أسفار

من شيراكاواغو إلى حدائق نارا ثم عالم أوساكا العجيب

يوليو 12, 2024

من شيراكاواغو إلى حدائق نارا ثم عالم أوساكا العجيب

ما أجمل الريف وأهل الريف، إنهم اللآلئ الحقيقية وسط هذا العالم السريع والمزدحم. شعرت فور وصولي إلى قرية شيراكاواجو أنني قد دخلتإلى إحدى القصص الخيالية. كان منظر الأسقف الرائعة مميزًا، وحولها الينابيع الحارة في كل مكان، والكثير من الأشخاص اللطفاء.

تقع شيراكاواجو في منطقة جيفو، ورغم بعدها وانزوائه، فلقد أصبحت بفضل سكانها إحدى أشهر القرى عالميًا وأطلق عليها لقبقلب اليابان“. الأسلوب الفريد في بناءالمنازل والأسقف بالقش جعل من هذه القرية نموذجًا مثاليًافي الريف. كنت مستمتعة بالتجول في هذا المكان الرائع، حيث ملأ الهواء النقي الجبلي خلايا جسمي وعقلي على حد سواء.

شيراكاواجو هي موقع تراث عالمي لليونسكو وتبدو حرفيا من شدة جمالها وكأنها لوحة لإحدى الرسامين المهرة. تقع القرية التاريخية الهادئة في وادٍ نهري جميل في منطقة جيفو وسط اليابان. ويعود تاريخ شيراكاواجو إلى أكثر من 250 عامًا،وهي مشهورة بمنازلغاشوزوكوريالتقليدية، التي تتميز بأسقفها المثلثة العالية والمبنية من القش، وهي مصممة بهذا الشكل لتتحمل الثلوج الكثيفة التي تسقط في المنطقة خلال فصل الشتاء.

تطورت شيراكاواجو بشكل مستقل عن المجتمع اليابانيالأوسع، مما أدى إلى نشوء ثقافة وأسلوب حياة فريدين. ويعود الفضل في بقاء هذه المنازل الجميلة إلى التعاون الوثيق بين سكان القرية الذين يتعاونون في صيانة المنازل وترميمها. هذا الاتحاد والتعاون هما أبرز وأقوى السماتالتي عرفت بالقرية وسحبت اليها الزوار والمهتمين من جميعأنحاء العالم،. رأيت عن قرب كيف يعمل سكان القرية معًا فيجميع جوانب الحياة اليومية، وكيف يستقبلون الزوار بكثيرمن الترحيب الحار والمودة.

بعد قضائي وقتاً رائعاً في شيراكاواجو، حيث استمتعت بجمال الطبيعة الخلابة وروح الهدوء، قررت الانتقال إلى واحدة من الوجهات الثقافية الأكثر سحراً في اليابان، وهي مدينة نارا.

نارا تأسست كأول عاصمة دائمة لليابان في عام 710 ميلادي تحت اسمهيروكيو“. تقع نارا في منطقة كانساي باليابان، وتتميز بموقعها الجغرافي المركزي بين كيوتووأوساكا.

كانت تلك الفترة هامة جدا في تاريخ اليابان، حيث شهدت نمواً اقتصادياً وثقافياً ملحوظاً. وخلال فترة عاصمتها، تمتعت نارا بفترة من الازدهار الفني والثقافي، حيث تم بناء معابد ومبانٍ تعكس الروعة الفنية والمعمارية لتلك الحقبة. واحدة من أبرز هذه المعابد هو معبد تودايجي، الذي بُنيلاحتضان تمثال بوذا البرونزي الضخم، والذي يُعتبر إحدىعجائب العالم القديمة.

بعد ذلك، انتقل مركز الحكم في اليابان إلى مدينة كيوتو،ولكن نارا استمرت في الاحتفاظ بمكانتها كمركز ثقافيوديني هام، وتحافظ على معالمها التاريخية والثقافية كجزءمن تراثها الغني.

شخصياً، كان لدي انطباع قوي بجمال الطبيعة في نارا،حيث كانت حدائقها الهادئة وأشجارها الكثيفة مدعاة إلىالتأمل والهدوء. ولا يمكنني أن أنسى أبداً تفاعلي مع غزلانالريم الساحرة التي كانت تقترب مني بكل ألفة وسلام.

وبد أيام ساحرة ومليئة بالبهجة والسرور مضيت إلىأوساكا…

شعرت في أوساكا بالدوار والصداع الشديدين، وكأنني قددخلت فجأة إلى مدينة ألعاب صاخبة. واستغربت مناختلاف هذه المدينة عن المدن السابقة في اليابان، حيثافتقدت وسط المدينة الهدوء والطبع الهامس للمجتمعالياباني،

وبدلاً من ذلك، كانت الألوان فاقعة وكأن المدينة عبارة عنمهرجان شعبي، كان حولي وسط المدينة عشرات المطاعمالعجيبة التي تحاول استدراجي اليها، مثل مطاعم سمكالفوغو المعروف بسمه القاتل إذا لم يحضر بشكل صحيح.

وعرفت لاحقًا أنها المدينة المفضلة للصينيين والشرق آسيويينبشكل عام للتسوق والسياحة، حيث يأتون إليها عدة مراتفي العام.

