رياضة

رد الثأر لألمانيا وغير نظرة أوروبا لآسيا: كيف استطاع سون النجاح رغم الصعوبات؟

نوفمبر 27, 2024

رد الثأر لألمانيا وغير نظرة أوروبا لآسيا: كيف استطاع سون النجاح رغم الصعوبات؟

لم يفلت أي آسيوي من نظرة أوروبا لقارة آسيا كلها؛ ربما بدأ هذا العداء من خلال بطولة كأس العالم 2002 في كوريا واليابان، حيث استطاعت كوريا الجنوبية أن تُقصي إيطاليا ثم إسبانيا، لكن الألمان أحبطوا قصتها الاستثنائية من أن تُختتم بنهاية سعيدة.


لم تنسَ قارة أوروبا ما حدث، واتهمت كوريا الجنوبية بالرشوة والفساد، وسخطت أوروبا أيضاً بسبب فروق التوقيت وكذلك المناخ وإسداء تنظيم البطولة لدول غير أوروبية، في الوقت نفسه، كان الضحايا الكوريين يتساقطون بشكل غريب!

 

الرجل الآسيوي، آن يونج هوان، مُسجل هدف انتصار كوريا الجنوبية على إيطاليا في ثمن النهائي، كان حينها لاعباً في فريق بيروجيا الإيطالي، رأى رئيس النادي أن الكوري الجنوبي يستحق العقاب بسبب هدفه!


بعد أن احتفل آن يونج هوان بهدفه، أمام شعبه، كان عليه أن يدفع الضريبة الأوروبية الباهظة؛ حين عّلم بأن عقده مع الفريق الإيطالي قد تم فسخه من قبل النادي، وخرج رئيس النادي يُهنئ الشعب الإيطالي ويواسيه بهذا القرار.


كان من المهم لهيونج مين سون، أن يتجاوز النظرة الأوروبية للآسيويين دون قلق من بشرته ولا ملامحه، دون أن ينسى نظرتهم لبلده كوريا الجنوبية، ودون أن ينسى كذلك ماذا فعلوا بآن يونج هوان.


لم يفلت هو الآخر، يمتلك هيونج مين سون ذاكرة سيئة في أوروبا، حيث وجد صعوبة بالغة في التعايش مع أجوائها منذ وصوله إلى ألمانيا، تحديداً حين استقر في محطة هامبورج قادماً من ناديه الأسبق سول الكوري الجنوبي.


لم يتفوه هيونج مين سون بأي شيء، رغم المكوث في ألمانيا لخمس سنوات كاملة، لكنها كانت أشبه بدهر مر عليه، خمس سنوات فحسب لم تكن إلا رحلة قاسية عاشها في ألمانيا.


فهم وكيل أعماله ذلك، دون الحاجة للحديث معه؛ من مكوثه وحيداً طوال الوقت في مقر نادي هامبورج، مروراً بالتدرب في الكثير من الأوقات بمفرده، لم يجد هيونج مين سون القدرة على التآلف مع لاعبي هامبورج.


انتقل منه إلى باير ليفركوزن، ولم يتغير أي شيء في هذا الشق، كان يسمع سون أصوات العنصريين في كل مكان في ألمانيا، وفي الجانب الآخر، كان يرى من المستثمرين فرصة جديدة بالنسبة لهم من أجل كسب المزيد من عقود الرعاية.


هذه الخطة المحكمة، التي بدأتها قارة أوروبا في بداية الألفية الحديثة؛ باستقطاب لاعبين من كوريا الجنوبية واليابان، من أجل الحصول على عقود رعاية كبيرة من أكبر شركات العالم في هذه المساحات الجغرافية، وهو ما كان يحدث بالفعل!


لكن، كان ضرورياً أن تستفيد هذه الشركات من وجود لاعبين يُمثلون ثقافتها وطباعها، وهو ما دفع الفرق الأوروبية للتعاقد مع مواهب شابة من اليابان وكوريا، مُرغمين على ذلك في بعض الأوقات، وفي أوقات أخرى من أجل الاستفادة من توسيع مساحة المشجعين للنادي في أماكن جديدة.

تميز هيونج مين سون، في هامبورج وباير ليفركوزن، وكان الخروج هذه المرة بعيداً عن ألمانيا؛ حيث فريق توتنهام، الذي حصل على عقد رعاية مميز فور التعاقد مع الكوري الجنوبي من الشركات في كوريا الجنوبية.

