سياسة

هل تخلت الفرقة الرابعة عن بشار الأسد؟

ديسمبر 20, 2024

هل تخلت الفرقة الرابعة عن بشار الأسد؟


أكثر ما أكرهه طوال سنوات عملي هو ما يسمى ”صحافة الجواسيس“، وهي مبتدعٌ يقزم مهارة الصحفي في نقل محادثات خاصة أو سرية بين فلانيْن أو أكثر من المتنفذين أو العارفين أو الذباب الملتصق على الحوائط المهمة ثم يُكتب أو يُنقل ويسمى ”سبقا صحفيا“. أراهُ لغوا صحفيا وتكاسلا بل وضربا من التدليس.


أقول هذا لأدلل على كوني لا أظن بعد كل هذا العمل عن قرب من نماذج الجيوش النظامية وغير النظامية والميليشيات المسلحة طوال ربع قرن أني درست عن كثب أي كيان مسلح مثلما درست هذه الفرقة لوقت طويل اقترب من سنة ونصف السنة، ولأجلها غامرت وزملائي بحياتنا أكثر من مرة في السويداء، حلب، إدلب، وعلى الحدود اللصيقة في الأردن ولبنان. حتى أننا طرنا لألمانيا وفرنسا ولندن، لاقتفاء أثرها والشبكة العنكبوتية الرهيبة العاملة  تحت إمرتها أو المتصلة بهذه الفرقة . لم أدْرُس فرقةً مسلحة أبدا بهذا التعقيد وإلى حضراتكم بعض الأسباب.


أولا أين ولّت الفرقة الرابعة وهي مؤسسةٌ أصلا لحماية النظام الداخلي للأسد وعائلته وشقيقه ماهر وحاشيتهم. أصل فكرة تشكيل وتدريب ميليشا تحمي ”النظام“و ليس ” الدولة“ صنعها حافظ الأسد (سرايا الدفاع) قبل ابنه بشار وصنعها حكام في المنقطة كمعمر القذافي والسادات والآن السيسي. رفعت الأسد كان وجه هذه الفرقة المرعبة في ثمانينيات القرن الماضي.


ماهر الأسد هو رئيس الفرقة الرابعة اليوم وهي فرقة دموية شاركت بوحشية بقمع الانتفاضة الشعبية السلمية في سورية ٢٠١١. كما أثبتت أدلة دامغة في تحقيق أجريته وزملائي عام ٢٠٢٣ أثناء وجود بشار الأسد في الحكم  أدلةٌ على صلة هذه الفرقة وماهر وبشار الأسد بتصنيع وتهريب الكبتاجون وجني بلايين الدولارات من المخدرات.


الفرقة الرابعة حصان طروادة


بين ماهر ورفعت الأسد فارقٌ جوهري في إدارة فرق نخبوية كتلك، رفعت حاول الانقلاب على أخيه بفرقته النخبوية، أما ماهر فسطوته على الفرقة الرابعة المخيفة وسيطرته الكامل عليها، حتى وإن تقارب التوازي بين فرقته وفرقة الحرس الجمهوري التابعة مباشرة لبشار لم يسبب شقاقا. الغرض الأساسي كان خلق كيان جزئي مواز ورسمي ومن نخبة الجيش (وليس خلق جيش رديف كما حالة العرجاني في مصر“. ناهيك الآن عن مخاوف حل الجيش السوري بأكمله ومحاولات لا ريب ستأتي برغبة رجوع ضباط الجيش السوري الحر إلى مواقعهم الأصلية والمقاومة التي قد تكون دموية في رفض ذلك ربما من الفرقة الرابعة نفسها. أظن أن صناعة والاتجار بالكبتاجون وإبقاء الطبقة المخملية خارج دائرة العقوبات الأمركية تعصم الفرقة النخبوية من المكائد. هي حصان طروادة للنظام السوري الذي كان (مازلت مقتنعة بالانتظار فالمشهد برحيل الأسد وإعلان زعيم ما كان يعرف بجبهة النصرة وما ينسب له من تصريحات مطمئنة للداخل والغرب ليس نهاية ملحمة ثورة سورية الطويلة تحت دولة بوليسية وسجونها تشهد).


إعادة تموضع الفرقة الرابعة


مهمة الفرقة النخبوية بالأساس كانت تأمين العاصمة دمشق ”الشام“ كما يسميها السوريون، وحماية النظام (لا الدولة). بعد ٢٠١٢ تعاظمت مهام الفرقة التي أسسها ماهر الأسد في عهد أخيه بشار لتعيد التموضع بشكل شبكي مركزه دمشق ومحاوره ثُماني الأضلاع ليطال مفاصل سورية الحيوية. عزز هذا الانتشار الريبة في رتب الجيش بعد انشقاقات متوالية في رتب الجيش النظامي للانضمام إلى الجيش السوري الحر، فانفردت الفرقة الرابعة بسطوة ونفوذ لا نهائي. أضعف ذلك قدرة القيادتين الحربية والسياسية على اتخاذ القرار أو مراجعة الفرقة الرابعة لأن رقبته أصبحت في يديها، وتراجعت أكثر بعد أن أصبحت الفرقة المسؤولة ويتزعمها ماهر الأسد عن تصنيع وتهريب الكبتاجون الذي بدل حال العائلة والصفوة الحاكمة من العقوبات التي سعت لخنق بشار ونظامه إلى ضرب العصفورين بحجر واحد: الإفلات من العقوبات الأمريكية ومراكمة ربح بمليارات الدولارات سنويا من ناحية، ورد الصاع صاعين لمحور الخليج بضرب شبابهم بالمخدر شديد الإدمان وفرض شروط النظام السوري لإعادة تطبيع دول الخليج العربية معه وقتما شاء هو بشروط بشار الأسد ٢٠٢٣ والعودة للجامعة العربية والتطبيع وإعادة التمثيل الدبلوماسي قبل السابع من أكتوبر ٢٠٢٣.


