آراء

الأسد الصاعد يزأر سقوطا!

يونيو 24, 2025

الأسد الصاعد يزأر سقوطا!

هي لحظة الحسم وحبس الأنفاس، ترافقها ساعات من القلق والترقب وعيون ترصد توسع حلقة اللهب بالتزامن مع دبلوماسية متعثرة تحت النار، هكذا تبدو ملامح الشرق الأوسط ووجهه المرتعد مذ أنهى نتنياهو حقبة طويلة من حروب الظل مع إيران وركل كرة نار مباشرة وسدد ضربته المباغتة في مرماها النووي والعسكري.

زأر الأسد الصاعد مؤخرا في حديقة التوحش الإنساني واستدعى زئيره انتباه العالم وعلى رأسه الراعي الأمريكي إلى حدث عظيم وحرب جديدة فتحت أبواب جحيم جديد على المنطقة برمتها هذه المرة.


لكن زأرة الصعود كتسمية توراتية وعقائدية ابتكرها نتنياهو لم تصمد طويلا أمام الضربات الصاروخية الإيرانية التي أصابت الأسد نفسه إصابات بالغة، ما استدعى ضربة أمريكية منقذة تحت جنح الظلام ضد المنشآت النووية الإيرانية أبرزها منشأة فوردو، كرافعة لنتنياهو وخيار عسكري أعقب جوقة خداع كلامي ودبلوماسي متكرر عن تردد هنا وإعطاء مهلة هناك.

إجبار طهران على التخلي عن حقوقها النووية والإذعان اللامشروط على مستديرة التفاوض يتردد صداه بمزيد من الهجمات الصاروخية على تل أبيب وعموم الأراضي المحتلة والتوعد بردود كبيرة. في ما بدا أن العبارات التي أفلتت هنا وهناك بشأن ضرورة تقويض النظام حينا والتهديد باغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي حينا آخر أشبه بضرب من ضروب خيال نتنياهو وأحلام صديقه الأمريكي دونالد ترمب، أقله حتى الآن.

أكثر من أسبوع مضى على اندلاع الحرب، وهي المدة التي ظنت إسرائيل أنها ستتمكن عبرها من تحقيق معظم أهدافها، لكن الرياح عاكست سفن نتنياهو ودوي الصواريخ الثقيلة وصراخ المستوطنين طغى على زئير الأسد وضجيجه، وبرزت تساؤلات عدة على لسان محللين ونشطاء وسياسيين عن التورط الأمريكي وعما إذا كان نتنياهو قد درس العقل الإيراني بالفعل؟ وهل يملك الإسرائيليون أي فكرة عما تم توريطهم فيه؟ هل يعي نتنياهو حجم المأزق؟ وماذا في جعبة الخصم الإيراني من ردود ومفاجآت؟ وماذا لو أغرقت إيران الإسرائيليين بحرب استنزاف طويلة؟ أما أمريكيا، ماذا عن وضع القواعد العسكرية في الخليج وماذا عن مضيق هرمز؟ وكيف ستتعامل أمريكا مع تنفيذ التهديدات الإيرانية ضد مصالحها في الشرق الأوسط؟  وإلى أين تسير المنطقة بهذه المبارزة المصيرية؟


منذ الضربة الأولى في الثالث عشر من حزيران/ يونيو الجاري أثبتت القيادة الإيرانية قدرة عالية على استعادة زمام الأمور والسيطرة وتنظيم صفوفها عسكريا وسياسيا وأمنيا، وأوصلت رسالة تماسك تنظيمي وشعبي لا يمكن هزه بسهولة. انهالت الضربات الصاروخية على إسرائيل حابسة الملايين في الملاجئ، في ما فر الآلاف عبر البحر إلى قبرص مع شل حركة السفر وإغلاق مطار بن غوريون.

تلاحقت بيانات الاستنكار وارتعدت فرائس الدول في المنطقة والعالم وتصاعدت في الغرب التظاهرات المناهضة للحرب الإسرائيلية ولتوريط الأمريكيين بحرب جديدة، كما علت أصوات إسرائيلية تحذر من نفاد مخزون صواريخ الدفاع الجوي وإغراق إسرائيل بحرب استنزاف وهي التي لم تنته بعد من حربها في غزة وتداعيات حربها مع لبنان.

كذلك برزت مخاوف أمريكية وانقسام بشأن خطورة الضربة الأمريكية ومفاعيلها أمنيا وماليا واقتصاديا مع تهديد أطراف أخرى حليفة لإيران بالدخول إلى ساحة المواجهة.

تتوسع حلقة النار شيئا فشيئا، والعارف بالشأن الإيراني يدرك أن للجمهورية الإسلامية نظام مؤسساتي متشابك ومعقد وأن المساعي لضرب البرنامج النووي وإنهائه ليس إلا وهم يغالب الأعداء، ففي بلد يعج بآلاف العلماء النوويين والمراكز العلمية والبحثية يصبح الاختراق محدود النتائج، وترميم الأضرار والخسائر متاح وسريع إضافة الى أن العقيدة النووية والطموح العلمي لا حدود له في بلد واجه العقوبات والحصار على مدى عقود رافضا الإذعان.

أما هواجس اغتيال المرشد الأعلى إن حصل فلن يتعدى حدود إزاحة رجل تسعيني قاد إيران لعقود وأوصلها إلى تحقيق إنجازات كبرى سيقودها البديل المرشح لملء الفراغ القيادي في أي لحظة تماما كما حصل عندما توفي مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني عام تسعة وثمانين من القرن الماضي.


يقول الصحفي الأمريكي كريس هيدجز: “إن الحرب لا تبدأ حين تطلق القذائف، بل حين يسقط العقل”.

نتنياهو الذي يجيد الرقص على حبال الوقت والفرص يعيش نشوته ويظن أنه اقتنص نصرا تاريخيا بسيف أمريكي، لكن على الجانب الإيراني حديث آخر، فالفارسي الذي خاض حربه مع الروم أربعمئة عام والمستعد لقضاء سنوات في حياكة سجادة واحدة لديه من خطط النفس الطويل وتوجيه الضربات الاستراتيجية الكثير، في ما لا يملك نتنياهو حتى الساعة استراتيجية خروج واحدة من حروبه الشعواء، وبناء عليه، قد يزأر الأسد لكن ماذا لو كان زئيره سقوطا مدويا على يد حائك السجاد!

شارك

مقالات ذات صلة