Blog

التحديات الأمنية في سوريا.. ماذا بعد الشرع رئيسًا وحل الفصائل؟

يناير 30, 2025

التحديات الأمنية في سوريا.. ماذا بعد الشرع رئيسًا وحل الفصائل؟

للكاتب: محمود عمر


لا شك أن المرحلة الحالية التي تمر بها سوريا ستحدد مسار البلاد لعقود قادمة، وتعتبر كل خطوة تُتخذ بالغة الحساسية في ظل أجواء الاستقرار الهش. وعلى رأس الأولويات يأتي موضوع الأمن والجيش، الذي يواجه تحديات رئيسية، لكنه لا يخلو كذلك من فرص يمكن استغلالها لتثبيت هذا الاستقرار والمضي نحو بناء دولة أقوى.

أعلنت القيادة العامة السورية الجديدة حل جميع الفصائل ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، وهي خطوة أولية مهمة لمنع التشظي ودخول البلاد في دوامة عنف لا يمكن وقفها، والتعلم من دروس سابقة مرت بها دول عربية لم تستطع إيقاف دائرة العنف تلك. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة لا تعني انتفاء التحديات الأمنية الأخرى، بل إن هناك عوامل عدة تجعل النار كامنة تحت الرماد.


يُعد التحدي الأبرز لدمج الفصائل هو تعدد الولاءات والعقائد. فهناك فصائل تدين بولاءاتها لجهات خارجية، وسيكون تبديل هذه الولاءات أمرًا في غاية الصعوبة، خاصة أن بعض الفصائل قد تفضل الولاء الخارجي على الولاء لقيادة مركزية، لأنها ستخسر امتيازات كبيرة كانت تُمنح لها.

كما أن بعض الفصائل كان يوحدها هدف الإطاحة بالنظام، لكن بعد سقوطه، ستظهر خلافات أيديولوجية وسياسية جديدة إلى السطح، وسيكون من الصعب حل هذه الخلافات أو تأطيرها ضمن عمل مؤسساتي موحد.


لا يُعد اختلاف العقائد والولاءات المشكلة الوحيدة، فهناك أيضًا موضوع الأقليات، حيث يرى بعضها أن التسليح ضرورة لحماية أنفسهم من الفوضى أو من تهديدات محتملة حتى تتضح معالم المرحلة الجديدة. لكن هذا التخوف قد يؤدي إلى ما يُعرف بظاهرة النبوءة المحققة لذاتها، وهي الحالة التي يؤدي فيها الخوف من وقوع شيء معين إلى اتخاذ إجراءات تجعله يتحقق بالفعل.

على سبيل المثال، عندما تقوم مجموعة ما بالتسلح بشكل كبير خوفًا من اقتحام آخرين عليهم، قد يفسر الطرف الآخر ذلك على أنه استعداد لهجوم، مما يدفعه إلى المبادرة بالهجوم أولًا. وهكذا، يصبح التسلح بسبب الخوف من الهجوم هو نفسه السبب الذي أدى إلى وقوع الهجوم.


يمكن تشبيه الوضع الحالي في سوريا بكومة من القش التي تنتظر شرارة واحدة لتشتعل. فلا تزال فلول النظام السابق تترقب الفرصة لإعادة فرض نفسها وتحقيق مكاسب معينة، ويزيد من خطورة ذلك انتشار المعلومات المغلوطة، التي تجد لها أرضًا خصبة في ظل حالة عدم اليقين والتخوف من توجهات الحكومة المؤقتة الحالية.

هذه الأجواء قد تُستغل لتحريك مجموعات مسلحة، سواء تحت ذريعة حماية الأقليات أو بدافع دعم مشاريع سياسية أخرى، مما يزيد من هشاشة الوضع الأمني.


كل هذه العوامل تجعل التوازن الأمني هشًا، لكن الحل لا يكمن في المقاربة الأمنية وحدها، بل يحتاج إلى نهج متكامل يشمل عدة مسارات:

الدبلوماسية والسياسة: يجب العمل على تخفيف الاحتقان إلى أدنى حد ممكن، عبر سياسات حكيمة لنزع فتيل التوتر قبل نشوبه، وكسر حلقة النبوءة المحققة لذاتها، من خلال إجراءات مدروسة لبناء الثقة.

تجنب المحاصصة والتقسيم الجغرافي للنفوذ: أي خطوة نحو تقاسم السلطة بناءً على المحاصصة الطائفية أو الجغرافية قد تؤدي إلى تعطيل الدولة وإعادة إنتاج الصراعات بدل حلها.


الحفاظ على المؤسسات: يجب دعم مؤسسات الدولة، وتجنب اتخاذ قرارات قد تثير غضب الشارع أو تؤجج الصراعات، لأن ذلك قد يعيد إنتاج الفوضى بدلًا من تحقيق الاستقرار.  تأسيس نواة أمنية صلبة: لا بد من وجود قوة أمنية وعسكرية مركزية قادرة على أن تكون أقوى من بقية الجماعات المسلحة، بحيث تتمكن من فرض الاستقرار دون الحاجة إلى عمليات عسكرية واسعة، مع الحرص على أن تكون أي تدخلات أمنية محدودة النطاق، ولكن حاسمة وسريعة، لتقليل الأضرار الجانبية.

قد تكون هذه بعض العوامل التي تسهم في تأسيس أمن قوي في البلاد، لكن يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق ذلك دون الانزلاق إلى دوامة عنف يصعب إيقافها بمجرد أن تبدأ.

شارك

مقالات ذات صلة