رياضة
لم يكن من المتوقع أن يظل بايرن ميونخ مُسيطراً على الكرة الألمانية، وتحديداً مسابقة الدوري، طوال العمر، لكن على الأقل لماذا انهارت هذه السيطرة في الموسم الأول لهاري كين معه؟
يمكننا العودة للوراء كثيراً، حين وقف الصبي الإنجليزي ليلتقط صورة مع النجم الإنجليزي ديفيد بيكهام عبر ذراعه الأيسر، وعبر الذراع الأيمن كانت فتاة صغيرة اسمها كيت، كانت صديقته في المدرسة ثم حالياً أصبحت زوجته، وقد تكون هي الشيء الوحيد الذي فاز به طوال حياته!
موهبة هاري كين لم تكن كافية لطرد تلك اللعنة الإنجليزية من الثوب الذي يرتديه أي إنجليزي؛ فهو الموهبة الأبرز في جيله والمهاجم الإنجليزي الأفضل ومن الأفضل في العالم كله، وكان الناس يستهجنون فكرة استمراره مع فريق مثل توتنهام رغم جودته الكبيرة.
ظل كين حبيس هذه المرحلة، وقضى فيها تقريباً زهرة مسيرته، وخرج من توتنهام، رافضاً كافة العروض الإنجليزية التي كانت ستسمح له بالتواجد في ظل الإعلام والصحافة اللذين يحميانه، حال حال أي إنجليزي.
واختار وجهة جديدة، وصعبة، بالنسبة للإنجليز الذين لم يتمكنوا من التأقلم تاريخياً خارج إنجلترا في الأندية الأوروبية، والقليل منهم هم من تركوا بصمة تُذكر، وهذه، بالتحديد، كانت مُعضلة الإنجليز الأبدية!
لم يفلح إلا القليل في تجربة الاحتراف؛ هذا لأن الإنجليز يتمتعون بحماية داخلية في إنجلترا، ويشعرون بأن إنجلترا هي المساحة التي من المُفترض أن يُهاجر إليها اللاعبون، لا الخروج للبحث عن فرص أفضل خارجها.
كانت عقبة الإنجليز الدائمة هي اللغة، وكذلك ثقافة البلدان الأخرى، واللاعب الإنجليزي يشعر أن لغته ذات سيادة على بقية اللغات، وليس بحاجة إلى تعلم لغة جديدة، كون لغته هي المُهيمنة في العالم.
الثقافة الإنجليزية مختلفة، حتى كرسي القيادة في السيارة داخل إنجلترا يختلف عن بقية الدول الأوروبية، كما أن الإنجليز لا يشعرون بالأمان خارج إنجلترا، وهذه الحقيقة ليست مجازاً، بل هي حقيقة قالها مايكل أوين نفسه.
الرجل الذي احترف في صفوف ريال مدريد لفترة، وقال إن البال كان مشغولاً بالأسرة في الفندق أثناء التدريبات، وبالأسرة في الفندق أثناء المباريات، وأن إنجلترا آمنة مهما كان غيرها أكثر أماناً وأمناً.
خرج أشلي كول من الدوري الإنجليزي نحو روما الإيطالي، ولم يفلح بالمعنى المجازي للكلمة، ولم يستطع أن يُكون صداقات بالغة مع اللاعبين هناك، وظهرت الصورة التي وقف فيها بعيداً عن زملائه الذين ترابطوا فيما بينهم على عكسه!
كين، كان يعرف كل هذه العقبات، كل إنجليزي يعرفها عامةً؛ لذا اختار ألمانيا، من بوابة بايرن ميونخ، ربما كانت فكرته أن يكون النجم الأول للفريق الأحمر، وسيطرة مضمونة محلياً، لكنه لم يتوقع أن يكون هو نفس هاري كين؛ الرجل الذي يجلب شيئاً ثقيلاً في حقيبته مع موهبته لكل مكان، ربطه الناس بسوء الحظ!
