فليك ثقل مهمة تدريب برشلونة؛ هو الفريق الذي سجل ضده المدرب الألماني أكبر نتيجة في تاريخ ربع نهائي مسابقة دوري أبطال أوروبا، والتي بدت ملامحه فيها عادية للغاية وكأن ثمانية أهداف لم تكن مُرضية بالنسبة له! لكنه يعرف ثقل هذه المهمة بعد أن أصبح أول مدرب ألماني تتم إقالته في تاريخ منتخب ألمانيا، ويذهب إلى برشلونة في اختبار ذاتي، اختبار يقوم على أساس أنه مدرب يمكن الوثوق به ويمكنه الوثوق بنفسه. اختار هانز فليك أن يظل في الخفاء ليتعلم، ويُقدم ما يعرفه في حدود دوره كمساعد، وبالتدريج سنحت له الفرصة لتدريب بايرن ميونخ، الفريق الذي كان قد تكبد هزيمة بخماسية من فريق فرانكفورت في الدوري أطاحت بمدربه كوفاتش، وأعلنت موسم كبيس في منتصفه بالنسبة لعملاق ألمانيا. وضع هانز فليك الخطة، ومن نوفمبر وصولاً إلى أغسطس بتداعيات فايروس كورونا في تلك الفترة؛ كان بايرن ميونخ قد اكتسب بنية جسدية مرعبة، وقدرة تكتيكية فتاكة، خط هجوم يُسجل في المباراة ما لا يقل عن أربعة أهداف، ويزيد في كثير من الأحيان، وخط دفاع متقدم يُشارك في عملية الهجوم، وفريق متكامل يقوم كل أفراده بأدوار الدفاع والهجوم معاً. لم يكن من السهل إيقاف بايرن ميونخ بقيادة فليك، قدم خلال حقبته نسخة من الأفضل في تاريخ بايرن ميونخ، إن لم تكن الأفضل بسبب السداسية التاريخية من الألقاب التي تساوى بها مع برشلونة بيب. وكان الأمر أصعب في برشلونة؛ حيث يُعاني النادي من دفاع سيئ، وحارس مهزوز، فريق يقوم أغلب أفراده على الارتجال، وينكمش في نفسه في اللحظات المصيرية ثم يتبخر، وكان ابنه اليافع؛ لامين يامال، يرتدي ثوب المُنقذ الذي يُعاني في الدنيا من أجل عائلته، ويحمل همها في كل صباح. وصل فليك في هدوء، بعد موسم صفري عصف بنادي برشلونة أُقيل على إثره تشافي هيرنانديز من تدريب الفريق، وبدأ فليك مرحلة تتطلب الكثير من التركيز، واختار لنفسه أن يعتمد على نفس العناصر التي يمتلكها الفريق. بإضافة داني أولمو فقط، وتصعيد عدد لا بأس به من الرديف؛ دخل هانز فليك موسماً صعباً، يغيب عنه فيه: رونالد آراوخو، فرينكي دي يونج، جافي، كإصابات طويلة من الموسم الماضي. وما هي إلا جولتين في الليجا، حتى تعرض مارك بيرنال لإصابة في الرباط الصليبي، ثم غاب داني أولمو وفيرمين لوبيز للإصابة، ودخل القائمة الحارس مارك أندريه تير شتيجن الذي انتهى موسمه لنفس الأسباب! كل هذه الأسباب، وإن بدت في مهدها، لم تمنع المدرب الألماني من تقديم بداية مثالية في بطولة الليجا، بتحقيق العلامة الكاملة في أول ست جولات كاملة، وتسجيل عدد ضخم من الأهداف وصل إلى 22 هدفاً في ست جولات، منها 16 هدفاً في ثلاث جولات متتالية. لكن بطولة دوري أبطال أوروبا كانت فاصلة في رؤية فليك؛ الرجل الذي دخل إمارة موناكو بأفكار جديدة، مُحيت فور أن قرر تير شتيجن تمرير كرة مخنوقة لإيريك جارسيا تسببت في طرده، ولعب برشلونة المبارة كاملة؛ إذا احتسبنا الوقت بدل الضائع، منقوصاً من لاعب وخسر افتتاحية الموسم الأوروبي له. ملامح فليك الهادئة، ربما تغيرت فور أن حدثت هذه اللحظة، اللحظة التي لم يحسب لها حساباً، واستشاط غضباً ربما من قرارات الحكم، أو من سوء تقدير لاعبي فريقه الذين بدوا متوترين للغاية، وفقد الرجل رباطة جأشه حين فقد فريقه الصواب! بدأ برشلونة الموسم الأوروبي بخطأ ساذج تسبب في هزيمته، مثلما اختتم الموسم الأوروبي الماضي أمام باريس سان جيرمان بخطأ ساذج، تسبب في فقدان بطاقة التأهل، بعد أن انتصر خارج دياره وتقدم في ملعبه بهدف، قبل أن يُطرد رونالد آراوخو لإعاقة باركولا. لعب هانز فليك بدفاع متقدم في بايرن ميونخ، واعتمد فيه على سرعة ديفيز وقوة كيميتش، رغم ضعف دافيد ألابا وبواتينج أحياناً في التحولات، وهو أمر لا يُخجل المدرب الألماني، الذي يعتبر مبدأ الضغط بكافة عناصر الفريق شرط أساسي في نجاح منظومته، ويعتبر اشتراك عناصر الفريق كله في الدفاع استكمالاً للشرط الأساسي في الهجوم! وما زال فليك لم يُغير فكرته الفنية في كل فريق دخله، ويعتمدها حالياً في برشلونة، رغم المشاكل الدفاعية التي لا زالت واضحة في دفاع برشلونة واستقباله لهدف في كل مباراة تقريباً.وصل هانز فليك إلى برشلونة، وريال مدريد يمتلك سجلاً أوروبياً كبيراً، وسجلاً محلياً أفضل بكثير من برشلونة، الذي خسر مؤخراً بطولات: الدوري وكأس الملك وكأس السوبر، لصالح غريمه في مواجهات مباشرة.
وصل هانز فليك إلى برشلونة، وهو يمتلك نفس القوام الرئيسي الذي تركه تشافي هيرنانديز، مع إضافة كيليان مبابي في صفوف ريال مدريد الذي يبدو من حيث الأسماء أقوى وأضخم؛ وهو أمر يزيد من صعوبة مهمة فليك نظرياً. أتت هزيمة موناكو مبكراً، وفاجأت الجميع، وعلى رأسهم هانز فليك، الذي بدا مندهشاً منها ومن ترتيب أحداثها، وأثبتت له هذه المباراة، أنه ربما ما زال لم يعرف برشلونة أوروبياً جيداً؛ برشلونة الذي هزمه بثمانية أهداف ولم يتوانَ في تكبيده هزيمة تاريخه، ما زال لم يفهمه، وتعبيراته الغاضبة كانت شاهدة على ذلك!