آراء

عودة داعش.. استغلال الفوضى لإعادة التموضع

مارس 12, 2025

عودة داعش.. استغلال الفوضى لإعادة التموضع

تواجه الحكومة السورية في دمشق عدّة تحديات حقيقية على مستوى الأمن، سيّما وأن انهيار صفوف النظام وترك عناصره قواعدهم ونقاطهم هرباً من غرفة عمليات الإدارة العسكرية، جعل السلاح مشاعاً بين يدي كثير من السوريين وعناصر الكيانات المسلحة والمحليين العاملين في تجارة السلاح، يُضاف إلى ذلك وجود مناطق ما تزال خارج السيطرة التامة للحكومة السورية. عدم وجود قوى كافية من الجيش والأمن العام لبسط الأمن على كامل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، والتوتر الحاصل بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية قسد التي تسيطر على مساحات واسعة من شرق سوريا. كل هذه العوامل تُمثل فرصة لن تتكرر في الوقت القريب لدى بعض القوى التي ليس من مصلحتها الاستقرار في سوريا، أو ليست راضية عن وجود قادة هيئة تحرير الشام سابقاً في القصر الرئاسي بدمشق.


تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يُعرف اختصاراً بـداعش، هو من القوى الي يمكنها استغلال هذه الظروف الأمنية، وذلك في سبيل إعادة ترتيب صفوفه وإعادة ترميم نقص الذخيرة الموجود لديه، والانفكاك من حالة ضيق الجغرافيا التي كان يُعاني منها قبيل سقوط نظام الأسد، مما يجعل متابعة تحركات وتكتيكات التنظيم الحالية، ومواجهة خطره المستقبلي إحدى الأولويات الرئيسية لدى حكومة دمشق.


الجغرافيا مفتوحة 


قبل سقوط النظام، كانت خلايا تنظيم داعش تُعاني من ضيق جغرافي وأمني كبير، فهي كانت محاربة في مناطق نفوذ الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، فضلاً عن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري، وتنقّل عناصر الخلايا بين تلك المناطق كان عبر مهربين وبتكلفة عالية جداً، خصوصاً أن المرور من منطقة نفوذ قوّة ما إلى منطقة أخرى هو أمر مكلف جداً ومحفوف بالمخاطر على مستوى نقل الأفراد (وستكون خطورته وتكلفته أكبر على مستوى نقل السلاح)، وبحسب المعلومات فإن خلايا داعش قبل الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي كانت خططها نقل الأفراد وتغيير عناصر الخلايا للحفاظ على سلامة العناصر من الانكشاف أو الاعتقال. 


لكن مع سقوط النظام وتوحّد غالبية الجغرافيا السورية، أصبح لدى تنظيم داعش مرونة في الحركة والتنقل بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، دون خوف أو حواجز تفتيش، وهو أمر التقطه التنظيم مُسرعاً وبدأ بعمليات تجميع ونقل العناصر نحو البادية السورية، كونها مساحته الآمنة وكون التنظيم قد ترك فيها كثيراً من السلاحة بمخابئ في الصحراء. تُشير المعطيات إلى أن التنظيم نقل العشرات من المقاتلين من مناطق متفرقة في سوريا نحو البادية السورية، وأن إحدى خططه المرحلية اليوم هي إعادة التموضع وزيادة النفوذ في منطقة يراها ملاذاً جغرافيّاً يصعب السيطرة عليه في الوقت القريب، في ظل وجود حكومة انتقالية لديها أولويات كثيرة على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي. 


كما أن التنظيم يتعامل مع البادية السورية كنقطة ارتكاز استراتيجية كونها قريبة من الحدود السورية العراقية، وهو ما يسهل عليه التنسيق وطلب الدعم من الخلايا التابعة له في العراق على مستوى الأفراد والسلاح، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن التنظيم لم يتوقف عن عمليات التهريب بين سوريا والعراق منذ إعلانه “الدولة الإسلامية في العراق والشام” عام 2014، وإن كانت عمليات التهريب هذه مرّت بانتكاسات وتوقف مؤقت عبر السنوات العشر الماضية، إلا أنها لم تتوقف بشكل نهائي. 


كما لا يخفى على السوريين كميات السلاح المنفلت اليوم بيد المدنيين أو تجار الأسلحة بعد انهيار عناصر النظام وتركهم للأسلحة في نقاطهم ومراكزهم والهروب خوفاً من أفواج عناصر معركة ردع العدوان. وبحسب المعلومات فإن عناصر خلايا داعش باتوا يبحثون عن بائعين محتملين لهذه الأسلحة، سيّما وأن أسعار السلاح ليست عالية وسط خوف المدنيين أو التجار من مداهمات أو إخباريات للحكومة المؤقتة عن امتلاكهم أسلحة مسروقة من قطعات النظام السابق العسكرية، وهذا واقع يدفعهم نحو بيع ما لديهم بسرعة، وبأسعار ليست عالية؛ تنظيم داعش لن يوفّر هذه الفرصة الذهبية لديه، وسيحاول شراء ما أمكنه على أمل إعادة بناء قوة جديدة تحقق له حلمه المتبخّر ببناء “دولة إسلامية” للمرة الثانية. 


بانتظار الفوضى 


لطالما استفاد تنظيم داعش، عقب انهيار دولته المزعومة في سوريا، من الفوضى لتعزيز قوته أو إعادة تموضعه، وهو أمر يمكن للمتابعين رؤيته بالنظر إلى تحركات داعش خلال فترة الاقتتال بين قسد وجيش العشائر الذي تشكل بعد اعتقال قسد لقائد مجلس دير الزور العسكري، أبو خولة، في شهر آب عام 2023، حيث بدأت خلايا داعش التنقل من مناطق قسد إلى مناطق النظام وبالعكس، فضلاً عن مهاجمة بعض عناصر جيش العشائر أو قسد والسيطرة على أسلحتهم الفردية. 


