رياضة
لا يخفى على أحد الوجه القبيح للعبة كرة القدم ككل، فهي بمثابة مساحة تشمل الأبيض والأسود، ولعل أسوء جوانبها؛ هو الجانب الذي تبرز فيه العنصرية بشكل واضح.
في كل مكان كانت العنصرية حاضرة، وتحديداً في إسبانيا، وهذا الأمر يعود إلى فترات بعيدة، كان من ضمنها تعرض النجم الكاميروني صامويل إيتو إلى حالة مشابهة في عام 2006 في ملعب ريال سرقسطة.
ليلتها، كلما لمس إيتو الكرة سمع أصوات تُقلد القردة، وأصر صامويل إيتو على الخروج من الملعب وعدم استكمال اللقاء، إلا بعد تهدئته من قبل زملائه، ثم عاد واستكمل المباراة التي فاز بها برشلونة رغم صعوبتها فنياً على برشلونة، ونفسياً على صامويل إيتو.
تعرض زميله رونالدينهو لمثل هذه الحالات من قبل، ومر بها داني ألفيس، الذي وجد موزة قد قُذفت عليه من مدرجات المادريجال في مباراة برشلونة وفياريال عام 2014.
ما كان من داني ألفيس إلا أن انحنى، وأمسك بالموزة وأكلها، وانتهى الأمر، لكن الأمر لم ينتهِ عند هذه النقطة، حيث تضامن العالم كله معه، وانتشرت حملة واسعة لدعم داني ألفيس من لاعبي كرة القدم بأكل الموز وفائدته للرياضيين، ولم يستغل داني ألفيس الحدث فيما بعد، رغم أنه كان ضحية لهذه الأفعال كثيراً.
لا ننسى أبداً كل هذه الحوادث العنصرية، والتي اشتملت على ماريو بالوتيللي ودموعه في ديربي ميلانو، ومن قبله كيفن برينس بواتينج في مباراة ودية للميلان، ثم سولي مونتاري الذي طلب من الحكم معاقبة العنصريين فعاقبه الحكم بالطرد من المباراة نفسها.
ليس الأمر بالسهل على ذوي البشرة السمراء، فجميعنا نعلم ما يُعانونه في هذا العالم من عنصرية وتهميش، لكنهم يتأقلمون معه، وإلا انقلب السحر على الساحر.
كان هذا الأمر مفهوماً، حتى أتى صبي من البرازيل استقطبه ريال مدريد من فلامينجو البرازيلي، وزرعه في هجوم الفريق بعد رحيل الأسطورة كريستيانو رونالدو، وكان واضحاً على الصبي الطيش وقلة الثقة بالنفس في بداياته.
احتاج لوقت ليس بالقليل لإظهار ما يملك، وفي الوقت نفسه لم يكن من السهل الاستغناء عنه؛ لأنه كان يملك شيئاً فريداً وراء كل تلك العشوائية التي يظهر بها.
بالتدريج، أصبح فينيسيوس جونيور هو نجم ريال مدريد الفعلي، واكتسب الثقة وأصبح اسماً له ثِقله في عالم كرة القدم، وبات من الصعب تجاهل إمكانياته في أية مواجهة أمام ريال مدريد تشمل تواجده في قائمة فريقه.
حينما أصبح فينيسيوس جونيور نجماً؛ بدأت حياة النجوم تطغى على كل شيء لديه، وتزايدت الأعين المراقبة له، وزاد كذلك التركيز عليه من قِبل الخصوم وجماهيرهم.
تعرض فينيسيوس جونيور للعنصرية للمرة الأولى بشكل فج، قُبيل مواجهة أتلتيكو مدريد في الليجا منذ سنتين، واشتملت النبرات العنصرية سخرية كاملة منه من قِبل مسؤولين إسبان في العاصمة مدريد.
وتضامن العالم كله مع فينسيوس جونيور، الذي نجح في النيل من شباك أتلتيكو مدريد حينها في لقاء الديربي، داخل الواندا ميتروبوليتانو، وتضامن المناصر والكاره له مع احتفاله بالرقص لاستفزاز العنصريين الذين ملؤوا جنبات الملعب كله.
كان فينيسيوس هو الضحية والمجني عليه في تلك الواقعة، لكن ربما استساغ هذه الحالة، ولم يجد بديلاً عنها لاستعراضها، وتصديق أن العالم بأكمله يكرهه، وأن كل شخص يُراقبه ويتعامل معه بالضرورة يكن الضغينة له.
