رياضة

رافينها وبرشلونة.. مهما فعلت لا أُعجب أحداً

أكتوبر 16, 2024

رافينها وبرشلونة.. مهما فعلت لا أُعجب أحداً

كعادة أغلب البرازيلين، لم ينعم رافينها بحياة جيدة في صغره، بل ربما خرج أيضاً من حيز الحياة العادية، وكان أقرب ما يكون إليه إلى العدمية في الحياة؛ إذ إنه كان يتسول لجمع الطعام وأجرة الحافلة ولعب كرة القدم.


لم تكن الأموال متوفرة، وكان من الصعب التواجد في أكاديميات كرة القدم المعروفة والحصول على تدريبات احترافية؛ فكان في المقابل يذهب إلى فارزيا، وفارزيا لا يمكن الذهاب إليها دون العودة بخبرة حياتية، أو ألا تعود منها أبداً!


فارزيا هي مجموعة من المباريات التي تُنظم بشكل ودي بين المجتمعات المحلية، لا يمكن اعتبارها من الدوريات ذات الأهمية، لكنها مشحونة بأجواء الإجرام والفوضى، تحكمها العصابات، أرضياتها أقرب ما تكون إلى الحقول منها إلى كرة القدم.


قال عنها رافينها إن من يستطيع اللعب في فارزيا يمكنه أن يتأقلم على أي مكان في العالم، وبالتالي لم تكن رحلة وصوله إلى برشلونة مفروشة بالورود. لكن وصوله إلى برشلونة لم يكن ليتم دون مساعدة أحد أساتذة كرة القدم الحديثة؛ مارسيلو بيلسا، وهو الرجل الذي قال عنه رافينها إنه كان المحطة التي توقف فيها قطاره لتزويده بالبنزين.


تعلم رافينها مع بيلسا كيف يستغل قدراته البدنية، وعرف كيف يُدافع وكيف يقطع مسافات طويلة دون إهدار مجهوده البدني عبثاً، كان رافينها دائماً بحاجة إلى رجل يمنحه الكثير من التقدير بشأن إظهار جودة مُغايرة، وما كان من رافينها إلا أن منح بيلسا وليدز يونايتد فرصة أخيرة للبقاء على قيد الحياة قبل توديعه نحو برشلونة، في تلك الأمسية التي بقى فيها ليدز يونايتد في الدوري الإنجليزي.

وصل رافينها إلى برشلونة، رغم الصراع الكبير بين برشلونة وتشيلسي وعدة أندية أخرى حاولت ضم البرازيلي، ورغم ضعف القيمة المالية التي عرضها برشلونة، إلا أن رافينها تنازل من أجل خوض حلمه منذ الطفولة.


حلم رافينها الذي تمثل في رونالدينهو، والذي كان على علاقة بوالده في طفولته ودعاه إلى حفل عيد ميلاده حينما كان رافينها في السابعة من عمره، ولم يُصدق حينها رافينها أنه يقف أمام رونالدينهو، البرازيلي الأشهر في ذلك الوقت الذي يُمثل برشلونة ويُبهر العالم كله في كل ليلة.


نجح رافينها في الموسم الأول له بقميص برشلونة، في أن يحصد مع الفريق لقب الدوري الإسباني، وكذلك لقب بطولة كأس السوبر الإسباني، وغادر مغادرة مخزية من دور المجموعات في بطولة دوري أبطال أوروبا وكأس الملك من نصف النهائي أمام ريال مدريد برباعية.


في الموسم الثاني، عانى رافينها بكل الطرق رفقة تشافي هيرنانديز وكتيبته، وكان على رافينها أن يبتكر، ربما لأن وقته مع برشلونة قد قارب على النفاذ، وكانت فُرصه في البقاء تتلاشى، مع الانتقادات البالغة التي يتلقاها، وكذلك مع الطريقة السيئة التي يمر بها برشلونة، والتي دفعته لخسارة لقب الدوري الإسباني نظرياً من شهر ديسمبر.


والخروج من كأس الملك على يد فريق أتلتيك بلباو، كما فشل رافينها رفقة برشلونة في التتويج ببطولة كأس السوبر الإسباني في العاصمة السعودية الرياض، في هزيمة قاسية جداً من ريال مدريد برباعية.