ومن العوامل التي ينظر إليها تنظيم داعش بإيجابية في الوقت الراهن هي الأجواء المتوترة في سوريا بين الحكومة السورية وبين بعض أجنحة قسد،التي يمكن ألا يُرضيها التقارب والاتفاق مع حكومة دمشق، الاشتباكات في منطقة الساحل، وعدم الرضا لدى بعض مكونات السويداء العسكرية عن أي تقارب كبير مع دمشق ورغبتها بالحفاظ على قوة ذاتية داخل السويداء، إضافة إلى الأفق غير الواضح لعمليات الدمج بين المؤسسة العسكرية الرسمية وفصائل الجنوب. حيث ينتظر التنظيم، كعادته، أي تصعيد محتمل واقتتال مستقبلي لتكون نقطة تحول في مسيرته، لأن الفوضى تجعل القوى تخفف من اهتمامها في محاربة التنظيم لصالح تحقيق أهدافها العسكرية، وتُشير المعطيات إلى سرديات بين عناصر التنظيم عن حالة ترقّب وتخطيط لمرحلة الفوضى الممكنة في حال تطورت ديناميكيات الخلاف بين الحكومة السورية المؤقتة والمكونات الأخرى.


الغضب كمفاتح للتجنيد


خلال السنوات القليلة الماضية، حاولت خلايا داعش العمل على خلق بيئة طاردة للقوى المسيطرة في سوريا وذلك في سبيل خلق حالة من الغضب الشعبي يتبعه محاولة تجنيد الغاضبين للعمل مع التنظيم، ففي مناطق هيئة تحرير الشام استخدم داعش سرديات كثيرة ضد الهيئة، من قبيل وجود تعاون بينها وبين التحالف الدولي، وانصياع الهيئة للضغوط التركية مقابل تحسين العلاقات مع النظام وتسليمه مناطق جديدة في إدلب، وأن الهيئة لا تحكم بالشريعة وإنما تحكم وفق منطق لا ديني يهدف إلى السيطرة والتفرد بالسلطة، إضافة إلى محاولة داعش تجنيد عناصر الهيئة المتشددين أو عناصر التنظيمات التي كانت الهيئة تضيّق عليهم الخناق كـ(حراس الدين) و(أنصار التوحيد) وغيرهم. المخيمات أيضاً كان لها نصيب من محاولات داعش في استغلال فقر الناس لتجنيد المقاتلين مقابل المال. سرديات مشابهة استخدمها التنظيم في مناطق الجيش الوطني أيضاً، لكن هذه المحاولات لم تنجح بشكل ملحوظ مع التنظيم لسببين: الأول الرفض الشعبي للتنظيم وفكره المتشدد، والثاني ملاحقة الهيئة والجيش الوطني لخلايا التنظيم واعتقال أي عنصر داخل صفوفهم أو صفوف الفصائل الأخرى ممن يتعاون مع داعش، فالعشرات من عناصر (حراس الدين) اعتُقلوا في إدلب بتهمة التعاون أو العمل مع التنظيم.


في مناطق قسد استخدم التنظيم سردية احتلال “الغرب الكافر” وقسد للمناطق السورية، وأنهم “يحاربون الإسلام”، كما استخدم سردية الظلم في السجون وممارسة القمع بحق “رجال الخلافة” في السجون و”الأخوات” في المخيمات، وذلك من أجل خلق بيئة معادية تشوبها النظرة المتشددة على حساب النظرة الوطنية لتسهيل عميات التجنيد لصالحه. أما في مناطق النظام فلم يكن صعباً على داعش ابتكار سرديات على اعتبار سردية “الشيعة/إيران/العلوية” كانت جاهزة. 


هذه التكتيكات جميعها ليس من المتوقع أن تختفي بعد سقوط النظام، بل من المتوقع أن يقوم التنظيم بتطويرها خصوصاً مع انفتاح الحكومة السورية على المجتمع الدولي، وقيادتهم للتغيير في سوريا بالتنسيق مع الدول العربية والغرب، إضافة إلى الأنباء عن تنسيق تركي وأميركي مع دمشق لمواجهة الإرهاب في سوريا، والتقدم الإسرائيلي في الجنوب السوري، كل هذه التطورات قد لا تكون مُرضيةً لبعض عناصر الهيئة أو التنظيمات المتشددة، ووجبة جديدة جاهزة بيد داعش للاستغلال. 


تحالف سوري عربي إقليمي؟ 


الأخطار السابقة تُدركها الإدارة الجديدة في دمشق، ووفق المعلومات فإنها تعمل بشكل وثيق على وضع خطط لمواجهتها، إلا أن مقدّرات الحكومة السورية اليوم غير كافية، وسط عوامل تهديد أمني عديدة على الجغرافيا السورية، ما يجعل من التكاتف الاجتماعي والسياسي والعسكري ضرورة لإرساء الاستقرار في سوريا، كما أن تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب يتضمن سوريا، ودول الخليج العربي، وتركيا، والعراق، والأردن، ولبنان أمر جيد، ومفتاح بيد الحكومة السورية نحو ضمان مستقبل سوري آمن باشتراك عربي-إقليمي-دولي، وخطوة إيجابية نحو طمأنة المجتمع الدولي تُمهّدُ لانسحاب قواته من سوريا والموجودة تحت عنوان “محاربة داعش”.  

 

شارك

مقالات ذات صلة