رياضة
في صيف عام 2008، تقدم يوهان كرويف بنصيحة للرئيس، وأوصاه بالتعاقد مع المدرب الشاب بيب جوارديولا، ومن هنا تغير تاريخ النادي للأبد، وفي الوقت نفسه، كان لابورتا دائماً ما يظهر في المشهد كبطل! هو المحامي والسياسي الكتالوني، الذي وصل إلى كرسي الرئاسة بالدعاية، ولا يخفى على أحد أن الرجل كان يتمتع بلسان جذاب تماماً، ونجح في الوصول إلى كرسي الرئاسة عن طريق تواجده كسياسي يُحب كتالونيا، ويُحبذ انفصال الإقليم عن دولة إسبانيا ككل. ظل الرجل، طوال تاريخه، يختار قرارات إدارية داخل الملعب تعكس سوء فهمه للعبة كرة القدم، وكان أشهرها هو وعده باستقطاب ديفيد بيكهام، عام 2003 من صفوف مانشستر يونايتد لإنجاح حملته الانتخابية، لكن الإنجليزي فضّل الانتقال لصفوف ريال مدريد؛ فاتجه هو في النهاية إلى جلب رونالدينهو لاعب باريس سان جيرمان، والذي كان بمثابة نقلة نوعية في تاريخ برشلونة الحديث.
والغريب، أن الوعد بجلب ديفيد بيكهام، كان أساس حملة خوان لابورتا الذى جعله مُفضلاً على لويس باسات حينها، بالنظر لقيمة النجم الإنجليزي، لكن ربما كان مستوى رونالدينهو هو المنقذ الحقيقي لصورة دعائية للرئيس!
في الخفاء، كانت إدارات لابورتا دائماً ما تنقلب عليه، ويخرج أكثر من إداري باستقالة مُفاجئة وصادمة، ثم يتحدث فيما بعد عن الفوقية الشديدة للرئيس، ومحاولة سرقة الإنجازات الجماعية لصالحه، والظهور في ثوب المُنقذ أمام الإعلام.
يُمارس لابورتا لعبة الجاني والمجني عليه في آن واحد؛ هو من النوعية التي تُهاجم أصحاب المناصب للاستفادة منها بدلاً منهم، والتماس الأعذار لأنفسهم في حالة توليهم لها. فعل ذلك في بداياته مع الرئيس نونييز، حيث انضم إلى مجموعة طالبت بسحب الثقة من الرئيس حينها، وفي عام 2020، عاد لابورتا بقوة من خلال التهكم على إدارة بارتميو، وطالب بسحب الثقة منه فوراً. وفي المرتين، نجح المحامي الإسباني في الوصول لكرسي الرئاسة بالكلمات الرنانة والتصريحات التي تحمل زخماً رهيباً، لكن في عام 2020 لم يكن الأمر أشبه بعام 2003. حيث كان ميسي حينها هو المساحة الفاصلة، مع اقتراب نهاية عقد النجم الأرجنتيني، الذي كان قد أرسل رسالة “البورو فاكس” الشهيرة في ليلة لشبونة الكارثية بالهزيمة من بايرن ميونخ. وكان كل رئيس، يترشح لانتخابات الرئاسة في برشلونة، يعرف أن هذه المرحلة يستبقها بقاء ميسي، أكثر حتى من جلب الألقاب الغائبة، وبطبيعة الحال، ارتدى لابورتا ثوب المنقذ الاعتيادي منه. وقرر أن تقوم حملته الانتخابية كلها على ميسي وتجديد عقده، وظهر في مقطع فيديو يحتضن فيه قميص ميسي ويُردد جملته الشهيرة: “سأقدم لك عرضاً لا يمكن رفضه”. ومن الواضح أن كلماته الرنانة انطالت حتى على النجم الأرجنتيني، الذي ذهب لانتخابات النادي الرئاسية للمرة الأولى في مسيرته، ورشح المُرشح الذي تعرفه، المرشح الذي كان قد حضر مؤتمر وصوله بصفة رسمية فيما بعد؛ خوان لابورتا.
