Blog

التلاعب بالمصطلحات: كيف يُوظّف الاحتلال اللغة لخداع العالم؟

فبراير 17, 2025

التلاعب بالمصطلحات: كيف يُوظّف الاحتلال اللغة لخداع العالم؟

للكاتبة: وردة


للكلمات مضمون، ولها مآلات عدّة، ظاهرة وخفيّة، وبواسطة هذه المآلات تستطيع أن تُحارب؛ فتنتصر أو تنهزم. لقد تنبّه اليهود إلى هذا السلاح، فاستخدموا قدرة التلاعب بالكلمات لخدمة مصالحهم، فحرّفوا التوراة، الدين الذي جاء به نبيّ الله موسى عليه السلام، فمن البديهي أن يغيّروا ما دون ذلك؛ إنّ الزيف عهدهم، ولن يحيدوا عن الأسلوب الاحتلالي، فقاموا بتبديل أسماء المصطلحات، والشوارع، والأماكن، بما يتناسب مع مخططاتهم الاستعمارية.


إحدى المسميات اليهودية التي وُظِّفت لخدمة أجندتهم هي: جيش الدفاع الإسرائيلي، بينما المصطلح الصحيح هو “قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك لثلاثة أسباب:


أولًا: أُطلِق هذا الاسم ليظن من يسمعه أن هناك “دولة” موجودة بالفعل، ذات سيادة، يتبعها جيش مدرّب لحمايتها وحماية شعبها كجزء من سياستها، فيكون شرعيًا دوليًا. هكذا يحب الاحتلال أن يظهر؛ وكأنه يملك جميع العناصر الأساسية لدولةٍ يزعمها، ويسعى إلى انتزاع الإقرار بذلك. هذا في حد ذاته جزء من المضمون الخفيّ الذي يُراد تمريره كنوع من الاعتراف الضمني بشرعيته.


ثانيًا: تمّ اختيار كلمة “الدفاع لتدل على مظلوميته، ولإظهاره بصورة المدافع عن الأمن القومي ضد التهديدات، كما يزعم، سواء من الجهات الفلسطينية أو العربية المحيطة به. يحاول بهذه الوسيلة الملتوية أن يُبعد عن نفسه أي شبهة تُوصِفه بأنه جيش حربي أو هجومي. إنّ استخدام كلمة “الدفاع” يبرر أفعاله، على أساس أنه لا يقوم بما يقوم به من عمليات عسكرية وممارسات احتلالية إلا دفاعًا عن نفسه وكيانه، فتُصكّ لأفعاله شرعية دولية على أنها إجراءات “دفاعية”، وليس عدوانًا أو اعتداءً على أرض فلسطين وشعبها.


هذه هي الصورة الناعمة للانتهاكات، مما يجعل من الصعب انتقاد أفعال جيش الاحتلال أو فرض عقوبات عليه، ويفرض التسليم بأحقية وجوده والتعايش معه، بينما الحقيقة هي أنه جيش عدواني، مُدرَّب على التنكيل، ينتشي بالقتل، أينما حلّت قدماه حلّ التشريد والاغتصاب والإرهاب والبغي الشديد. فهو لا يهتم بالوسيلة ما دامت غايته الحفاظ على كيانه مسيطرًا محتلًا للمنطقة الفلسطينية وما حولها بالأخص، والعالم عمومًا.


والحقيقة أيضًا أن جنوده ليسوا جزءًا حقيقيًا من هذا الكيان، بل هم بالأصل عناصر مرتزقة جُمعوا من هنا وهناك، لا ينتمون لهذا الكيان الاحتلالي بصدق وإخلاص، بل انضموا إلى صفوفه طمعًا في كثير من المغريات.


لاقَت هذه التسمية المُزيفة انتقادات من العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، وخبراء في القانون الدولي، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، حيث انتقدوا تصنيف هذه الفئة العسكرية على أنها “جيش دفاع”، لأنّ واقع الأحداث على الأراضي الفلسطينية يتناقض تمامًا مع الاسم ومع الصورة الدفاعية التي يسعى الاحتلال إلى تمريرها، خاصة عبر الإعلام.


يمكننا القول إنّ تسمية قوات الاحتلال بـ”جيش الدفاع الإسرائيلي” ليست مجرد تسمية، بل هي استراتيجية تهدف إلى منح الاحتلال شرعية قانونية وسياسية على الصعيدين المحلي والدولي. وعلى هذا، يجب الحذر… الحذر من إدراجها في قواميسنا اللفظية والكتابية على حدٍّ سواء.

شارك

مقالات ذات صلة