محمد اليوسف
في أعقاب الهزائم والضربات المتتالية التي تلقاها الشعب السوري الثائر، والتي تُوجت أخيراً بالنصر وخلع النظام الأسدي الحاكم، ودحر قوات الأسد والميليشيات التي استجلبها من مختلف أصقاع الأرض، وبعد دخول السوريين أصحاب النفس الطويل والمقاتلين الذين واجهوا النظام وأعوانه على مدى سنوات وجيلَين إلى قصر الرئاسة الذي غدا قصر الشعب، ونظراً لتكرار المجازر التي يُراد لها أن تُنسى، لا بد من الانتباه إلى أن أولى وسائل طمس نضال الشعوب وإنكار تضحياتها ومظلوميتها هي التشكيك في سرديتها.
من هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى وجود أدب ثوري سوري يوثق رحلة الثورة، والمآسي، والمواجع، والتغريبة السورية من الصرخة الأولى وحتى النصر، وخلع النظام الأسدي، وتقلّد الثوار، القادمون من المدن وأريافها، من مناطق محاصَرة ظلماً، الحكم الذي حصره النظام في نفسه وأعوانه خدمةً وطاعة لشيطان سوريا الأكبر: بشار الأسد.
في هذا السياق، يمكن الاستفادة من تجارب سابقة، أبرزها تجربة أدب المقاومة الفلسطيني الذي نشأ بعد بدء الاحتلال واجتياح الغرباء القادمين من أصقاع الأرض، مدججين بالأحقاد والأطماع، ومدعومين بالمال والدين والسلاح والأساطير. هؤلاء الذين نفذوا النكبة الكبرى عام 1948، وخلفوا وراءهم مآسٍ ومجازر وإبادات جماعية في مختلف أنحاء الوطن.
لقد أنجبت النكبة كتاباً وكتباً خالدة. فقدّم الروائيون روايات يغلب عليها طابع المقاومة، تناولت مواضيع مثل الاحتلال، والتهجير، والعمليات الفدائية، والمقاومة الشعبية، وجعلوا من هذه القضايا أساساً لأعمالهم. كما أبدع الشعراء في كتابة قصائد خلدت فدائيات المقاومين وبطولاتهم رغم بساطة عتادهم، فترسخت هذه الأشعار في الذاكرة الوطنية، وأصبحت تُتلى وتُقرأ في الظروف المشابهة.
إن تأسيس أدب ثوري سوري ليس بالمستحيل، كما أنه ليس بالأمر السهل دون دعم ورعاية الهيئات المختصة بالثقافة والتوثيق والتأريخ. ومبدئياً، ما يحتاجه الشعب — وكل فرد فيه يحمل قصة بطولة وتضحية وفداء ونجاة — هو كتاب يكتبون مآسيه، ويسردون قصصه التي تعكس هذه القيم.
أما الكاتب، فكل ما يحتاجه هو البوح. لذا، يجب على كل من شهد حدثاً أو كان جزءاً من قصة أو عرف بمأساة في خضم الملحمة السورية الكبرى، أن يبوح بها لكاتب أو لجهة مختصة بجمع القصص وتوثيقها، تمهيداً لعرضها على الكتاب، والشعراء، والروائيين. ويمكن كذلك إنشاء منصة إلكترونية لجمع هذه القصص وتوثيقها.
ويجب على الكاتب، مهما كان مجاله الأدبي، أن يتخذ من شعبه وقضيته منطلقاً وأساساً في كتابته، وأن يبدأ بإنتاج أدبي يعكس ذلك. ولدعم وتشجيع الكُتاب والقراء على البوح والكتابة، يمكن إنشاء أندية ثقافية، وصلات أدبية، وتجمعات قراءة ترعاها جهات مختصة بهذا المشروع. وقد تتحول هذه المبادرات إلى مشاريع حقيقية إذا تبنتها مؤسسات رسمية كوزارة الثقافة، مثلاً.
لدينا تجارب سابقة، وإن كانت بسيطة، أثبتت أن الانطلاق ممكن، وقد يتحول الجهد الفردي إلى حراك جماعي يشجع الآخرين على البوح والكتابة. وهنا تبرز أهمية وجود أندية وغرف أدبية حوارية، قد تكون منطلقاً لكاتب أو لشخص يروي قصته أو قصة غيره.
البوح هو أداة أساسية في هذا المسار؛ فمن دونه، لا توجد قصة تُروى. لذا، يجب التشجيع عليه ومشاركته، وهو أمر مطلوب من الجميع. فكل سوري يملك قصة تستحق أن تُكتب وتُروى وتكون جزءاً من السردية السورية.
ولأن الشعوب هي من توثق تاريخها وملحمتها، لا بد لنا من توجهٍ نحو أدبٍ ثوريٍّ سوري. والمهم بعد طرح الفكرة هو التطبيق لمن يملك القدرة، وبمبادرة من الجهات المختصة، أو تلك التي تحظى بدعم يمكّنها من إطلاق مشروع كهذا.