مقالات سوريا
أحمد الحجيلي
كثيراً ما نسمع عن قصص يشيب لها الولدان، وتشمئز منها الأبدان، لقصص تروي في طياتها أوجاع وآلام تعيشها المرأة في العالم، وسوريا خاصًة في ظل النظام البائد، من واقع معيشي مرير فيه ظلم واستبداد واستغلال وتهميش متعمد وممنهج لدورها، وعلى كافة الأصعدة بدءاً من منزلها إلى أعلى مراكز السلطة والقرار. هذا التهميش العالمي للمرأة، حتى وإن ادعى غربياً التغلب عليه وتجاوزه، ظل موجوداً ويظهر في لحظة ما، ليبرهن أن المرأة في العالم كله تعيش نفس معاناة نظيرتها السورية، مهما سُنّت قوانين تحميها أو سلطات تدافع عنها، حيث إن النظرة الاجتماعية لها هي ذاتها مع اختلاف مستواها على الصعيد العالمي، وفي حال قمنا بتمحيص هذه النظرة، سنصل إلى ذات النتيجة مع اختلاف درجة التمحيص.
لزاماً أن نُحيي تحية إجلال لهذه المرأة المكافحة التي تجرعت لأكثر من نصف قرن مرارة الصراع النفسي المستمر الذي أنتهجه نظام الأسدين، الأب العار والابن الفار، وذاقت معهما كل مراحل الخوف والترقب والأمل ثم الحسرة والانكسار. ورغم ذلك، هي بدورها ناضلت في سبيل تحقيق حريتها وصون كرامتها وعفتها، في مشاركتها في الثورة السورية المباركة في كل مراحلها، والتي دفعت فيها أضعافاً مضاعفة، إذ كانت اللبنة الأساسية التي انتصرت عليها ثورة الأحرار، وعلا علمها الأخضر في ساحة الأمويين ليذكر بأن للحرية غصناً وعشاً لا يُنال إلا بنضال وجلادة أبطال. الدور الجلي للمرأة ظهر منذ بداية الثورة السورية، إذ كان للمرأة مشاركة فاعلة في الثورة السورية منذ انطلاقتها؛ هذه المشاركة هزت الصورة والدعاية التي كان يروج لها النظام البائد، والتي كان يتغنى بها مستخدماً “أسماء الأسد” كمثال للمرأة السورية العصرية، حيث كان يحاول أن يسوق بها صورته للعالم.
من ضمن المشاركين في هذه الاحتجاجات:
1. المرأة المجهولة، تلك التي شاركت بألمها وصبرها وعزمها وحتى دموعها. وعانت من الحصار والتجويع والتشريد والترهيب وحتى الاغتصاب، وفي هذه الثورة دفعت كل غالٍ وثمين من أجل تحقيق العدالة، والكرامة لذاتها، ولأسرتها، ولشعبها. وفي يوم المرأة العالمي، الذي خصص للسورية ليحتفل فيه العالم، وجب تكريمها لتضحياتها على مدار أربعة عشر عاماً من عمر الثورة، وأربعين قبلها من عمر نظام قليل المروءة.
بعد النصر وسقوط الأسد والإطاحة بنظامه التي تعتبر نقطة مفصلية في تاريخ سوريا، يبرز في هذه المرحلة الدور الكبير الذي يجب أن تقوم به المرأة، والذي يتطلب جهوداً سياسية وتشريعية واجتماعية، تقف يداً بيد لبناء بيئة نفسية آمنة لكائن بشري عاش نصف قرن مسحوقاً ومُغَيَّباً، ويمارس عليه الوصاية وأقذر أنواع الاعتداءات. وإلى حين سنّ القوانين الضامنة لحقوق المواطنين بما فيهم المرأة، من الواجب على المجتمع أولاً عدم وضع الضحية موضع الجلاد، والاعتراف بها كضحية عانت معاناة غيرها من أفراد، وبالأخص المسجونات اللواتي تعرضن للاغتصاب. هناك واجب أخلاقي واجتماعي يجب منحه لهن وتكريمهن؛ إذ لا ذنب لهن لا في الدنيا ولا في الآخرة في أي اعتداء تعرضن له في السجن، مهما كانت نتائجه. والحقيقة أن هذه الثورة انتصرت بدموعهن ودعائهن الذي يفوق قوة أصوات البنادق أو دخان المدافع.
يحق لهذه المرأة أن تكرم وتلقى أجمل الأهازيج، ويجب على نساء العالم أن يرفعْن تحية إجلال للمرأة السورية التي معاناتها تفوق معاناة أي امرأة في العالم، على الرغم من أن معاناتها كانت جزءاً من النضال العالمي للمرأة لتحقيق العدالة والإنصاف. ويجب أن يستثنى للمرأة السورية يوم، كرد اعتبار لما عانته طوال نصف قرن، وباستعراض أمثلة بسيطة من قائمة التضحيات التي تطول، يتضح ما عانته النساء من وحشية هذا النظام البائد ورعونته في طريقة تعامله معهن ومع معاناتهن، ويتضح ذلك من السجون والمعتقلات إلى التعذيب وغيرها من الأساليب التي أنتهجها نظام الأسدين العار والفار.