أسفار

مدينة هوي آن: تاريخ من نوع مختلف

أغسطس 3, 2024

مدينة هوي آن: تاريخ من نوع مختلف

هوي آن هي إحدى أجمل مدن العالم، وهي مدرجة ضمن لائحة التراث العالمي. تقع هذه المدينة الساحرة على ساحل فيتنام، وتتميز بمزيج رائع من التاريخ والثقافة والجمال الطبيعي. تمتلك هوي آن شواطئ مذهلة، وتضم عشرات الحصون والبيوت القديمة التي تروي قصصًا عن ماضٍ عريق. المدينة تشتهر بمبانيها التقليدية التي تعكس تأثيرات فيتنامية، صينية، ويابانية، مما يجعلها وجهة سياحية استثنائية.

 

إلى هوي آن الرومانسية

 

حتى الآن، نحن فريق مغامر، مذهل ومتفاهم. ولكن في فريق سفر متنوع الأفراد والأفكار، من الطبيعي أن تحدث أحيانًا بعض المناوشات. يوجد مثل ألماني يقول إنه غالبًا ما يحدث شجار في اليوم الرابع أو الثامن بعد بدء الرحلة، ولكننا الآن قد اجتزنا اليوم العاشر بانسجام وتفاهم يُضرب بهما المثل.

 

اليوم، على غير العادة، استشعرت حاستي السادسة وجود توتر عصبي بين بعض أفراد الفريق. وهذا طبيعي برأيي، لأننا عشنا الكثير من المغامرات ووصلت أجسادنا إلى مرحلة عالية من التعب والإنهاك، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى الخمسين. انفردت بنفسي وأنا أستطلع الأماكن المبرمجة اليوم، ولكن سرعان ما التف الفريق مجددًا حولي لاقتراح أخذ بعض الصور الجماعية. ضحكت وقلت لهم: “يا لحظي بهذا الفريق الذي لن يتكرر!”

 

غادرنا الفندق في هوي آن مع حقائبنا ومقتنياتنا من أسواق المدينة، ثم انطلقنا في مركبتنا ليوم حافل بالمغامرات المدهشة في أجزاء جديدة من هذا البلد العجيب. لم يكن من المنطقي مغادرة مدينة الأباطرة قبل زيارة ضريح الإمبراطور مينه مانج، أحد أعظم الأباطرة في تاريخ فيتنام. في الليلة الماضية، أصابني إحباط شديد وأنا أحاول جمع معلومات عنه وعن حقبته، لكني وجدت القليل من المعلومات المتاحة. لذلك، استمعت بعناية لرواية الدليل التاريخية، لأشارككم جزءًا منها.

 

ازدهرت فيتنام في عصر الإمبراطور مينه مانج، الذي كان يُلقب بـ “الإمبراطور التنين” بسبب اجتهاده وعمله الدؤوب من أجل الارتقاء بمستوى المعيشة. بفضله ازدهرت العمارة وأُوجدت أساليب جديدة في الزراعة، كما حرص على تطوير التعليم في فيتنام. المدهش في مينه مانج أنه كان ينزل بنفسه مع العمال ليُرمم ويُبني ويضع المخططات.

 

كان الإمبراطور رجلاً مثقفًا ونزيهًا، واتصف بالحكمة والعدل. ومن بين الأحداث التي يجب ذكرها، أنه اكتشف يومًا فساد والد إحدى أحب زوجاته، الذي أخذ رشوة لتسيير مصالح خاصة. غضب الإمبراطور غضبًا شديدًا ولم ينم لأيام، ورغم تألمه بسبب حزن زوجته، إلا أنه أجابها حين سألته الصفح عن والدها: “لا يمكن لميزان العدل أن يستقيم إن عفونا على المفسدين”، ثم أصدر حكم الإعدام على والدها.

 

مكان ضريح الإمبراطور مينه مانج مليء بالمخطوطات النادرة وأدواته الشخصية، مما أثرى الجولة وجعلها مميزة وغنية بالمعلومات الجديدة. بعد استراحة قصيرة، مضت بنا المركبة إلى عالم جديد. وكعادتي، وجدت موضوعًا جديدًا أغوص فيه أثناء الطريق، فبدأت أطرح أسئلتي على دليلنا تانغ وأكتب بعض النقاط المهمة.

 

في فيتنام يا أصدقاء، هناك أكثر من خمسين مجموعة تختلف في أصولها وعاداتها ولهجاتها وثقافاتها، ومنها الأقليات كالتاي التي تعرفنا عليها سابقًا في رحلتي إلى الريف الفيتنامي.

 

وبفضل السيد ألكسندر دي روديس، وهو مبعوث فرنسي إلى فيتنام في القرن التاسع عشر، تم تطوير الأبجدية اللاتينية لكتابة اللغة الفيتنامية. هذا التطوير سمح للغة الفيتنامية بالانفصال عن اللغة الصينية وقواعدها والاعتماد على نظام كتابة مستقل. أبجدية الفيتنام تشبه مثيلاتها من اللغات الأجنبية، ولكنها تختلف في التشكيل. المدهش هو أن كلمة واحدة يمكن أن تحمل معانٍ مختلفة، يفصل بينها النطق وحده بين مد ووقف لتحديد المعنى المقصود. توفي ألكسندر في الجزائر، مثل الكثير من العلماء والأباطرة الذين تم نفيهم أو حبسهم فيها لأنها كانت آنذاك مستعمرة فرنسية.

 

المناظر على طول الطريق إلى هوي آن كانت رائعة؛ فقد بدت الجبال الشاهقة وكأنها تغوص حرفيًا في بحر الصين الجنوبي. انزعج دليلنا السيد تانغ عندما سمع حديثنا عن البحر، فقال بلكنته الألمانية: “ليس بحر الصين، إنما بحر فيتنام.”

 

توقفنا لبعض الوقت في مدينة دا نانج المدهشة، التي تعتبر قطعة من الخيال، ثم استمرت بعدها الرحلة إلى أن وصلنا غايتنا هوي آن.

 

مرحبًا، أو سين شاو يا أصدقاء! اتركوا الآن أحلامكم تحلق بأجنحتها في هذا الفضاء الرائع. هنا عالم الرقة والجمال والمصابيح الملونة. هنا هوي آن الرومانسية.

 

بعد استراحة في الفندق الرائع، استكشفنا المدينة معًا. تجولنا على طول المنازل المنخفضة واندهشنا من مزيج التأثيرات الفيتنامية والصينية واليابانية. بعد ذلك، زرنا المبنى الصيني كوانج كونج وقاعة الجمعية الصينية والبيت القديم في تان كي والجسر الياباني الشهير. انتهت زياراتنا في المساء في واحة من الهدوء والجمال، ثم زرنا جمعية رائعة وبيت شاي خاص بإدماج ذوي الهمم في الحياة اليومية، حيث قضيت وقتًا ممتعًا ولطيفًا للغاية.

 

في المساء، وجدت نفسي أمام عالم مدهش ورائع، بين مراكب مضاءة تعبر برومانسية النهر، وآلاف الشموع التي تسبح خلفها. بين أفواج السياح القادمين من مختلف أقطار العالم، استمتعت بالقناديل الملونة التي تملأ كل ركن من المدينة، والمحلات الرائعة للأثواب والجلود وغيرها.

 

هوي آن، لقد عشقتك حقًا.

شارك