كل الطرق كانت تؤشر إلى اقتراب رحيل رافينها، الجميع في برشلونة في ذلك الوقت كان في مرمى النيران، في هذه الأثناء حاول رافينها أن يصنع طوقاً للنجاة بنفسه، وألا يكون ضمن الفرقة الغارقة في ظل أمواج عاتية تضرب برشلونة فنياً واقتصادياً.


دخل عام 2024، وكأن رافينها قد خلع ثوبه القديم وباعه بثمن بخس، وخاط لنفسه ثوباً جديداً، بمقاسات أكبر وبشكل أفضل، لا يُشبه ذاك الثوب القديم. أصبح رافينها في عام 2024 هو الرجل الأول في أوقات كثيرة داخل برشلونة بالمناصفة مع لامين يامال، وفي أوقات أخرى كان نائبه، حتى أتت تلك الليلة التاريخية لبرشلونة في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا أمام باريس سان جيرمان، والتي استطاع برشلونة في حديقة الأمراء أن ينتصر فيها ذهاباً، لكن السيناريو الكبيس الذي وقع في الإياب أضاع كل شيء، رغم الهدف الوحيد الذي سجله رافينها، ورغم اشتراكه في ثلاثة أهداف من أصل أربعة سجلها برشلونة ذهاباً وإياباً.


بدا رافينها في الذهاب والإياب كرجل يُحب برشلونة، ويتودد إليها بتقديم كل ما يملك، لكنه لم يفلح أبداً في مهمته لمنع قوة باريس سان جيرمان العاتية، وكانت هذه اللحظات الاستثنائية هي الوحيدة التي منعت عنه دائرة الانتقالات في برشلونة.


تبدل جلد برشلونة برحيل تشافي، ووصل هانزي فليك، وكان من المقرر أن يكون رافينها أول المغادرين لكسب المال جراء خروجه، ربما كانت الصحافة تتوعد لرافينها بالرحيل، لكن فليك قرر أن يُغالطها، واعتمد فليك على رافينها بشكل دائم في قوامه، واعتبره الرجل الذي يستطيع إنعاش فريقه بدنياً طوال الوقت.


الشارة على اليد، والأرقام في تزايد، مركز أساسي وثقة المدرب؛ كل هذه العوامل حدثت لرافينها في حقبة فليك التي لم تبدأ بعد، رغم التطور الرقمي الكبير الذي حدث له، والأسلوب الفني الذي أضاف لفليك مثلما أضاف له فليك.


قد لا يتناسب رافينها مع برشلونة؛ الفريق صاحب الكرة الرائعة، السريعة، التنوع الخططي والفني، لكن إلى أن يعود برشلونة بنفس الصورة، فإن رافينها لا يمكن إغفال أنه يحاول إيجاد نفسه في دائرة برشلونة الضيقة، التي لا يمكن قياسها بشكل صحيح بتبدل أحوالها، يمكن أن يكون رافينها بحاجة إلى الثبات على مستواه، حتى وإن لم يكن برشلونة مضموناً طوال الوقت وفي كل المناسبات المهمة.


وتُعاديه الصحافة الكتالونية، مثلما تراه شريحة كبيرة للغاية من جماهير برشلونة؛ مهما فعل فإنه لا يصلح لبرشلونة، ومهما قدم فإنه ليس كافياً لإرضائهم، وكأن رافينها عليه أن يخترع لنفسه وصفة تجعل منه أبعد من كل ما يمتلك، وربما يكون تمسك فليك هو الأمل الأخير لرافينها أن يستمر في برشلونة، ومن الواضح أن الرجل يسعى من أجل ذلك واستغلال فرصته الأخيرة.


الحقيقة الثابتة بشأن رافينها؛ أنه لا يبخل بنقطة عرق على أية منظومة ينضم إليها، ولا يختبئ في اللحظات المهمة، حتى وإن لم تكن تحبه ولا تراه ذلك البرازيلي المُبهر، لكن لنتفق جميعاً على أنه ليس بهذا السوء الذي يتم تصويره، كما أنه ليس الرجل الذي اشتملت فيه كل الصفات الحسنة!


شارك