سياسة
سؤال يشغل بال العديد من القراء في العالم العربي هو ما الذي تعنيه الانتخابات الأمريكية لهم ولمنطقتهم. هل هناك أي اختلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري والمرشحين الاثنين؟ هل هناك مرشح “أفضل” للمنطقة من الآخر؟ وما هي الخطوات المحتملة التي سيتخذها كل منهما إذا تم انتخابه رئيسًا فيما يتعلق بالشرق الأوسط؟
الإجابات على هذه الأسئلة تستدعي قدرًا من الدقة في التحليل التي قد تكون مفقودة في كثير من التعليقات على هذا الموضوع. في سلسلة من المقالات لسطور، سأحلل مواقف المرشحين الاثنين من قضيتين ملحتين للعرب في جميع أنحاء العالم العربي.
أولاً: الصراع العربي الإسرائيلي، و ثانيًا: كيف يخطط المرشحون للتعامل مع قضية النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
فيما يتعلق بالقضية الأولى، يُقال إنه لا يوجد فرق بين الحزبين الأمريكيين فيما يتعلق بالدعم العسكري والدبلوماسي لإسرائيل، خاصة في أوقات الصراع و الحروب. هذا صحيح، ولكنه تصريح صحيح جزئيًا فقط. نعم، الدعم لإسرائيل هو قضية تحظى بإجماع الحزبين في الولايات المتحدة سواء في البيت الأبيض أو الكونغرس، وقد كان كذلك لعقود عديدة. كانت هناك أصوات متناثرة من المشرعين الناقدين للسياسات الإسرائيلية في الحزب الجمهوري، لكن هذا أصبح من الماضي، وحتى في ذلك الزمان العاهد، كانت هذه الأصوات قليلة ونادرة. الحزب الجمهوري اليوم ليس فقط مؤيدًا لإسرائيل بشكل شبه إجماعي، بل هو أيضًا متحالف مع رئيس الوزراء نتنياهو و الأعضاء الأكثر تطرفًا في الحكومة الإسرائيلية.
على الجانب الديمقراطي، قدمت إدارة بايدن للحكومة الإسرائيلية مستويات غير مسبوقة من الدعم العسكري وحمتها من العواقب القانونية والدبلوماسية في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية. لم يقدم أي رئيس آخر، حتى الرئيس الجمهوري الشهير رونالد ريغان، هذا المستوى من الدعم لإسرائيل في الحروب السابقة. من ناحية أخرى، فإن قاعدة الحزب الديمقراطي قصة مختلفة نوعا ما.
83% من الناخبين الديمقراطيين يدعمون وقف إطلاق النار في غزة، مع معارضة 9% من الناخبين فقط لوقف الحرب. وهذه الآراء بدأت في الانعكاس ببطء في آراء المشرعين الديمقراطيين. على سبيل المثال، لم يحضر حوالي 100 منهم خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الكونغرس قبل بضعة أسابيع، وبعض الذين حضروا كانوا ناقدين للغاية له، وخاصة النائب جيري نادرا، و هو كبير النواب الديمقراطيون من اصل يهودي.
يجب أن لا يتوهم القراء العرب بأن الحزب الديمقراطي معاد لإسرائيل، فهو بالتأكيد ليس كذلك على الإطلاق. كلا الحزبين داعم دعما قويا لدولة إسرائيل، و لكن، على عكس الحزب الجمهوري، هناك العديد من الأصوات في الحزب الديمقراطي التي تنتقد بشكل علني السياسات الإسرائيلية، خاصة تحت قيادة نتنياهو وإدارته الكارثية للحرب في غزة بعد السابع من أكتوبر، والتي تدعو للضغط على الحكومة الإسرائيلية وإعادة تقييم السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل.
