مجتمع

عتب فلسطيني على سوريا المُنهكة وأبناء ثورتها

مايو 3, 2025

عتب فلسطيني على سوريا المُنهكة وأبناء ثورتها

-رند غادري


لم أكن أظن أن يأتي اليوم الذي أجد نفسي فيه مضطرة لأن أدافع عن موقفي تجاه فلسطين أمام أخٍ في الجرح. لكن الجملة التي قيلت، بكل وجعها، كانت أثقل من أن تمر مرور الكرام. تعليقاً على اعتقال الحكومة السورية الجديدة لقياديين من المقاومة الفلسطينية، قال لي صديق فلسطيني:
لا نطلب منكم أن تحرروا فلسطين، فقط لا تدعموا الاحتلال.”



جملة واحدة كانت كافية لأن تزلزل يقيني بلحظة واحدة: كيف أمكن للشك أن يبلغ هذا المبلغ بيننا؟ تسمرت في مكاني، لا لأنني كنت عاجزة عن الرد، بل لأنني شعرت بأن الرد نفسه سيكون خيانة لمشاعري الصادقة، وإساءة لرحلتي الطويلة تحت رايات الثورة والحرية.

أنا التي ما عرفت لنفسي مقاماً إلا بين المظلومين طيلة فترة الثورة السورية، ولا اخترت إلا طريق المقاومة على الظلم، أُتهم اليوم أنا وأبناء ثورتي بالصمت على الاحتلال بل ومناصرته؟ لو يعلم صديقي كم حملنا فلسطين في قلوبنا، تماماً كما حملنا سوريا وأكثر، لما قال ما قال.
لو يعلم أن سوريا، الخارجة لتوها من الحرب، المثقلة بالعقوبات، ليست حرة اليد والقرار، لما أنزل بها حكماً تعجز عن تحمله حتى الأوطان السليمة، ولما طالبها بما لا تملك، ولا حاسبها بمقاييس الدول المستقرة.



لكننا كذلك، نعلم أن السياسة مسرح معقّد لا يكفي لفهمه الغضب المستمر. السياسة ميدان تضارب المصالح، ودهاليز النفوذ، ومصائد التضليل. وما يبدو اليوم موقفاً رمادياً متخاذلاً قد يكون في عمقه خطوة مدروسة نحو بناء استقرار بلدٍ تحلم أن تعود لها قوتها.
واستذكروا صلح الحديبية الذي يبدو في ظاهره خضوعاً، لكن أعقبه أعظم الفتوحات، فتح مكة المكرمة.

نحن لا نبرر التخاذل، ولا نغفر الخيانة، ولكننا نحذر من السقوط في الأحكام المتسرعة التي تفتك بالعقل قبل أن تفتك بالقضية، وتشعل نار الفتنة بين الشعوب.



ليس عدلاً أن تُقاس سوريا المثخنة بالجراح بسواها من الدول التي ظفرت باستقرار سياسي واقتصادي لعدة عقود بسبب تطبيعها مع الاحتلال.



ليس من العدل أن تُقارن بلداً ينهشه الحصار والدمار بغيرها ممن استطاعوا، رغم الصعاب، أن يحافظوا على استقرار دولتهم وأركان مؤسساتهم على حساب القضية وحساب دماء أهلنا في غزة!



لا تزنوا وفاءنا بميزان السياسة العرجاء. نحن أبناء المعاناة، أبناء الخيبات الثقيلة التي تعرف صعوبة الطريق، وتعرف جيداً وجوه المتخاذلين.
أيعقل أن يتنكر لأهله من سبق أن نصر أهله وفتح دمشق؟ أيفعلها فعلاً رئيس سوريا الحالي ابن الجولان المحتل؟ لعلّ ما فعله كُرهاً يكون أصعب عليه وأثقل مما عليك يا صديقي وعلينا جميعاً.



تذكروا جيداً أن الحربَ ما هي إلا خدعة!
واستذكروا ما ردّده شهيدنا السنوار دائماً من أبيات أحمد شوقي وأكملوا بعده البيت الذي يليه:

وللحرية الحمراء بابٌ
بكل يدٍ مضرجةٍ يُدقُّ

جزاكم ذو الجلال بني دمشقٍ
وعزّ الشرق أوّله دمشقُ



دمشق منارة الشرق، فما قام عزّه إلا على سناها. وعبر تاريخ الفتوحات الإسلامية، لم تفتح ⁧‫دمشق⁩ إلا عقبها فتح القدس.

في النهاية، لم يؤلمني شك صديقي في ولائنا بقدر ما آلمني أن تمتد مسافة الاستياء الفلسطيني لتشمل قلوباً ما خانت يوماً، وأبت إلا أن تكون على العهد.



ولئن اختلطت علينا السبل يوماً، ولئن زلت الكلمات بيننا، فستبقى فلسطين أم القضايا وبوصلتنا الأبدية.. وسيبقى الحلم واحداً بأن يكرمنا الله بسجدةٍ في رحاب أقصانا المبارك كما سبق وأكرمنا بها في الجامع الأمويّ.

فلسطين لم تكن يوماً خارجنا حتى نعيدها إلى داخلنا، فلسطين شقيقة الروح من أجسادنا.

شارك

مقالات ذات صلة