رياضة
حاولت فرنسا، وجاراتها في قارة أوروبا، الانقضاض على كأس العالم عام 2022 في دولة قطر؛ من خلال فرض أفكارهم الغريبة والمُنافية للفطرة البشرية. لكن الأراضي العربية أبت أن تدخلها هذه الأفكار، وربما حاولوا زجها سياسياً ورياضياً لأهداف، منها الواضح ومنها الخفي، وكأن قارة أوروبا باتت تتوعد الجميع بفرض رأيها، طوعاً وكراهيةً.
في افتتاح أولمبياد باريس 2024، وضعت فرنسا نفسها في مواجهة حامية الوطيس مع الفكر الديني والاجتماعي، عبر حفل افتتاحي أقل ما يُقال عنه إنه كان كارثياً لأبعد حد، بل وأثار حفيظة الكثير من الفرنسيين كذلك!
وبات من الواضح، أن الرياضة لم تعد رياضة، كما كنا نظن على أقل تقدير، بل أصبحت مرآة للسياسة الخارجية للعالم كله، ومن الواضح أن النزاع لن يكون إلا مع العرب دائماً.
حيث كانت الضحية في هذه الدورة الأولمبية، هي الجزائرية إيمان خليف، الفتاة الجزائرية التي استيقظت في يوم التنافس لتجد أنهم يُجردونها من أنوثتها، ويطعنون في تاريخها الإنساني، في نفس الأرض التي لم تُمانع في استقبال امرأة مُتحولة ورجل متحول والتعدد الجنسي في حفل افتتاح الدورة الأولمبية!
أصبحت إيمان خليف حديث الساعة، ربما أراد الله لها أن تكون حديث الساعة بضغينة غربية تامة ناحيتها، وأن تُعرف كبطلة ويتعاطف معها الناس، حتى قبل أن تُمسك الذهب وتُعانقه.
وتحولت إيمان خليف، بين عشية وضحاها، إلى فتاة يعرف العالم كله أنها بحاجة لاختبارات كثيرة لمعرفة ماهيتها الذكورية، حيث سخرت رئيسة وزراء إيطاليا منها، وتهكمت عليها منافستها الإيطالية في تلميح بأنها لم تكن تُنافس إلا رجلاً تخفى في ثوب امرأة، وربما لو كانت إيمان رجلاً وتحول لامرأة حقاً لاحترموها وأباحوا لها المشاركة بلا إزعاج.
قضية إيمان، التي اتخذت مساراً أبعد من الرياضة، والتي وصلت إلى تدخل مشاهير العالم في الظفر منها، وأدركت إيمان بالتبعية أن التنافس في باريس لن يكون من أجل الذهب وحده، بل من أجل الذهب ومن أجل إسكات كل هذه الأفواه التي تطاولت عليها وشككت في فطرتها.
وكُتب لإيمان أن تحمل الذهب من قلب باريس، وأن يُعزف النشيد الوطني لدولة الجزائر في أرض أراقت الكثير من الدماء في الجزائر في القرن الماضي، وأن تقف ابنة الجزائر رافعة رأسها وعلم بلادها يُرفرف عالياً وكلمات النشيد تُبرد قلوب شعبها، والذهب بين يديها، وشهادة تفوقها كامرأة سيُخلدها التاريخ واضحة على مُحياها، وثناء الجميع عليها بات إجبارياً بعد المستوى التاريخي الذي قدمته.
لم يكتفِ العرب بهذا النزاع، ربما لم يحصدوا الكثير من الميداليات الذهبية، وربما لم يحصدوا الكثير من الميداليات في الأساس، لكن اليوم الختامي وما قبله لهذه الدورة، كان أشبه بالمسك للبعثة العربية كلها، التي استطاعت أن تُحقق شيئاً ثميناً بالنسبة لأرض أقحمت الأيدولوجيات في افتتاح دورتها.
