كنت أعتقد أنني أعرف معنى الألم حتى وصلت إلى هيروشيما، وكنت أعتقد أيضاً أنني أعرف معنى الأمل حتى وصلت إليها.. شعرت أن الدماء تسيل من قلبي إلى جانبي الطريق الطويل حيث ألقيت القنبلة وحتى بوابة متحف السلام الحزين.
هيروشيما، المدينة التي شهدت أكبر مأساة نووية في التاريخ البشري، تحمل في طياتها قصة حزينة لا تنسى. ففي صباح يوم 6 أغسطس 1945، تغيرت الحياة فيها إلى الأبد. أسقطت قنبلة نووية فوق المدينة، محدثة انفجاراً رهيباً وحرائق مدمرة. وخلال لحظات، تحولت هيروشيما من مدينة نابضة بالحياة إلى مشهد من الدمار والموت. أزهقت أرواح عشرات الآلاف في ثوانٍ، وجرح الكثيرون، بينما طالت آثار الإشعاع المميت الناجين، ما أدى إلى معاناة مستمرة لعقود.
قبل وصولي، انتظرت منظرا آخر للمدينة التي دُمرت كلياً، لكن المجتمع الياباني أوقعني رهينته مجدداً. فبعد كل ذلك الدمار، تجلت قوة الروح البشرية الطموحة، الروح التي لا تعرف المستحيل. لقد أعاد الناجون بناء حياتهم من الرماد وجعلوا المدينة تحفة مذهلة وجنة غناء، وأصبحوا بهذا رمزاً للصمود والأمل. وبهذا لم تعد مدينة هيروشيما اليوم فقط ذكرى لتلك اللحظة المأساوية، بل أيضاً شهادة على قدرة الإنسان على التعافي والنهوض.
في كل زاوية من هيروشيما، رأيت آثاراً للنهضة والتحول؛ من المؤسسات التعليمية التي تشجع على البحث العلمي والسلام، إلى الفنون والثقافة التي تزدهر في أرجاء المدينة، وكلها شواهد على أن الروح الإنسانية لا تُقهر.
بقيت لأيام متأثرة بجرح هيروشيما رغم بهاء المدينة ورقةِ ساكنيها. لكنني تفتحتُ كوردةِ الساكورا فورَ وصولي الى جزيرة مياجيما، حيث شعرت أن قواقعها تغني لي ولمحت غزلان الريمِ على مدخل الجزيرة وكأنها كانت عمراً في انتظاري.
جزيرة مياجيما، أو إيتسوكوشيما، تقع في بحر سيتو الداخلي في اليابان وتشتهر ببوابة “التوري” العائمة، أحد اهم مواقع التراث العالمي لليونسكو. الجزيرة معروفة بجمالها الطبيعي، وبالغزلان البرية المتجولة بحرية وألفة، وجبل ميسن الذي يوفر مناظر خلابة. تعتبر مياجيما وجهة سياحية مبهرة تجمع بين التراث الثقافي والطبيعة الساحرة.
وهكذا سحرتني الجزيرة وشعرت لوهلة أنني قد لمحت سيد القلم الياباني هاروكي موراكامي جالساً على ضفةِ بحر سيتو وهو غارق بين ضفاف رواياته وبجانبه ماتسو باشو يحيكُ وشاحَ إحدى قصائده. إذ لا يمكن لهذا المكان إلا أن يكون ملاذاً لمرهفي الحس ومناراتِ الأدب.
وشعرت أنني قد فقدت هنا الخيط الرقيق الذي كان يفصل طوال عمري بين الخيالِ والواقع .فوقفت أتفرج على سكان مخيلتي من أحلام ومشاعر وهي تفر مني إلىّ في مياجيما اليابان. و بعد أيام ساحرة غادرتها إلى حلم قديم طالما تمنيت تحقيقه، إلى كيوتو.
وصلت إلى كيوتو، العاصمة القديمة لليابان، والجوهرة الخفية التي تتلألأ في قلب الأرخبيل الياباني. هنا يا أصدقاء سحر الماضي وعبق التاريخ، حيث تتشابك تقاليد القرون الوسطى مع حداثة الحاضر. كيوتو، المعروفة أيضًا بـ “عاصمة الألف عام”، تعتبر واحدة من أكثر المدن تأثيرًا في تاريخ اليابان. تمتلك المدينة أكثر من 1600 معبد وضريح تاريخي، بما في ذلك معابدها الشهيرة مثل “كينكاكوجي” و “كيوميزوديرا” و “غيونكاكو”، التي تجذب الزوار بأسقفها الذهبية البراقة ومعمارها الجميل.
شعرت وأنا أتجول في كيوتو أن الأبواب تفتح أمامي على عوالم من الجمال والصفاء. وتفاجأت أن أهل كيوتو لا يعترفون بطوكيو عاصمة لليابان بل يصرون بكل أنفة وفخر إلى يومنا هذا أن مدينتهم كيوتو هي العاصمة الخالدة وأنها الرمز الأقوى للتراث والثقافة والجمال.
أما الحدائق اليابانية في كيوتو فهي دون غيرها من الحدائق اليابانية واحة الروح للهدوء والتأمل حيث انزويت في احداها وجلست أستمتع بلحظات طويلة من التأمل واستمتع بفنجان شاي الماتشا الرائع. كيوتو الساحرة هاهي أصواتك الساحرة قد أوصلتني اليك وهاهي معالمك تأخذني إلى تاريخك بشغف كبيرٍ. وبعد طولِ استمتاع يا اصدقاء وجدتني في أهم معقل ومتحف عالمي للنينجا والساموراي في قلب كيوتو وانسابت معلومات المرشد لتأخذني إلى أسرار وحكايا من الماضي وبداية الساموراي.
بالطبع، إليك نبذة عن الساموراي في النهاية:
الساموراي، كلمة تطلق على الفرسان اليابانيين القدامى، الذين كانوا رمزًا للشرف والشجاعة والولاء في التقاليد القديمة. وكانوا يتبعون رموز الساموراي والشيفرة الوطنية “بوشيدو”، التي تعني الطريقة الفضلى للمحارب. تمتعوا بمهارات عالية في فنون القتال، مثل فن السيف “كينجتو”، وكانوا يعبرون عن أخلاقياتهم وروحهم الفروسية من خلال حياتهم اليومية وفي المعارك. تاريخيًا، كان للساموراي دور بارز في السياسة والمجتمع في اليابان القديمة وحتى الفترة الحديثة المبكرة.