آراء

رمضان المسلمين برعاية بنادق الفتنة!

مارس 18, 2025

رمضان المسلمين برعاية بنادق الفتنة!

كأنما الهدوء أضل طريقه إلينا، والصوم في شرقنا الأوسط حلبة صراع تهتز حبالها دونما توقف، اللكمة تلو الأخرى في عراك مجنون لا غروب فيه لالتقاط الأنفاس، وما من مؤذن يكبر منذرا بفجر الإمساك عن التناحر والتقاتل، وها نحن أمة تستدل بهلال الفتنة على درب من يخطون لنا طريقا نحو المجهول ويدسون لنا مستقبلا مسموما على موائد طموحاتهم وأطماعهم الاستعمارية، يستثمرون في ضعفنا وفراغنا، يدفعون مهر أرضنا وعرضنا من جيوبنا، ونحن نسير كقطعان هوجاء لا سبيل لها إلى ضفة الأمان بعدما ضحت بموروثها الديني والفكري وثروتها العلمية والثقافية ورمت عوامل وحدتها وعناصر قوتها في سلة الحاضر المشؤوم وجلست ذات إفطار تتقاسم وتتنازع خبزها اليابس والمفتت.


أحكم العدو قبضته على رقابنا مذ أعلنا طلاقنا مع الأمة الواحدة، وأضاع العرب بوصلة القتال فجنحوا إلى الاقتتال، ينبشون من التاريخ دمويته ويستحضرون عصبية مقيتة تشعل الأحقاد ونزعات الثأر وتبيح دم الطائفة والمذهب والدين.

صوب أهل السلاح بنادقهم ضد أخوة لهم فوقعوا معا في شباك الفتن والأحقاد، وقرعت طبول المعركة وألقيت خطب النفير والثأر، ممن؟ من بعضنا البعض، من أبناء الحي والقرية والزقاق، حيث احتدم العراك وعلت الصيحات بين أسوار الوطن، والعدو على بعد أمتار يطأ أرضه الموعودة كما يؤمن، ويأكل مبتسما منتشيا على توقيت موتنا وتقاتلنا.


أحاطتنا الفتنة بنارها، وها هي تمتد وتستعر ليس في زواريب المتحاربين وحسب، بل على الشاشات والمنصات والصفحات، في المقالات والتعليقات والبرامج والمسلسلات وفي كل مكان نجحوا من خلاله في إيقاعنا بكمائن التعصب والطائفية ورسموا لنا حدودا وحواجز تفرق وتقسم، في شامنا وعراقنا وأشقاء آخرون تتسع المسافات، وينتصب العداء شامخا وتلتئم الموائد على دوي رصاص يعلو كل مدافع الإفطار.


انشقت الأمة عن بعضها، تباعدت وتمايزت إلى حد القطيعة، ولم يعد كتاب الله ونبيه كفيلان بصمود الحد الأدنى من المفاهيم والعقائد المشتركة، أصبح شرقنا أشبه بصورة نمطية عن بحر من الجثث والدماء والفوضى، وعن تاريخ يقتتل أهله على أمجاده، بل يبرمون عقود بيعه في مناقصة علنية للتزييف والتضليل ونسف الحقائق الجامعة، ثم تقع تلك المفارقة العجيبة والمخيفة، اليهود مختلفو النشأة في أراض متباعدة وثقافات متعارضة جاء بهم الغرب إلى فلسطين فاغتصبوا حقها وتوحدوا على ربوعها وصاروا شعبا موحدا لوطن واحد لم يكن يوما لهم.


في ما نتناحر نحن المسلمون داخل الوطن على الوطن وعلى الدين والمذهب والفرقة والملة حتى أصبحنا شعوبا شتى لا هوية لها ولا حبل سرة يربط بين قبائلها وعائلاتها وجماعاتها.


متى نقاتل عدونا المشترك؟ متى نقيم مهرجان وحدتنا وتنغمس أقلامنا في حبر انتصاراتنا وتحررنا؟ متى تكتمل القصيدة العربية وتنطلق سيمفونية ازدهارها ورخائها؟ متى تسكب عيون الأمهات دموع الفرح لا الألم؟ متى نصبح تلك الشعوب التي تنتفض وتثور وتتوقف عن شراء ذلها؟ متى نقف بوجه من يسطون على منابرنا ويبثون تفرقتنا ويلقنوننا فروض الطاعة ويستدلون بالمزور والمحرف والمدسوس لاختراق عقولنا وزرع الكراهية والبغضاء في نفوسنا؟ متى نصبح أمة تقرأ وتتدبر قرآنها وتعاليم نبيها في نشر المحبة والتعايش والتسامح والترفع عن الصغائر؟ متى نصبح أعضاء بجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد كما أخبرنا نبينا؟ طالما تمردنا ناضلنا استشهدنا، لكن وللأسف اخترقنا حد ترويضنا على الخضوع، وحتى أصبح سقف ثورتنا عبارة” حسبنا الله ونعم الوكيل”.


وما بقي في قاعنا من رواسب الثورة وظفناه ضد بعضنا البعض بإيعاز ممن يرتوي من نهر دمائنا. كأنما اعتقلنا من المحيط إلى الخليج، ووضعنا في قفص النزاعات حين أسقطت مشتركات الدم والمسار والمصير وتصدرت أيامنا مفردات التحريض والتكفير حتى بلغنا رتبة التوحش بدل التعاضد، وبارك كثير من علمائنا الحدث وشرعوه بفتاوى اجتهدوا بها ذات ليل قاتم، فيما جرى تدجين الإعلام لإذكاء النار والتهليل لمن ينهش بلحم الآخر ولجهات تقدم نموذجا غير مسبوق بالهمجية.


تجمد جميعنا في الماضي واحتمينا خلف متاريس الكراهية والحقد والجهل، نحن الذين إن لم يقتلنا عدونا نقتل بعضنا البعض، لم نعد أشداء على الكفار رحماء فيما بيننا ولم نعد نكتب عن سماء الضياع العربي بل هبطنا نزولا إلى وحل تخبطنا السني والشيعي والعلوي والدرزي …إلخ، وفيما ينتزع عدونا الإقليم تلو الإقليم والأرض تلو الأرض نقف نحن في طابور النهايات أسرى غرائزنا وحقدنا نحصد خسائرنا ونسجل تاريخا جديدا من التراجع والانكسار بانتظار معجزة توقظ إنسانيتنا، وفجر ترفع فيه مآذن الانتماء لله الواحد وعلى توقيته نعلن إمساكية إلقاء السلاح صائمين عن الذبح والقتل مفطرين على موائد الحب والخير!.

شارك

مقالات ذات صلة