هو الذي لم يُحقق أي لقب في مسيرته الطويلة مع توتنهام، رغم اقترابه من كل البطولات المحلية الإنجليزية تقريباً، فلم يتمكن من تحقيق بطولة الكأس ولا حتى الدوري وحل فيهما وصيفاً، وفشل في تحقيق بطولة دوري أبطال أوروبا، ومر بجوار الكأس متحاشياً النظر إليها.
خرج كين من توتنهام، وهو الهداف التاريخي للفريق رغم عدم تحقيق أي إنجاز جماعي معهم، وهو يعلم أن الخروج لم يكن الحل الوحيد، لكنه قد يكون الوسيلة لإنقاذ مسيرة يحترمها الناس، وفي بايرن، وبالقميص الأحمر ولأول مرة، هبط هاري كين مُتمنياً أن يظفر ببطولة كأس السوبر الألماني التي أقيمت في أرض البايرن وبين جماهيره ضد لايبزيج.
حينما حل كين بديلاً، كان الإسباني داني أولمو كان أنجز كل شيء وسجل ثلاثية في شباك بايرن، ولم يكن نزول كين إلا لخروج أسهل ألقاب الموسم بسهولة من الباب المواجه له.
ركز كين على بطولة الدوري، البطولة التي يحتكرها بايرن في ألمانيا لأكثر من عقد من زمان، وهذه المرة ظهر له رجل إسباني، قاد باير ليفركوزن لأول ألقابه في بطولة الدوري تاريخياً، اسمه تشابي ألونسو.
بين هذه النكبات المحلية، كان على كين أن يتقبل فكرة تحمل ما يجري لإنجلترا؛ البلد الذي لم يُحقق سوى كأس وحيدة فقط على مر تاريخه، هي بطولة كأس العالم 1966 المشكوك في أمرها، وأصبح كين، بفضل موهبته وقيادته للمنتخب، مُطالباً بضرورة تحقيق أي شيء لتعويض إنجلترا عن سنوات الجفاف من بعد جيوف هوريست، وكأنه المُخلص الذي يحلمون بوصوله.
ركلة جزاء ضائعة أمام فرنسا في قطر، وتنكيس رأس في ويمبلي، وشارة مُبتلة بالألم في برلين؛ كانت هذه هي أبرز محطات هاري كين رفقة إنجلترا دولياً، بين خسارة نهائيين في بطولة اليورو، أحدهما في ويمبلي أمام إيطاليا بركلات الترجيح، والآخر أمام داني أولمو وبلاده إسبانيا في ألمانيا، وتوديع كأس العالم مرة من نصف النهائي على يد كرواتيا، وأخرى أمام فرنسا من ربع النهائي.
“إذا وُلدت إنجليزياً؛ فقد فزت تلقائياً بأول جائزة من يانصيب الحياة”. قال سيسل رودوس هذه المقولة يوماً ما؛ كناية عن حظ الإنجليز في كل شيء تقريباً، وفي التواجد داخل مساحة مُسيطرة في كافة النواحي، لكن من الواضح أن الإنجليز أنفسهم لم يتمتعوا بهذا اليانصيب إلا أثناء الولادة.
لو تمثلت إنجلترا في رجل، بكل تأكيد سيكون هاري كين؛ الهداف التاريخي لتوتنهام والمنتخب الإنجليزي، والذي قدم موسماً رائعاً مع بايرن ميونخ وسيستمر في ذلك، وكان سيُقدم مثيله في أي مكان يدخله، لكن من الواضح أن هاري كين تُطارده تلك اللعنة، التي بدأت عام 1966، ولم يفلح أي إنجليزي في هزيمتها، ومن الواضح كذلك أن هاري كين سيُنهي مسيرته بلا ألقاب، أو بالقليل منها، التي، إن حدثت، لن تكون منصفة أبداً للهداف الإنجليزي الأبرز في جيله بلا شك!