وكانت سارة سمير، المصرية التي تُغطي رأسها، هي الأخرى على موعد مع ملامسة ميدالية فضية، بعد أن بكت بسبب رغبتها في الظفر بالميدالية الذهبية، لكن منافستها النرويجية كانت أفضل بشكل ملحوظ من سارة التي كان من الواضح أن البكاء غلب قدرتها على رفع المحاولة الحاسمة.
والجميل في سارة، أنها حققت الميدالية البرونزية في دورة الألعاب الأولمبية عام 2016 في ريو، ولم تستطع الوصول لأولمبياد طوكيو عام 2020 بسبب المُعوقات الكبيرة التي قابلتها رفقة اتحاد رفع الأثقال حينها، وكأن البكاء كان تعبيراً منها عن رغبة في تعويض الغياب في طوكيو.
سفيان بقالي كذلك، لم يكن أقل حظاً من سارة، بل كان أفضل هو الآخر، حين استطاع أن يحصد الميدالية الذهبية لسباق 3000 متر في طوكيو عام 2020، وعاد ليُكررها في باريس، وبذلك أصبح عداء مغربي يحصد الميدالية الذهبية مرتين متتاليتين في الأولمبياد!
واختُتمت الأولمبياد بطريقة مُبهرة للعرب، عن طريق أحمد الجندي؛ الرجل الذي وضع مصر في خانة الفائزين في هذه الرياضة، إفريقياً وكذلك عالمياً، حيث استطاع تحقيق الميدالية الذهبية في بطولة العالم عام 2023 في فئة الفرق، والميدالية البرونزية في بطولة العالم عام 2021 في فئة الفرق وأيضاً في فئة الفردي، والميدالية الذهبية مرتين في بطولة العالم للشباب: الأولى خلال عام 2018، والثانية خلال عام 2021، ونال الميدالية الفضية عام 2019، وفي دورة الألعاب الأولمبية الصيفية للشباب عام 2018 استطاع أن يحصد الميدالية الذهبية، مما يعني أنه تقلد الذهب في بطولة العالم، وبطولة العالم للناشئين وكذلك أولمبياد الشباب.
لهذا، يُعد أحمد الجندي بطلاً فريداً من نوعه بالنسبة لمصر، حيث استطاع أن يكسر الرقم الأولمبي ويُسجل رقماً جديداً باسمه بعدد نقاط 1555 نقطة كاملة، بعد أن كسر الرقم العالمي في اليوم الذي يسبقه في نصف النهائي في أولمبياد باريس، وبالذهبية التي نالها في باريس، جمع أحمد إنجازاً ثلاثياً لم يسبق لغيره تحقيقه في رياضة الخماسي الحديث: ذهبية بطولة العالم للشباب، ذهبية بطولة العالم للناشئين، ذهبية الألعاب الأولمبية!
كان ختاما كالمِسك كما يُقال، حيث أنهى أحمد الجندي رحلة البعثة وهو الوحيد الذي تقلد الذهب، كما دخل الأولمبياد في باريس حاملاً العلم المصري والممثل الرسمي له رفقة سارة، وفي خط النهاية، كانت والدته تبكي فرحاً بابنها الذي عانى في بداية حياتها من حساسية الصدر، والذي كان على مقربة من مُلازمة الفراش لولا نصيحة أحد الأطباء لها، بأن تجعل ابنها يُمارس رياضة السباحة لتحسين التنفس لديه.
وبعد السباحة، اكتشفت والدته أنه يستطيع التنافس في الخماسي الحديث كاملاً، في السادسة من عمره بدأ، وفي الرابعة والعشرين حطم كل الأرقام القياسي وأصبح أسطورة، وعند خط النهاية كانت والدته تحتضنه، وخلفها كانت خطيبته تبدو أمارات الدهشة والسعادة في آن واحد على مُحياها، وكانت هذه الصورة، هذه الصورة تحديداً، هي الصورة الرسمية للشعب المصري كاملاً حين عبر أحمد الجندي خط النهاية، تمثلت في بكاء أمه وفرحة خطيبته.