أوساكا، هي ثالث أكبر مدينة في اليابان، تقع في منطقةكانساي على جزيرة هونشو. تعتبر أوساكا مركزًا اقتصاديًاهامًا وتتميز بتاريخها الغني وتأثيرها الثقافي البارز فياليابان.

ان اوساكا نقطة رئيسية للتجارة والصناعة والمال والتجارةالدولية، كما أنها تضم عددًا كبيرًا من الشركات الكبرىوالمنظمات الدولية. وتعتبر إلى جانب ذلك مركزًا للتكنولوجياوالابتكار في اليابان، حيث تستضيف العديد من المعارضوالفعاليات التقنية.

من ناحية اخرى ، تشتهر أوساكا بأنها مدينة ذات روححيوية ومرحة، حيث توجد العديد من مسارح الكابوكيوالبونراكو، والتي تعد أشكالًا تقليدية من الترفيه الياباني. كما تشتهر بمأكولاتها الشهيرة والمتنوعة، حيث تُعتبر واحدةمن أفضل الوجهات الغذائية في اليابان، وتضم مناطق مثلدوتونبوري التي تعد مركزًا للمطاعم والمتاجر والترفيه.

من بين المعالم السياحية الشهيرة في أوساكا، تبرز قلعةأوساكا التاريخية التي تعود إلى القرن السادس عشر،والتي تُعد واحدة من القلاع الأكثر شهرة في اليابان. كماتشمل المعالم الأخرى متنزه أوساكا الذي يعتبر مكانًا رائعًاللاسترخاء والتنزه، بالإضافة إلى عدد من المتاحف والمعارضالفنية والثقافية المتنوعة.

كانت تجربة اوساكا فريدة ومميزة رغم اختلافها عن باقيالمدن اليابانية.

وبعد عودتي من اليابان شعرت لوقت طويل، انني عاجزة عنتمييز الحد الفاصل بين رحلتي إلى اليابان وعودتي منها،ومازلت أجد صعوبة في التكيف مع الواقع بسبب العديد منالمقارنات التي تحدث رغماً عني.

على سبيل المثال، كنت جالسة مع عائلتي في أحد المطاعمالشهيرة بتقديم السوشي في مدينة الناظور. كان المطعمرائعًا، ومنظر البحر وأضواء المدينة في المساء يخطفانالأنفاس. لكنني شخصيًا لم أقتنع يومًا بتناول السوشي،رغم إغراءاته الكثيرة في اليابان والفيتنام. ولولا والدتيوللعجب الشديد، التي أصبح طبقها المفضل بعد تاريخ حافلبالبسطيلة والطاجين بأنواعه هو السوشي، لما ذهبت. وقفتأمامها مندهشة من حفظها لأسماء أطباق السوشيجميعها، فبدأت تشرح لي أن هذا الطبق المعنون G1 مكونهالأساسي السلمون النيء والسمسم المحمص، وهذا D2 المتبل بالخل والبهارات والوسابي، وغير ذلك.

وأمام هذا المنظر الحضاري العجيب، الذي جعل عقلي فيحالةError”، لم يكن أمامي سوى أن أتذكر إحدىأمسيات أوساكا الساحرة. كان ذلك العشاء الأخير قبلالرحيل، وشهدت فيه لأول مرة جدالًا وانفعالًا من السيدميامورا مع أحد المشرفين في المطعم التقليدي وسط المدينةالصاخبة. وعلمت فيما بعد أن وجبتي الخاصة كانت سببالجدال.

ومهما حاولت أن أشرح، فلن أتمكن من وصف الدقة والتفانيفي اهتمام هذا السيد وإشرافه على طعامي. لقد تبنىالموضوع بضمير وكأنه واجب حتمي عليه القيام به بكلإخلاص . فأنا لا أتناول إلا الطعام الحلال، وبالإضافة إلىذلك، أعاني من حساسية تجاه بعض المكونات. وللأسفالشديد، فإن اليابانيين يستخدمون كحول الأرز في معظمالأطعمة التي يحضرونها، لذلك كان إشراف السيد مياموراعلى هذا الجانب مهمًا جدًا في رحلتي.

في ذلك المساء، نسي المطعم تحضير عشاء خاص بي، لكنالسيد ميامورا تصرف كعادته بسرعة وذكاء، ليقدم لي طبقًارائعًا من أفضل أنواع السوشي المحضر بأفخر الأسماكالنيئة. ولم يكن السيد ميامورا يعلم أنني لا أتناول السوشي،ولا يمكن لأي قوة جوع أن تجعلني أتناول سمكًا نيئًا.

وأمام هذه الورطة، فقد بذلت قصارى جهدي للتظاهر بتناولالسوشي والاستمتاع به، حيث كنت أزيل السمك من لفافاتالأرز وأغطيها بصلصة الصويا لتناولها. لكن الأمر لم ينجح،فقد لاحظ السيد ميامورا اصطفاف قطع السمك علىضفاف الطبق، ليقضي المساء في اعتذارات لا متناهية،وليقوم مجددا باحضار طبق جديد من  السمك المطبوخ.

وقبل مغادرتنا، وجدت بطاقة اعتذار وهدية رقيقة. هذاالموقف، كغيره من مواقف كثيرة عشتها مع هذا الشعبالجميل، جعل أمر الرحيل أكثر صعوبة، وزاد من شوقيللعودة إلى اليابان.

شارك