مشيتُ شوارع كثيرة في منطقة تسمّى الرمال في مدينة غزّة وهو من أرقى أحياء المدينة، وحتّى أن محاله التجاريّة من أجملها، فتّشتُ كثيراً عن فستانٍ يليق بكرمل ووددتُ أن تغدو به باربي صغيرة، اشتريت هذا الفستان من محل مريم للأطفال وهو محل مشهور بجودة ثيابه، لكنني أمضيت ضعف الوقت وأنا أفتّش عن طوق مناسب ومقارب للون الفستان، واستغرقت وقتاً آخر وأنا أبحث عن حذاءٍ ملائم حتّى قادتني صديقتي هبة إلى أحد المحال وحصلنا على حذاء صغير في منتهى الروعة من محل اسمه الحدّاد، أتذكر أننا اخترنا لون الحذاء بصعوبة بما يلائم إحدى خرزات الفستان، لكنني كنت سعيدةً جدّاً بانتقائي كلّ شيء بتمامه، لأنني أعشقُ هذه التفاصيل الصغيرة في الأناقة، وأفرحُ وأنا أصنعها وإنْ كان خرزةً خرزةْ.
كانت مذهلةً به، جميلة كما تخيلتها حين ارتدته، إنني أحفظ خصورهن الرقيقة جيداً وأعرف كيف سيلتف الفستان عليهن، والأهمّ أنّها كانت باربي صغيرة كما تخيّلت. ليس متعباً أبداً أنني أرهق نفسي في شراء فستانٍ أنيق لك أو العثور على حذاء يليق، وليس متعباً أن أسير اليوم كلّه وأنا أبحث عن شيء يحبه ذوقي عليكِ، وليس متعباً أن أكرر عملية البحث عن فستان لكِ أياماً وأياما، وقد فعلتها، لكنّ المتعب هذا، ألا تعودي موجودة!
إنني أغمض عيوني إذا مررتُ من أمام محل للأطفال، توجعني الفساتين المعروضة، وتؤلمني حركة الريح على “دانتيلها” الزاهي، وتكسر قلبي بسطات الأطواق والمشابك الملونة الصغيرة التي يزهو بها شعركِ القصير.
هكذا مرّ عليّ عيد ميلادك في السادس عشر من مايو لهذا العام، مرّ ثقيلاً بلا كعكعة عيد ميلاد ولا شمعة ولا رقصة عفوية منك وأنت تنطّين بترنّح بيننا، لن يشكوك يامن لي مرّةً أخرى وهو يقول: ماما كرمل استولت على عصيري، وأنا أقول له لا بأس ماما إنّها صغيرة “معلش صغنونة”.
إلا أنّ كنان لم يكن أحد يعرف الطريق إلى حاجياته فهو يعرف جيّداً كيف يبتكر طرق تخبئتها حتى وإن كان داخل قماش وسادته، إنّه دائماً يدهشنا بإيجاده حلّاً لكلّ شيء، وعدم استسلامه لدلال كرمل.
لكنّ أوركيدا تقتسم معها كل شيء، حتى علبة “المناكير” الصغيرة، تضع على أظافرها ثم على أظافر كرمل، لذا فهما متصالحتان إلى حدّ الكمال.
في عيد ميلادك الثالث يا ماما؛ تبقين كرمل، وكراميلا وكرمولتي، وكل أسماء الدلع التي أبتكرها لك وأنت تتكوّرين في حضني يا حبيبتي، لكنني أحبّ من كلّ تلك الأسماء أن أناديكِ بأمّ أمّك. وأودّ أن أخبر يامن حبيبي أن يدعكِ في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الوقت وألا يؤلمه دلالك وأن يدع سيدنا إبراهيم يديركِ في الهواء أكثر من مرّة وأن تتلقفكِ الملائكة بين بعضها البعض وهي تلعب معكِ وأودّ لو أستطيع أن أخبره: “دعها يا ماما معلش كرمل صغنونة”.
وكل عامٍ وأنا أحبكِ أكثر، بل وكلّ يوم وكلّ ساعة وكلّ دقيقة، وتظلّين تكبرين في قلبي..