إيران وحزب الله


منافسان آخران غير الجيش النظامي السوري كانا الميليشيات الإيرانية على غرار الحرس الثوري وسرايا القدس وكذلك مقاتلو حزب الله وجميعهم اشتركوا في المعارك على الأرض السورية. عززت إيران الجيش السوري بهذه الأجنحة فائقة الأداء بسبب تفوق الفصائل التي مولتها دول الخليج مثل جيش الإسلام ومولته السعودية وفيلق الرحمن ومولته قطر إضافة لعشرات الميليشيات المستجلبة والممولة من دول وقوى إقليمية ودولية أولها تركيا وإيران. أما روسيا التي حسمت المعارك لصالح النظام السوري في ٢٠١٧ فقد حاربت على الأرض لا بالوكالة، واتخذت لنفسها قواعد عسكرية في المطار العسكري حميميم وميناء طرطوس. نجحت تعزيزات إيران وأظهرت تفوقا لافتا في حروب المدن وحروب العصابات، كما نجحت قوات حزب الله في تطويق القوات الخصمة والانقضاض من المنتصف.


ألوية وأجنحة الفرقة الرابعة


تألفت الفرقة الرابعة من أربعة ألوية ٣٨- ٤٠-٤١-٤٢ وجميعها تتبع لسلاحي المدرعات والاستخبارات الجوية، وتحتها يأتمر الأفواج ٥٥٥ و ٦٦٦ و٥٤. انضم منذ اندلاع الحرب في عام ٢٠١٢ ودخول الميليشيات الاجنبية عن سورية، سرايا تخصصية ”الهندسية – سلاح الإشارة“. من جهة التسلح خضعت خمسمئة دبابة للفرقة منفردة وعرباتٌ مصفحة وأسلحةٌ ثقيلة ومدرعاتُ مشاه. الفرقة الرابعة تحديدا يمثل العلويون في قوامها البشري حوالي ٩٥٪ في جميع الرتب خاصة الصفوة والرتب العليا لضمان ولائهم وعدم انشقاقهم على اعتبار أنها جناح خاص لحماية النظام وعائلة الأسد. تمتعت الفرقة الرابعة بكتيبة الكيمياء وهي المسؤول الرئيسي عن تصنيع الكبتاجون بعد تعديل تركيبته الأساسية التي صنعتها ألمانيا لتعزيز صمود جنودها في الحربين العالميتين الأولى والثانية. كما أن الفرقة مسؤولة عن ترسانة من الأسلحة الكيميائية. رصدنا بعضا منها في تحقيقنا العام الفائت في بلدة صبورة على المناطق الحدودية مع لبنان.


تسليح الفرقة الرابعة 


بالنسبة للأسلحة الجوية والصاروخية حازت الفرقة الرابعة على منظومة دفاع جوي من طراز S200 S300 و كوبرا، إضافة إلى صواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى وهى أيضا في بلدة صبورة ويعفور على الحدود مع لبنان. كذلك تمتلك عددا من المروحيات القتالية منها عمودي. على الرغم من كل ذلك لا تتمتع الفرقة الرابعة بسمعة جيدة لدى السوريين. في في السنوات الأخيرة تحديدا شاعت عن الفرقة فرض الجباية على العربات الناقلة للمؤن على الحدود السورية الأردنية والعراقية، وكذلك تسهيل تهريب المخدرات في المصفحات الحربية من المدن المسيطر عليها من النظام عبر الاستخبارات الجوية. نفت عن نفسها تماما فصائل المعارضة التابعة لتركيا في إدلب وغيرها في تحقيقي العام الفائت مرور الكبتاجون عبرها بل ودللت لنا على ضبطيات في المدن الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا للكبتاجون من قبلهم كما فعلت قوات حرس الحدود في الأردن ولبنان وكذا أجهزة الأمن العام وفرق مكافحة المخدرات في البلدين. لم ترد الدولة السورية عن أي من أسئلتنا ضمن حقوقها في الرد على أسئلتنا.


هل تواطأت الفرقة الرابعة على بشار الأسد؟


على أية حال، الفرقة الرابعة السورية تمتعت بموارد وصلاحيات خاصة لم يتمتع بها الجيش ”العربي“ السوري، وقد شكلت فيها أجنحة خاصة مثل الكتيبة الانتحارية والتي يتردد أن إشارة البدء لمهمتها هو انهيار الدولة أو انهيار القوى العسكرية الرسمية ”الجيش السوري“ أو هروب الرئيس. حتى هذه اللحظة وقد غادر بشار الأسد سورية على طائرة روسية، لم نسمع أو نر أي نشاط للفرقة الرابعة ولا الكتيبة الانتحارية. أتساءل أين ماهر الأسد؟ وأين فرقته الرابعة المكلفة فقط بحماية النظام وبشار الأسد؟ هل هناك صفقة أو مفاجأة؟ أم تواطأت الفرقة باتفاق؟ أو ترتيب ما في مقابل التخلص من بشار ”وليس من النظام“؟ سيتضح ونحن هاهنا مترقبون.



جرت الاستعانة بأكثر من بحث معرفي وعسكري سوري إضافة إلى استقصائنا الصحفي في تحقيقنا الحائز على جائزة أفضل فيلم استقصائي طويل من جوائز DIG للصحافة.


شارك

مقالات ذات صلة