حقق ميسي كوبا أميركا في عام 2021، وعاد إلى برشلونة برغبة توقيع العقد الجديد ليعيش ذكرى سعيدة في المدينة التي تعايشت معه في كافة اللحظات القاسية، لكن المفاجأة أن خوان لابورتا قد اكتشف أن تجديد عقد أسطورة النادي مستحيل تقريباً، وقرر أن يُعلن نهاية قصته مع برشلونة عبر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في لحظات في نفس الليلة! كان من الواضح أن ميسي قد خُدع، تماماً كما خُدع كل من صوّت لهذا الرجل، كما هو حال كل جمهور برشلونة في العالم الذي عاش صدمة لا تُنسى في هذه اللحظة، لكن خوان لابورتا كان يُجهز حجة جديدة أقوى من كل ما مضى، حيث كان أحد منافسي خوان لابورتا في سباق الرئاسة قد صرح أنه سيُحاول إبقاء ميسي، لكن إذا فشل فلن تكون مُشكلة، وهنا فقد الرجل الكثير من الأسهم رغم كونه محقاً. قال فيما بعد، إن النجم الأرجنتيني لم يعرض عليه اللعب بالمجان لصالح نادي حياته، ومن الواضح أيضاً أن ميسي لم يكن كما توقعه هو نفسه، وبالتالي فإن لابورتا قد قلب الطاولة رأساً على عقب على أسطورة النادي.
لم يكن تشافي هيرنانديز هو المدرب الذي تتطلع إليه آمال برشلونة، لكنه كان تجربة من خوان لابورتا، والمؤسف أن الرجل قرر أن يتعامل مع أساطير برشلونة كما لو كانوا خُردة تُباع في الطُرقات؛ ليخرج في العديد من المرات ويتحدث عن استمرارية تشافي مع الفريق، ثم يُفاجئ الجميع فيما بعد بإقالة المدرب الإسباني الذي كان قد أبدى رغبته في الرحيل لكن حديث الرئيس أبقاه في منصبه! حينما ظهر رجل يُدعى ماتيو اليماني؛ مدير صفقات برشلونة الذي وضع خطة محكمة للنادي للعودة بعد رحيل ميسي، لم يستمر الرجل طويلاً، وانتهت شراكته مع النادي بسرعة كبيرة، وبات من الواضح أن كل شخص يتشارك مع لابورتا أمور الإدارة يتنحى عنها، مهما كان ناجحاً، تماماً كما قال أغلب من تشارك معه. مشكلة خوان لابورتا أنه ثرثار، يتحدث بأكثر مما يملك، ويعلم صعوبة الوضع، لكنه يضع الناس في أوهام بعيدة المنال، ودائماً ما يجد صرفة للخروج من كل مأزق يُوضع فيه إثر أقاويله، وفي الحقيقة هو لا يملك أغلب ما يقوله، حيث تفشل أغلب المفاوضات لنقص الموارد المادية، ويفشل برشلونة إدارياً لأن لابورتا لا يملك خطة، لا قريبة ولا بعيدة على حد سواء، لكنه يعتمد سياسة استحضار القامات الإدارية في إدارته، من ينجح منهم يسترق منه الفضل لنفسه، ومن يُخفق فإنه أخفق لنفسه.
لم يُحقق برشلونة مع بارتميو سوى الكثير من الصفقات الضخمة، وكان عليه أن يدفع ضريبة باهظة جداً لهذه التكلفة بالديون التي تراكمت عليه، لكن من الواضح أن خوان لابورتا كان يُريد العودة لكرسي الرئاسة فقط، لا لإنقاذ برشلونة كما زعم، ولا إبقاء ميسي كما تحدث، ومن الواضح أن برشلونة سيعيش هذه الفترة الصعبة لمدة أطول مما كان متوقعاً لها.