رياضة

لاماسيا: أكبر مصنع لإنتاج المواهب في كرة القدم

أكتوبر 30, 2024

لاماسيا: أكبر مصنع لإنتاج المواهب في كرة القدم

لا يمكن تخيل مدرسة رياضية بالكامل تقوم على إنتاج مواهب متعددة، تقوم في الأساس على تنقية أغلبها وتخطيط نهج حياتي كامل لها؛ لكن هذا الأمر يحدث في أكاديمية لاماسيا الخاصة بنادي برشلونة بالفعل!


الأكاديمية التي تتبنى الأطفال الموهوبين منذ الصغر، هي الأكاديمية التي قال عنها أندريس إنييستا إنها أشبه بمدرسة يعيش فيها الجميع بالتآخي، لكن كل شخص يجب أن ينفرد بشخصية مستقلة.

عاش برشلونة فترات طويلة على استقطاب لاعبين أجانب، لكنه في عام 2009 تفاجأ بأن أغلب قوامه من لاعبين تم تصنيعهم في مصنعه الخاص؛ لاماسيا، وكان هذا المصنع قد أخرج للكرة الأوروبية المواهب الأفضل حينها: ليونيل ميسي، تشافي هيرنانديز، أندريس إنييستا، سيرجيو بوسكيتس، بيدرو جونزاليس، فيكتور فالديز، جيرارد بيكيه وكارلوس بويول، وكانت إحدى النتائج المبهرة له أن يقف ثلاثي برشلونة على منصة تتويج الكرة الذهبية لأول مرة عام 2010: ميسي، تشافي وإنييستا، في حدث فريد؛ كونها كانت المرة الأولى في تاريخ اللعبة التي يقف فيها ثلاثي من نفس الأكاديمية على منصة تتويج الكرة الذهبية.


أكثر من نصف فريق برشلونة كان بصناعة داخلية حينها، ونجح برشلونة خلال عام 2012 باللعب بتشكيلة كاملة من خريجي لاماسيا ليُصبح بذلك أول فريق في تاريخ كرة القدم يفعلها، وكان من الصعب الوثوق في هذا الكم من الإنتاج الداخلي دون نتائج، ربما كما قال أحد المعلقين أثناء تعليقه على مباراة لبرشلونة: “كل خريجي لاماسيا تشعر أنهم نفس الطول والوزن والهيئة”.


يعتقد ميسي أنها المدرسة ذات البعد الكبير في كافة النواحي؛ المدرسة التي يفتخر بأنه من خريجيها، ويرى أنها علمته الكثير من الأشياء في الحياة بشكل عام، وليس فقط في احترافه لكرة القدم.


وهذا ما جعل بيدري جونزاليس يواجه صعوبة في التأقلم داخل الأكاديمية؛ الفتى الذي وصل من تينريفي لم يكن معتاداً على حياة الانضباط بهذه الطريقة، ولم يكن يعرف أن الأمر يتطلب منه أن يذهب إلى النوم في الحادية عشرة مساءً في لاماسيا مهما كانت حالته.


كان عليه أن يتأقلم على بُعد أهله عنه، حاله حال كل لاعبي لاماسيا، من بينهم إنييستا وميسي، وهي مشكلة بالغة في الأكاديمية، تجعل الصبي يعلم كيف يتعامل كما لو كان في شبابه، ويُعالج مشاكله بنفسه، ويُدرك أن ابتعاده عن أهله ضريبة سيجني من ورائها الكثير فيما بعد، كما عانى سيسك فابريجاس في البداية، وقال إنك إذا دخلت لاماسيا وكنت تبحث عن المشاكل وإهمال واجباتك المدرسية؛ فإنهم سيُعيدونك من حيث أتيت فوراً.


تُمثل لاماسيا معضلة كبيرة، بالنسبة لأولئك الذين وصلوا إليها من حياة الفوضى، ولعب كرة القدم في أكاديميات للهواة، ومصاحبة الأطفال في الشوارع، تُمثل لاماسيا وانضباطها مشكلة كبيرة بالنسبة لكل طفل يريد أن يعيش حياة عادية كبقية أقرانه من الأطفال، ربما لأنه لم يُدرك بعد أية جائزة سيحصل عليها حينما يكبر وهو لاعب في صفوف برشلونة!


كان السبب الرئيسي لنجاح برشلونة؛ هي تلك التفاصيل الصغيرة التي يستصغرها البعض، لكن يراها برشلونة في غاية الدقة: النوم في ميعاد محدد، يوم مشغول بالكثير من التدريبات والتعليم الرياضي والمدرسي، حياة اجتماعية منغلقة مع أشخاص تُقابلهم طوال اليوم ولا تُقابل غيرهم.


