Blog

حين تعود الذئاب… وينقلب الليل على فجره!

مارس 13, 2025

حين تعود الذئاب… وينقلب الليل على فجره!

إسراء الموافي


سوريا اليوم تقف على حافة منعطف مصيري جديد، بعد سنواتٍ من الثورة والجراح، بعد تضحيات لا تُحصى وشهداء سقطوا ليكتبوا بالدم معاني الحرية، ظنّ كثيرون أن الوطن قد بدأ رحلة التعافي، وأن شمس الأمل بدأت تتسلل من بين غيوم العذاب الكثيفة. إلا أن الذئاب لا تنام، ولا تنسى. الذئاب التي نهشت لحم هذا الوطن لعقود، ها هي تعود من ظلمات التاريخ، تسعى إلى الانقضاض على الحلم الوليد، تحاول أن تخنق صرخة الحرية وهي ما تزال تتهجّى أول حروفها.

 

ميليشيات الأسد، بقايا النظام الذي أسقطه الشعب بعد سنوات من الصمود الأسطوري، عادت تتحرك كالأشباح في عتمة الليل. ما زالت تعتقد أن الوطن مزرعة تركها لها آباؤها، وأن الشعب قطيع لا يستحق النور. وما حدث في الأيام القليلة الماضية كان أشبه بزلزالٍ كاد أن يعصف بكل ما بناه الثوار بدمائهم.

 

لقد تحركت تلك الميليشيات بدافع الحقد والحنين إلى زمن العبودية، فانقلبت على الحكومة الجديدة، حكومة الثوار التي خرجت من رحم الثورة، واختارها الشعب بعد أن تخلّص من الديكتاتور وأعوانه. ظن هؤلاء الفاسدون أن الفوضى ستمنحهم الفرصة ليستعيدوا السلطة، وأن الفساد سيتسلل مرة أخرى إلى جسد سوريا المنهك.

 

ولولا التدخل التركي الحاسم، الذي جاء في اللحظات الحرجة، لكانت راية الطغيان قد ارتفعت من جديد على أسوار دمشق، ولكانت الدماء قد سالت أنهارًا، لا تفرق بين طفل وشيخ، ولا بين من حمل السلاح أو من حَلِم فقط بوطن حرّ.

الجيش التركي، بتحركه السريع، أوقف الانقلابيين عند حدهم، وقطع يد الفتنة قبل أن تُحكم قبضتها على عنق الوطن. لا بد من الاعتراف هنا بأن الدور التركي، رغم كل الجدل حوله، كان هذه المرة فاصلاً بين السقوط والانتصار، بين النور والظلام.

لكن، هل المعركة انتهت؟

 

كلا، فالفاسدون لم يلقوا بعد سلاحهم، وما زالت خيوط الظلام تمتد كالأفعى في جسد سوريا. إنهم لا يريدون لهذا البلد أن ينهض، لأن قيام سوريا الحرة يعني سقوط مشاريعهم، ونهاية أحلامهم في السيطرة والنهب. أولئك الذين تربّوا في كنف الطغيان، ورضعوا الحقد من ثدي الاستبداد، لا يستطيعون أن يتنفسوا في وطنٍ حر، ولا يحتملون أن يروا شعبًا يرفع رأسه بعزة وكرامة.

 

وما كان لهذه المؤامرات أن تستمر، لولا الأيدي الخبيثة الممتدة من وراء البحار. أمريكا، التي طالما تغنت بالديمقراطية، لم تكن يومًا حليفًا للحرية في سوريا، بل كانت دائمًا الحاكم من خلف الستار، تشعل الحرائق متى شاءت، وتطفئها إذا اقتضت مصالحها. أمريكا، التي دعمت ثورات وجمّدت أخرى، لا تريد لسوريا أن تستقر، لأن سوريا القوية، الحرة، تعني اختلال موازين الشرق الأوسط، وتحرير إرادة شعوبه.

 

أما إسرائيل، فهي العدو القديم، الذي لا يرتوي من رؤية بلاد الشام تنزف، بل يبارك كل خيانة، ويدعم كل حركة من شأنها أن تبقي سوريا ضعيفة، مشلولة، لا تقوم لها قائمة. إنهم يخشون سوريا، ليس فقط كسلاح أو جيش، بل كفكرة؛ كأمة تستطيع أن تنهض من تحت الركام وتعيد للعرب مجدًا سُلب منهم منذ عقود.

 

وهكذا، يبدو المشهد السوري اليوم معقدًا، بين ثوار صادقين دفعوا أعمارهم ثمنًا للحرية، وميليشيات خائنة تسعى لاستعادة ملكٍ بائد، وقوى خارجية تتقاطع مصالحها عند إبقاء سوريا في حالة من الفوضى والضعف.

لكن السؤال الجوهري الآن: هل يستسلم السوريون؟

هل يُسمح لتلك الذئاب أن تعود فتنهش الحلم الذي روته دماء الأبطال؟

هل تُطفأ أنوار الحرية بعد أن أشرقت في عيون اليتامى، وتفتحت في صدور الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن على مذبح الكرامة؟

 

إن الإجابة تكتبها إرادة الشعوب، لا رغبة الطغاة. سوريا التي عرفت طعم الحرية، ولو للحظات، لا يمكن أن تعود إلى قفص العبودية من جديد. لأن الدماء التي سالت، والبيوت التي تهدمت، والقلوب التي انفطرت، لن تقبل أن تذهب سُدى.

الناس الذين خرجوا في درعا، وفي حمص، وفي حلب، وفي الغوطة، لم يفعلوا ذلك ليعود الأسد من جديد، بوجهٍ آخر، وبقبضة أشد. اليوم، المعركة الحقيقية هي معركة الوعي… معركة ألا يُخدع الناس من جديد بشعارات الكاذبين، وألا يسمحوا للفاسدين بأن يصنعوا لأنفسهم أقنعة جديدة. الحرية لا تأتي إلا بثمن، وثمنها غالٍ، ولكنها تستحق. وسوريا، وإن نزفت، ستبقى. وإن خانها القريب والبعيد، ستنهض. لأنها ليست أرضًا فقط، بل تاريخ، وهوية، وروح عصية على الانكسار.

 

فيا أبناء سوريا، لا تسلّموا الوطن لأولئك الذين باعوه من قبل، وها هم يحاولون بيعه مرة أخرى.

لا تتركوا دماء شهدائكم تذهب هباءً، ولا تسمحوا لليل أن يغتال فجركم.

لأن الشمس، وإن طالت الغيوم فوقها، لا بد أن تشرق. 

شارك

مقالات ذات صلة