Blog

الحكومة السورية الجديدة والدور الاجتماعي المُركب المُنتظر!

أبريل 15, 2025

الحكومة السورية الجديدة والدور الاجتماعي المُركب المُنتظر!

تدور الكثير من النقاشات حول سلوك الحكومات في بلدان ما بعد الصراع وفي مراحل إعادة إعمار البنيان والثقة، وتتمحور هذه النقاشات حول ما يتعلق بنقطة البداية لعمل الحكومات، وتحديد أولويات العمل وتسلسلها وترابطها، ولا سيما في حالات البلدان التي تمر بصراعات لفترة زمنية طويلة، كما حدث في سورية، حيث دمرت ديناميكيات الصراع وآلياته رأس المال المادي والاجتماعي، من خلال الأسلحة المختلفة التي استخدمها نظام بشار الأسد المخلوع، كسلاح الجو والمدفعية والمدرعات، وسلاح التجويع والحصار والتهجير القسري والاعتقال والتغييب، وسياسات تفتيت رأس المال الاجتماعي.

 

 أدى ذلك إلى تدمير البنية التحتية الأساسية، وتعطيل تقديم الخدمات الضرورية (مثل الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والصرف الصحي)، وإعاقة الحياة اليومية المرتبطة بكسب سبل العيش، كما أدى إلى معاناة واسعة النطاق، ونزوح قسري جماعي للسكان، وموجات كبيرة من اللجوء إلى خارج الحدود، وأزمات إنسانية، وأوبئة وأمراض وإصابات حرب، مما سيُثقل كاهل الحكومة السورية الجديدة حتماً، ويجعل مهمتها صعبة.

 

 

بعض الحكومات تسارع إلى الانخراط في دور تنسيقي لتحقيق الاستجابة للاحتياجات الفورية للمواطنين بالتعاون مع الجهات المانحة والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، على حساب المباشرة في الإجراءات التي من شأنها بناء قدرة الحكومة على تحمّل المسؤولية الرئيسية لها من خلال بناء المؤسسات وعدم تجاهل القدرات المحلية، مما يجعل هذه الحكومات عرضة لمخاطر إضعاف فرص الاستدامة وتبديد فرص الشرعية.

 

 وبعض الحكومات تبدأ بإطلاق عملية متعددة المسارات تقوم على تحقيق شروط معينة وموضوعية تحاكي السياق الواقعي للبلاد، وفي مقدمتها تبنّي ثقافة سياسية تسمح بإسهام القوى الاجتماعية جميعها في عمليات البناء التعليمي والإداري والاقتصادي والسياسي، واحترام القانون، وخلق بيئة تساعد في بناء مؤسسات الدولة، وتتيح بناء مؤسسات المجتمع المدني، وتولي البعد الاجتماعي الأهمية اللازمة انطلاقاً من طبيعة العلاقة بين البيئة الاجتماعية والعمل الحكومي، فهي علاقة تفاعل وتأثير متبادل، وفي الساحة المجتمعية يتم اختبار فعالية وصلاحية القرارات الحكومية.

 

 

يتجاوز البعد الاجتماعي المأمول من الحكومة السورية الجديدة إعادة تفعيل دور مؤسسات القطاع العام وهياكله وعملياته، ليشمل مفاهيم عامة حول تشكيل رابط العلاقات والصلة بين الدولة والمجتمع، حيث تتفاعل الحكومة مع المواطنين عبر كيفية تنظيم مصالحهم الجماعية، ومن خلال التركيز على الحوكمة الداعمة لبناء السلام المجتمعي، والساعية لبناء الدولة، وتجنّب الانزلاق إلى الصراع مرة ثانية. هذا بالإضافة إلى الوظائف الحكومية التقنية وكيفية إدارتها، والمتمثلة في صنع السياسات الاقتصادية وتنفيذها، وتقديم الخدمات، والاستخدام المسؤول للموارد العامة والسلطة التنظيمية. 

 

ويأتي الارتباط بالمجتمع من خلال المشاركة العامة في جانب السياسات، مثل مشاركة المجتمع المدني في عمليات تحديد الأهداف والتخطيط لتحقيقها، والشراكات بين القطاعين العام والخاص في جانب تقديم الخدمات، ومدى قدرة الحكومة على تطوير عملية إدارة عامة كفؤة وفعالة وخاضعة للمساءلة، منفتحة لمشاركة طاقات جميع المواطنين، وتعزز نظام الحكم الديمقراطي بدلاً من إضعافه، والإدارة هي جهد اجتماعي قبل أن تكون جهداً إدارياً واقتصادياً.