 

بارك جي سونج، الأسطورة الكورية الجنوبية في مانشستر يونايتد وإنجلترا، كان يفرض سيطرته الآسيوية على النجاح داخل الفريق الإنجليزي الأعرق على الإطلاق، لكن بارك جي سونج، رغم كل ما قدمه، كانوا يضعونه في قالب معين.


عُرف عن جي سونج، أنه يمتلك ثلاث رئات فحسب، كان قوياً وسريعاً، يُقدم مجهودات عظيمة في كل ما يخص خدمة الفريق، لكنه أبداً لم يستطع أن يخرج من هذه النظرة الغريبة، حتى من أفواه المعلقين في بطولة الدوري الإنجليزي!

 

حينما سُئل سون عن هذه الأحداث المتضاربة، التي تُعادل تقريباً نصف مسيرته الكروية؛ قال إنه لم يهتم، لم يهتم وتجاهل، راغباً أو مضطراً، لكنه كان يعلم أن وصوله لحلمه يستدعي دفع ضرائب باهظة في قارة لا تعترف إلا بسيادتها على البقية.

 

في عام 2018، في الأراضي الروسية، تحديداً بطولة كأس العالم، مُنح سون فرصة للنيل من العنصريين الذين رفضوه لفترة طويلة؛ كانت ألمانيا بحاجة إلى الانتصار في الجولة الأخيرة من المجموعة، لكن كوريا الجنوبية جثت فوق صدر الألمان.


في الدقائق الأخيرة، ودعت ألمانيا المونديال من دور المجموعات، وكان هيونج مين سون هو أحد مُرتكبي هذا الفعل بألمانيا، ولم يكن فعلاً عابراً بالنسبة له، بل قال فيما بعد إنه كان سعيداً لرؤية هذا البلد يبكي من الخروج؛ لأنه لم ينسَ أبداً ما فعلوه معه.


كان من الممكن أن يحتضنهم سون، لكنه أبداً لم يرغب في فعل ذلك، وظن أنه، بالهدف الثاني، الذي أعلن رحيل ألمانيا عن روسيا مبكراً، قد أنجز مهمة رد الثأر الذي كان يرغب فيه منذ مدة طويلة.


تواجه المنتخب الفلسطيني مع نظيره الكوري الجنوبي في تصفيات قارة آسيا لبطولة كأس العالم 2026، خرج سون بعد اللقاء الذي انتهى بالتعادل الإيجابي واحرازه هدف بلاده، ليتحدث عن المنتخب الفلسطيني بطريقة مفاجئة!


إذ قال إن المنتخب الفلسطيني استطاع فعل أشياء كبيرة، رغم ما يمرون به في هذه الفترة الصعبة، وأن هذا المنتخب قدم درساً كبيراً في التغلب على الصعوبات، درساً يُمكن أن يُعلم المنتخب الكوري الجنوبي!


من الواضح أن هيونج مين سون ليس منعزلاً عن العالم، يعرف ما يدور فيه، حتى وإن تحدث على استحياء وبطريقة غير مباشرة، لكن يكفيه أنه يعرف الحقيقة التي لا تشوبها شائبة، ويُحسب له أنه يستطيع إيصال كرة القدم بالظروف الحياتية التي تحدث في العالم، والتي لا تنفصل عنه، ولا ينفصل عنها على حد سواء.


رغم كل هذا النجاح الإنساني، والمحبة الكبيرة التي يتلقاها سون من جماهير كرة القدم، التي تراه لاعباً رائعاً وخصماً محترماً، يمكن القول إن نجاحه لم يكن نجاحاً إنسانياً فحسب.


حصد هيونج مين سون جائزة أفضل لاعب في قارة آسيا تسع مرات كاملة، في رقم من الواضح أنه لن يتم تحطيمه، ولا حتى الاقتراب منه مهما حدث، وحصد جائزة الحذاء الذهبي في الدوري الإنجليزي لموسم 2021-2022 بالتساوي مع المصري محمد صلاح، ودخل قائمة أكثر من سجلوا 100 هدف في الدوري الإنجليزي من أوسع أبوابها.


كان ينقصه شيئ آخر وطني، شيئ يستطيع من خلاله إرضاء شعبه، وأن يحصل على محبتهم الصادقة، وهو ما جناه في بطولة الألعاب الآسيوية عام 2018 مع فريق كوريا الجنوبية الأولمبي، وبهذا، ينقص سون فقط الإنجاز الآسيوي الأكبر، بطولة كأس آسيا؛ ليُصبح أفضل لاعب آسيوي في التاريخ بلا منازع!


شارك

مقالات ذات صلة