وضع برشلونة مبدأ التكاتف في أكاديميته، وجعل كل الأطفال فيها على نفس السطر، دون أن ينحرف أحدهم، وبالتالي أصبح فهمهم لبعضهم البعض كبيراً، وتناغمهم كأفراد أكثر من تناغم أفراد تتلاقى مرة أو مرتين في الأسبوع بحياة اجتماعية حُرة.


ناهيك عن أسلوب اللعب الجذاب الذي امتاز وتفرّد به برشلونة في كرة القدم، لكن هذه النقاط هي من جعلت تواصل اللاعبين مع كل مدرب تبدو أكبر، وفهم كل لاعب لكرة القدم يزداد بتقدم عمره، وإدراكه لدوره في الملعب.


كانت الخطة ناجحة، حتى دخل على الخط ساندرو روسيل، ومن بعده جوزيب ماريا بارتميو، وبدأ تفكيك برشلونة من أكاديميته، وبدلاً من الاستمرار في التعامل مع الجودة الكبيرة الداخلية، اختارا لبرشلونة أن يبحث عن مصادر خارجية؛ وبالتالي إنفاق أكثر من ذي قبل.


استقطب برشلونة بالتبعية لاعبين خارجيين في كل المراكز، وبمبالغ هائلة، ومع دخوله في هذا النفق، أصبح من الصعب عليه أن يخرج منه سالماً، وبدأ الإنفاق يتضخم بحاجة الفريق إلى صفقات لتعويض الصفقات التي جلبها ولم تتأقلم معه، وأصبح برشلونة مديوناً بالكثير من وراء هذه المخاطرة.


اتجه برشلونة إلى الاعتماد على السوق الخارجي، وظلت لاماسيا تسير على نفس النهج، وتُصدر المواهب واللاعبين للفريق الأول، لكن الفريق الأول لم يكن يضعها في حسبانه؛ فكانت النتيجة أن يتم بيع وإعارة كل لاعب شاب، ومن يبقى في القائمة يظل حبيس الدكة لفترات طويلة ثم ينتهي به الحال إلى البيع والإعارة كذلك!


قادت الظروف برشلونة إلى لاماسيا من جديد؛ حين دخل في دائرة شك كادت أن تتسبب في إفلاس النادي بشكل فعلي، وأصبح مُطالباً بالاعتماد على عناصره الشابة فحسب، وأصبح مخنوقاً في الاستثمار الخارجي واضطر إلى تصعيد أفضل مواهبه وتقبل أية نتيجة تأتي من خلفهم.


يقف برشلونة الحالي على تشكيلة أغلبها من عناصر أكاديميته: باو كوبارسي، رونالد آراوخو، أليخاندرو بالدي، مارك كاسادو، فيرمين لوبيز، لامين يامال، إيريك جارسيا، باو فيكتور، هيكتور فورت، داني أولمو، مارك بيرنال، جافي وأنسو فاتي.


كان من بينهم لامين يامال، الذي حفر اسمه في تاريخ منتخب إسبانيا بتحقيق لقب اليورو الثالث تاريخياً وهو من أفضل لاعبي المنتخب، ودخل برشلونة الموسم الحالي باكتساب صفقتين جديدتين على الطاولة: مارك كاسادو الشاب الرائع الذي كان مع الفريق الرديف يُحاول الترقي في الدوريات الأدنى في الليجا في شهر يونيو الماضي، وحالياً هو الركيزة الأساسية في خط الوسط للفريق الأول.

ومارك بيرنال، الذي خاض أول مبارتين في الليجا ثم تعرض لإصابة في الرباط الصليبي، لكن النادي قرر تجديد عقده فوراً ليطمئن على مستقبله مع الفريق، مع عودة جافي من إصابة طويلة في الرباط الصليبي، ورجوع أنسو فاتي من الإعارة، يمكن القول إن برشلونة يمتلك الذخيرة اللازمة له في حملة استعادة هويته.


بقيادة هانزي فليك، يخوض برشلونة موسماً استثنائياً يطمح فيه إلى استعادة شيئاً من بريقه المفقود، كما لو كانت رحلة برشلونة عن برشلونة الذي يعرفه، لكن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها؛ حيث تتم رحلة البحث بواسطة مجموعة من الشباب الذين تربوا داخل أكاديمية برشلونة.



شارك

مقالات ذات صلة