 

 

وقد يكون من النافع جداً أن تعمد الحكومة الجديدة إلى ترتيب أولويات عملها ضمن مجموعة من الوظائف الأساسية، وتتمثل في ضمان الأمن، وتحقيق الفعالية، وتوليد الشرعية، وذلك وفق المنظور الاجتماعي لهذه الوظائف. وعادة ما تتباين الحكومات من حيث مدى نجاحها أو تعثرها في السعي لتحقيق هذه الأهداف، وذلك مرتبط بمدى ضعف أو قوة نظم الحوكمة لديها. وفي الحالة السورية، يمكن أن يأخذ البعد الاجتماعي الأولوية، وذلك من خلال خطط الحكومة وسعيها نحو تحقيق تلك الوظائف. وعندما تعمل الحكومة على حوكمة النشاط الأمني، فهي تحافظ على العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، وتحمي الأفراد والممتلكات، وتتعامل مع الجريمة والنشاط غير القانوني، وتمارس الرقابة على قوات الأمن لضمان الاستخدام المشروع للقوة القسرية، والحد من الانتهاكات، والحفاظ على سيادة القانون.

 

 

كذلك في الجهود الإدارية والاقتصادية، من أجل تحقيق توفير الفرص الاقتصادية والخدمات الأساسية المرافقة، والتي من المفروض أن ينتج عنها فرص عمل وفرص تشغيل استثماري، من خلال رسم سياسات وقواعد وترتيبات مالية، وشراكات وأنظمة خدمية مدنية شفافة، وقائمة على القواعد والأسس التي تراعي متغيرات البيئة الاجتماعية الداخلية. وإعادة بناء الفعالية يتعلق في المقام الأول بتقديم خدمة مدنية فعالة، ونُظم إدارة أساسية، ومكافحة الفساد، وبنية تحتية وخدمات بلدية كافية، ورعاية صحية وتعليمية متاحة على نطاق واسع، وتوفير الطرق وشبكات النقل، والاهتمام بشبكات الأمان الاجتماعي، وضرورة الوعي بالأهمية البالغة لوظائف وقدرات القطاع الخاص والمجتمع المدني.

 

 

كما يُعد تقديم الخدمات، المرتبط ببعد الفعالية بالأصل، مهماً أيضاً لترسيخ الشرعية؛ فهو يُظهر استعداد الحكومة وقدرتها على الاستجابة لاحتياجات المواطنين ومطالبهم، وكذلك الإصلاح الدستوري، وإعادة إرساء سيادة القانون، والتصميم المؤسسي (مثل الضوابط والتوازنات، وتوزيع الوظائف والسلطات بين مختلف مستويات الحكومة الإدارية)، بالإضافة إلى تنمية المجتمع المدني.

 

 

ويبدو أن الحكومة السورية الجديدة، من خلال عرض رؤاها الأولية، ترغب في بذل جهود سياسية وإدارية واجتماعية هادفة، والذي لا يبدو لنا -وهذا لا يعني عدم وجوده- هو كيف سترتب هذه الحكومة أولوياتها، وكيف ستُولي للبعد الاجتماعي الأهمية اللازمة والكافية. لا شك أننا كسوريين ننتظر هذا الدور من الحكومة الجديدة ونرغب به بشدة، ويحدونا الأمل، حيث أنهكتنا الحروب والنزاعات، ودمرت مساكننا وسكينتنا، وعطّلت سبل عيشنا، وخطفت من بين أحضاننا العزيزين من أهلنا وجيراننا عبر القتل والاعتقال والتغييب، وأكلت الهجرة وحيوات اللجوء من قلوبنا وعقولنا الكثير، وكوى الحنين والاشتياق أكبادنا، ولا زلنا نُربي الأمل ونتوق للسكينة والاستقرار.

 

 

نحن السوريون نستحق الحياة الحرة الكريمة، وسعينا ونسعى لتحقيق هذا الهدف، فلتكن هذه الحكومة على مستوى المسؤولية، وعلى مساحة وامتداد هذا الأمل للسوريين جميعهم، فلم يعد في صدورنا متّسع لخيبات جديدة.

شارك

مقالات ذات صلة