أسفار

الوصول إلى طوكيو: بداية مغامرتي اليابانية

يونيو 28, 2024

الوصول إلى طوكيو: بداية مغامرتي اليابانية

يقول المثل الياباني “千里の道も一歩から” – “حتى الرحلة الطويلة تبدأ بخطوة.”

 

بعد رحلتي الروحية الأخيرة إلى فيتنام، لم يكن من السهل عليّ اختيار وجهة تنافس ما عشت وما رسخ من ذكريات في قلبي. وبعد استراحة طويلة، وجدت حلم طفولتي العظيم يلح عليّ بالاندفاع وخوض تجربة فريدة من جديد. وهكذا، يا أصدقاء، قررت السفر إلى عالم فنون القتال بدهشة الساموراي والنينجا، إلى خفايا زهور الساكورا وقصائد الهايكو الرقيقة، إلى سطور هاروكي موراكامي وثقافة فنون الشاي وعالم الأنيمي وجبل فوجي الشامخ. إلى جرح هيروشيما وسحر كيوتو وأضواء نارا والحياة التي لا تنام في طوكيو. لم أجد، يا أصدقاء، إلا كوكب اليابان الذي كان حلما وأمنية قديمة ليكون وجهتي الجديدة.

 

وهكذا، وجدتني بحقائبي وذاكرتي الشغوفة مجدداً في المطار، وكان الحماس أقوى من التعب وإجهاد الرحلة الطويلة مع الترانزيت في شنغهاي ثم الوصول إلى طوكيو. ومنذ اللحظات الأولى تناسيت تعبي وتملكني شعور جامح أنني قد وصلت إلى كوكبٍ جديد، إذ كل ما عشت ورأيت في طوكيو مذهل واستثنائي. وفوق ذلك، وجدتني قد وقعت منذ اللحظات الأولى أسيرة لطف الشعب الياباني الذي فاق جميع توقعاتي.

 

الفضول الخجول في عيونهم، تعاملهم الراقي واللطيف، وحرصهم على أدق التفاصيل. حديثهم الهامس، ثيابهم الرائعة، وجوههم القريبة من القلب، وطريقة حديثهم التي تشعر أيًّا كان بالأمان والمحبة والسلام. كل شيء فيهم، من صغيرهم إلى كبيرهم، رائع. ولو أنني جئت فقط لألاحظ وأتابع الإنسان الياباني وتعاملاته، فأنا أكيدة أنني سآخذ من الزاد معي الكثير.

 

لقد بدأت رحلتي في طوكيو، يا أصدقاء، المدينة المذهلة التي تجمع بين الحداثة والتاريخ العريق، وبكل حماس. وكما ذكرت أنني منذ اللحظة التي وطأت فيها قدمي أرض اليابان، شعرت بأنني دخلت إلى بلاد مميزة وأنها حتما ستؤثر في مشاعري وأفكاري منذ الخطوة الأولى.

 

طوكيو، العاصمة الحيوية لليابان، تقع على الساحل الشرقي للجزيرة الرئيسية هونشو. تأسست في الأصل كقرية صيد صغيرة تدعى إيدو، ثم نمت لتصبح مركزًا سياسيًا وثقافيًا بارزًا في البلاد. في عام 1868، عندما انتقل الإمبراطور ميجي إلى إيدو، تم تغيير اسم المدينة إلى طوكيو، والتي تعني “العاصمة الشرقية”.

 

وتعد طوكيو من أكبر المدن في العالم من حيث عدد السكان، حيث يبلغ تقدير عدد السكان فيها حوالي 14 مليون نسمة في المدينة نفسها، ويصل عدد السكان في المنطقة الكبرى إلى أكثر من 37 مليون نسمة. هذا ما يجعلها واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم.

 

وقد حرمني فرق التوقيت الطويل من النوم الهانئ في أولى أيامي، فكنت لا أترك فرصة ثمينة كهذه لأتسلل في الصباح الباكر واستكشف المدينة وهي في كامل رونقها الصباحي الهادئ. وانا يا أصدقاء  قد سبق لي وزرت بلدانًا آمنة، لكن أن يجتمع الأمان المطلق مع شعب يوقعني في حب أخلاقه، فهذا هو الجديد.

 

ورغم حجم طوكيو وموقعها، فقد شعرت أن الحياة سلسة وبسيطة وغير معقدة،  لقد وجدت التنقل سهلاً والتواصل مريحاً وكل شيء بالفعل يسير بوتيرة مريحة وغير معقدة. كما أن الزائر يجد ما يحتاج دون جهد وبحث فمثلاً، في كل زاوية من طوكيو، توجد محلات مفتوحة على مدار الساعة وبعضها حتى دون باعة، بحيث تأخذ حاجتك وتدفع عبر البطاقة ثم تغادر. وقد أخذتني أولى أيام الرحلة إلى برج طوكيو سكاي تري، ثاني أعلى مبنى في العالم.

 

كان شعور الوقوف على ارتفاع شاهق والنظر إلى امتداد طوكيو اللامتناهي مؤثراً وغامضاً. بعدها، وجدت نفسي أغوص في قلب المدينة العملاقة، بين أضوائها ومبانيها النابضة بالحياة وشوارعها الصاخبة. ثم انزويت إلى ضواحيها القديمة، وكأنما صرت شخصية خيالية في إحدى القصص أو الأساطير القديمة. كل زاوية هنا تروي قصة، وكل وجه يثير فيك الرغبة في معرفة المزيد والمزيد عن هذا الكوكب الرائع.

 

زرت ضريح ميجي-جينغو الواقع في حي شيبويا العصري. هذا الضريح مكرس لروح الإمبراطور الياباني الثاني والعشرين، وأعيد بناؤه بالكامل بعد تضرره في الحرب العالمية الثانية. بعدها، تجولت في الحدائق المحيطة، بأشجارها الشامخة وأزهارها المتناثرة، حاولت أن أتفهم هذا التناغم الغريب في المدينة بين جوانب خيالية ساحرة وأخرى عصرية ومجنونة. كيف تم هذا الترابط بكل انسياب وهدوء! صوت الرياح وهي تمر بين الأشجار كان يشبه همسًا رقيقًا للأجداد. سحرني كل شيء.

 

كثيراً ما كنت أستغل وجود اليابانيين في البلاد التي أزورها لأطلب منهم تصويري. إنهم المصورون الأفضل على الإطلاق، وزد على ذلك أنهم يأخذون طلب التصوير بمنتهى المسؤولية فيتفننون في تصويري من كل الزوايا وهذا، طبعاً، أحبُّ ما أحب وقد فزت بهذا بأروع مجموعات صور بفضل تصويرهم المميز.

 

السيد ناكازاكي، والد صديقتنا ماروكو الحبيبة، كان يقرب صحن الأرز أو المعكرونة ويلتهمه بعصيان الطعام بطريقة سريعة وعجيبة. وأنا الآن جالسة في مطعم تقليدي وسط طوكيو، وأسترق النظر إلى طريقة ناكازاكي وبعض اليابانيين يتناولون طعامهم أمامي، وأتذكر ماروكو والكثير من الشخصيات التي بصمت الطفولة وجعلتنا نحب اليابان قبل السفر إليها بكثير.

 

وغداً تستمر الرحلة…

شارك