أكثر من 1500 شهيد.. هل توقفت آثار الهجمات الكيميائية عند هذا الحد؟!
ثمانية سنوات مضت على الهجوم الكيميائي الذي استهدف مدينة خان شيخون واثنتا عشرة سنة على هجوم الغوطة، ومع كل ذكرى يتجدد السؤال: هل توقف كل شيء عند اللحظة التي صعدت فيها أرواح الضحايا؟ أم أن أثر الغاز امتد في الهواء والتربة والأجساد الناجية؟ منذ بداية الحرب السورية عام 2011 وحتى العام ،2017 أكدت التحقيقات المشتركة، التي أجرتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالتعاون مع الأمم المتحدة، وقوع 217 هجوماً كيميائياً موزعاً على أرياف دمشق وحلب وإدلب، جرت معظمها باستخدام غازي الكلور والسارين السامين، كما وثقت عدة منظمات طبية مستقلة وجود أدلة وآثار على استخدام غازات أخرى مثل الكبريت والخردل، كما وثقت التحقيقات بالتعاون مع مراكز توثيق مستقلة استشهاد أكثر من 1500 سوري إثر هذه الهجمات. استخدام الأسلحة الكيميائية محرم دولياً، لذا لا توجد دراسات كافية توثق تأثيره طويل الأمد على الناجين أو على المناطق المستهدفة، لكن المؤكد أن تأثيره في سوريا لم يتوقف عند عدد الضحايا حيث شهدت مناطق خان شيخون في إدلب والغوطة في دمشق بعد تعرضهما لهذه الهجمات حالات كثيرة لم تكن تلاحظ سابقاً، لولادة أطفال بلا أطراف أو مع أورام مختلفة، وحالات نقص في النمو، كما تصاعدت نسبة الإجهاض في غوطة دمشق بعد الهجمات بشكلٍ رهيب، حيث بلغت في معضمية الشام على سبيل المثال 45% مقابل 10% قبل وقوع الهجوم وفق تقرير علمي نشر في مجلة “ذا لانسيت” الطبية عام 2015. ويعتقد الأطباء اعتقاداً قويا بارتباط هذه الحالات -وغيرها من الحالات التي قد لا تكون معلنة- ارتباطاً مباشراً بتأثير الغازات السامة على الناجين من هذه الهجمات. وفي العام 2021 عبر أحد الأطباء في الجنوب التركي للمركز السوري للعدالة والمساءلة عن مخاوفه بشأن الارتفاع في أعداد المولودين بعيوب خلقية، الذين عالجهم مركزه منذ العام 2015، واشتبه في أن الزيادة الأخيرة قد تكون مرتبطة بتعرضهم للأسلحة الكيميائية. ومن جهته وثق المركز عدة حالات لأطفال من مناطق مختلفة عانوا من شلل وتشوهات خلقية ونقص في المناعة وكان آباؤهم من الضحايا المدنيين المصابين بضربات الغازات. إجراء الدراسات في بيئات الصراع يعد أمراً معقداً، لذا يصعب تأكيد ودراسة طبيعة العلاقة بين هذه التشوهات والهجمات الكيميائية. لكن سوريا ليست المكان الوحيد الذي تم فيه الإبلاغ عن حالات تشوهات بعد استخدام الأسلحة الكيميائية، حلبجة العراقية كانت واحد من الأماكن النادرة التي استُخدم فيها غاز السارين والخردل فيما يعرف بمذبحة حلبجة عام 1988، وأعقب هذا الاستخدام زيادة كبيرة في حالات العيوب والتشوهات الخلقية. من الجدير بالذكر أيضاً، أن نظام الأسد استخدم هذه الأسلحة بصورة ممنهجة ضد المدنيين بهدف ترويعهم وتهجيرهم من مناطقهم، وهو ما أثبتته دراسة قامت بنشرها في العام 2018 مجلة “كونفليكت أند هيلث” المتخصصة في دراسات تأثير النزاع المسلح على الصحة العمومية، وخلصت الدراسة إلى أن ما يزيد عن 97% من الضحايا هم من المدنيين، بينما بلغت نسبة العسكريين أقل من 2%، كما تفاوتت نسبة الأطفال والنساء والرجال بين الضحايا المدنيين بشكل كبير، بحسب مناطق الاستهداف. حيث بلغ عدد الهجمات 217 هجوماً موزعاً على مناطق واسعة على امتداد الجغرافية السورية، شملت مساحات من أرياف إدلب وحلب ودمشق والرقة ومناطق أخرى. وذهبت الدراسة الى أن هذا التفاوت يدل على استخدام ممنهج يهدف إلى إصابة المدنيين دوناً عن غيرهم ودفعهم نحو الهجرة وهو ما يدفعنا للتساؤل حول إمكانية وجود المئات من الحالات غير المعلنة التي تعيش تحت تأثير هذه الهجمات حتى اليوم، كما أن غياب الدراسات الكافية يجعلنا نتساءل حول إمكانية استمرار وانتقال آثار هذه الهجمات إلى الأجيال الأخرى. مع ثبوت استخدام هذه الأسلحة على رقعة واسعة من البلاد، يبدو أننا بتنا بحاجة ملحة إلى دراسة الأثر طويل المدى لاستخدام الأسلحة الكيميائية ومدى تأثيره على الجيل القادم من السوريين، كما ينبغي تسهيل عمل الباحثين ودعمهم في مهمتهم، حيث يشكل التعافي من آثار هذه الأسلحة المُدمرة خطوة مهمة في تعافي سوريا ودفعها نحو الاستقرار.