في تلك المرحلة، انقلب السحر على الساحر؛ المرحلة التي تفاداها كل السابقين، سقط بها فينيسيوس واستقرت قدمه فيها، وأصبح من الصعب نزع هذه الفكرة عنه؛ إذ أصبح فينيسيوس يفتعل المشكلات لجذب الانتباه.
وتلتقط عدسات الكاميرات لقطات كثيرة له يُعادي لاعبي الخصوم، بل ويستفزهم دون سبب، ويستمر في لقطات سيئة للغاية ضدهم، ثم يشتكي منهم فيما بعد بأنهم هُم من بادروا باستفزازه!
وبدأت شخصية الضحية تستحوذ على عقله، في كل ميدان يدخله يبدأ في البحث عن العنصرية، وإن لم تتواجد، دون نسيان أنه نجم محترف عليه التأقلم مع مثل هذه الأفعال، ولو تنحى عن كل مباراة يتعرض فيها لهتاف عنصري، ربما سيعتزل كرة القدم عما قريب.
وليس الأمر حكراً على ذوي البشرة السمراء فحسب، بل كان ليونيل ميسي يتعرض لهتافات مشابهة في العاصمة مدريد تُنكل بقصر قامته وقدم فيها برشلونة احتجاجاً رسمياً للاتحاد الإسباني، وكان كريستيانو رونالدو يتعرض لمثل هذه الصيحات في الكثير من الملاعب منها: السان ماميس والكامب نو.
لكن مشكلة فينيسيوس هي الميزة التي يمتاز بها رودريجو جوياس زميله البرازيلي في ريال مدريد؛ التجاهل، ربما كان رودريجو بحاجة ماسة إلى تجاهل مثل هذه الأفعال، رغم أنه يتعرض لمثلها، على العكس، يفتقد رورديجو للثرثرة وكثرة الحديث، ومحاولة استثمار ما يتعرض له لتلميع نفسه كما يفعل فينيسيوس.
لا يمتلك رودريجو جوياس نفس الزخم الجماهيري الذي يُجيشه فينسيوس، ولا نفس الحملات الإعلامية الضخمة التي تمدح رودريجو على القليل من كثير قدمه.
لذلك، نجد رورديجو هو الطرف الأضعف في حلقات ريال مدريد كلها، من بنزيما وفينيسيوس، إلى فينيسيوس وبلينجهام، إلى فينيسيوس وبيلينجهام وفينيسيوس ومبابي، دائماً ما يتم التضحية به، رغم جودته الكبيرة وحضوره الطاغي في مباريات حساسة ومصيرية لريال مدريد، وتسجيله أهداف حاسمة في لحظات انفرد بها عن غيره.
فينيسيوس عرف كيف يُسوّق نفسه بنفسه، ويجعل نفسه مسار الحديث علاوة عن موهبته، ويدخل كل أرض كضيف مع ريال مدريد، كضيف ثقيل يُحاول افتعال المشكلات والبحث عنها، وجماهير الفرق تتربص به وتنتظره، مثلما أصبح يتربص بهم وينتظرهم.
ناهيك، عن اللقطات المبالغ بها التي يبتدعها في البيرنابيو، أياً كان الخصم، حيث يظهر في لقطات يُحاول بها التواصل مع الجمهور في كل كرة وعلى كل شيء، وهي لقطات ليست مُحببة للكثير من عشاق هذه اللعبة، الذين لا ينجذبون للاعب الذي يُحاول جذب الانتباه إليه بشتى الطرق!
ماذا كان فينيسيوس سيفعل لو تعرض لمثل ما حدث مع داني ألفيس؟ ربما حينها كانت المشكلة قد تفاقمت أكثر، وخسر فينسيوس حملة التعاطف التي اكتسبها داني ألفيس بسبب هدوئه وعقلانيته.
هكذا هو فينيسيوس، من مجني عليه ولاعب يتعاطف معه الجميع، إلى جانٍ يُحاول إثارة المشكلات والتوجه نحوها بقدم وساق، ومن الواضح أن فينسيوس إذا استمر بمثل هذه العقلية فلن يستمر في قارة أوروبا كثيراً، وربما إذا أراد أن ينجح في التغلب عليها، فعليه بمثل ما فعل زميله البرازيلي رودريجو جوياس؛ التجاهل.