أما بالنسبة للمرشحين أنفسهم، على الرغم من أن ترامب معروف بتقلب آرائه، الا أنه لا يمكن إنكار أن ترامب حليف وداعم قوي لإسرائيل. خلال فترة رئاسته، تجاهل الرئيس ترامب عقودًا من السياسة الخارجية الأمريكية عندما نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس واعترف بضم إسرائيل لهضبة الجولان، وحاول التوسط في “صفقة القرن” حيث كان على الفلسطينيين التخلي عن مطلبهم بدولة مستقلة مقابل مبلغ بائس قدره 50 مليار دولار كمساعدات تُقسم مع مصر ولبنان والأردن، والاحتفاظ بـ 70% من الضفة الغربية فقط. عندما فشلت تلك “الصفقة”، واصل المضي قدمًا في صفقات سلام مع دول عربية على انفراد دون حل الملف الفلسطيني. في الحرب الحالية في غزة، حث ترامب الحكومة الإسرائيلية على “إنهاء المهمة بسرعة” وانتقد الرئيس الأمريكي الأكثر دعمًا لإسرائيل في التاريخ، جو بايدن، لتأجيله مؤقتًا شحنة واحدة من القنابل كبيرة الحجم.
فوز ترامب في نوفمبر سيعني شيكًا على بياض لأي حكومة إسرائيلية في المستقبل، وهو الرأي الذي يبدو أن أعضاء الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا يشاركونه، و يقولون علنًا إنهم يأملون في فوز ترامب. تحت إدارة ترامب الثانية، نتوقع أن نرى دعمًا عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا غير مشروط لإسرائيل. سيشمل ذلك تقويض حل الدولتين، ودعم النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية ورعاته المتطرفين في الحكومة مثل وزير الداخلية إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ودفع قوي للتوصل إلى اتفاقيات تطبيع دون معالجة الملف الفلسطيني.
على الجانب الديمقراطي، بدأت نائبة الرئيس هاريس في وصف الحرب في غزة بمصطلحات أكثر إنسانية مقارنةً مع الخطاب الحالي للرئيس بايدن، ولكن دون تغيير جدي للسياسات الداعمة لإسرائيل بوصفها لا تزال نائبة للرئيس بايدن. لفتت النائبة هاريس في خطاباتها الانتباه إلى معاناة الفلسطينيين في غزة وأكدت على ضرورة دخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
عندما ذهب رئيس الوزراء نتنياهو إلى الولايات المتحدة لإلقاء خطاب في الكونغرس، لم تترأس هاريس جلسته كما كانت تفعل عادة في دورها كرئيسة لمجلس الشيوخ. بدلاً من ذلك، التقت هاريس بنتنياهو على انفراد و حثته على إنهاء الحرب و التوصل إلى اتفاقية لوقف لإطلاق النار.
خلال حملتها الانتخابية، تحدثت هاريس إلى الناخبين العرب الأمريكيين من حركة “غير الملتزمين” الذين كانوا يضغطون على إدارة بايدن لوقف الدعم العسكري لإسرائيل ووقف الحرب في غزة، على عكس حملة الرئيس بايدن السابقة التي لم تعبر لهم بشكل جدي.
على الرغم من أنه من غير المرجح أن تبتعد هاريس عن السياسات الديمقراطية التقليدية المؤيدة لإسرائيل، فهناك احتمال بأنها ستضغط بشكل أكبر على اسرائيل لمعالجة القضايا الإنسانية في غزة والضفة الغربية، و قد تصل إلى حد تعليق المساعدات العسكرية لبعض وحدات الجيش الإسرائيلي التي ارتكبت، وفقًا لخبراء وزارة الخارجية، انتهاكات لحقوق الإنسان.
سيكون مثل هذا الإجراء متوافقًا مع القوانين الأمريكية المتعلقة بنقل الأسلحة إلى الجيوش الأجنبية التي تنتهك حقوق الإنسان، لكنه من المستحيل ان تتخلى هاريس عن الدعم الأمريكي الطويل الأمد لإسرائيل. بناءً على تصريحات مستشارها للأمن القومي فيل غوردون على وسائل التواصل الاجتماعي، نتوقع أن تدعم هاريس إسرائيل بشدة بينما تدفع من أجل عملية سلام مع حل الدولتين على حدود عام 1967، بدلاً من اوهام “صفقة القرن” التي كانت مقترحة من ترامب.
مواقف المرشحين الاثنين بشأن الصراع العربي الإسرائيلي متباعدة في تفاصيلها، و لكنّ الحزبين الاثنين سيواصلان الدعم لإسرائيل. بينما من المؤكد أن رئاسة ترامب ستفاقم التوترات في المنطقة، هناك احتمال أن تسعى إدارة هاريس إلى معالجة بعض القضايا على الأقل بطريقة بناءة ودبلوماسية، وربما تمهد الطريق في المستقبل لحل الصراع.