Blog

قراءة في كتاب المسلمون قادمون للكاتب آرون كوندناني

يناير 15, 2025

قراءة في كتاب المسلمون قادمون للكاتب آرون كوندناني

 

في أبريل 2010 دُعيت ” تاليا لادور فريشر”، نائبة سفير إسرائيل في المملكة المتحدة حينئذ، للتحدث بجامعة مانشستر، وكانت الحرب الهمجية التي سمتها اسرائيل بـ “الرصاص المصبوب” على غزة عام 2009 مازالت عالقة في الأذهان. في ذلك الوقت كان قد صدر تقرير بإدانة اسرائيل ووصف ما قامت به بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، برئاسة القاضي الجنوب أفريقي “ريتشارد غولدستون”.


وبالتزامن مع هذه الدعوة خطط ناشطون لتحدي نائبة السفير ومواجهتها بما يخص الاتهامات الواردة في التقرير لكن الترتيبات الأمنية الصارمة منعت الناشطين من دخول المبنى، فتجمعوا عند المخرج المؤدي إلى موقف سيارات الجامعة ليتمكنوا من مواجهة “لادور فريشر” وهي تغادر الجامعة. وعندما ظهرت سيارتها منعها الطلاب من التحرك لثواني، فاندفعت السيارة وسط الحشد بسرعة و كان بين الواقفين أمام السيارة طالب في السابعة عشر من عمره اسمه “جميل سكوت” عضو بحزب العمال، أصابته مقدمة السيارة. وجاء رد شرطة مانشستر الكبرى بالذهاب إلى بيت” جميل ” واعتقاله بتهمة الاشتباه في إثارة الفوضى.

اتهمت “لادور فيشر” بدورها الطالب، أنه من ألقى بنفسه على السيارة، بينما كذّب ادعائها أحد حراس أمن الجامعة، فلم توجه الشرطة اتهامات إلى جميل، لكن لم تُغلق القضية هنا، فجميل مسلم وله أب مسلم ورغم أنه لا يقدم نفسه كمعتنق للإسلام وهذا كفيل بعدم غلق القضية عند هذا الحد. لكن كان لابد من البحث والاستقصاء ووضع نظرية ما خلف ما حدث.


في هذه الأثناء كانت شرطة مانشستر الكبرى تستخدم مشروع “تشانل” لمكافحة التطرف وهو جزء من برنامج بريطانيا لمنع التطرف العنيف.

البرنامج عبارة عن منظومة مراقبة واسعة، حيث يتم تحديد المشتبه بهم في اتجاههم نحو التطرف ثم يقدم لهم الإرشاد والتوجيه والتعليم الديني بهدف عكس عملية التطرف، بالفعل تم الاتصال بوالدي جميل وخالته ومدرسته لإبلاغهم بإدخاله البرنامج لأنه معرض للتطرف الاسلامي أو اليساري ومدة البرنامج عامين لثلاثة، وبدأت ملاحقة جميل ومنعه من المشاركة في أي احتجاجات بل تم الضغط على والديه وكليته لينهي نشاطه السياسي.


تحولت هذه البرامج لعمل استخباراتي يراقب ويجمع المعلومات ويضيق الخناق على المسلمين، ووضع قاعدة بيانات واسعة لكل من يتم تحديده من المستهدفين للبرنامج وشبكة علاقاتهم الاجتماعية، فبدأ برنامج “منع” الذي نفذته حكومة توني بلير 2006 بغرض استهداف الأنشطة والسلوكيات والمعتقدات التي لا تدخل في إطار الجريمة، بعد تفجيرات٧ يوليو ٢٠٠٥ والتي استهدفت محطات النقل العام بلندن.


لم تقف هذه البرامج حد الرصد والتتبع ولكن تخطت ذلك بالتحريض وزرع العملاء في المساجد والأوساط الاسلامية كما أن هؤلاء العملاء لم يكتفوا بالعمل وفق مبدأ ” العصفورة” كما نقول باللهجة المصرية ولكن تمادوا في التحريض على العنف ووضع الخطة وتوفير السلاح أو القنبلة الوهمية للإيقاع بفريستهم الذين في أغلب القصص التي سردها الكتاب هم من الفقراء أو المرضى أو مدمنين أو من يعانون العنصرية والتضييقات لانتماءاتهم الدينية أو للون بشرتهم. فتحول برنامج مكافحة الارهاب إلى برنامج خلق الارهاب.

كما استخدم البرنامج أيضا بعض المؤثرين ذوي الرأي والمكانة في المجتمع الاسلامي وجعلهم ينطقون بلسان ما تريده الحكومة من المسلمين، من حيث تصنيفات الاسلام المعتدل والاسلام المتطرف. وتصنيف الصوفية كأكثر توجه يوائم الاعتدال الذي تريده الحكومة، بينما جماعة الاخوان المسلمين والسلفية يمثلان واجهة التطرف.


اعتمدت هذه البرامج على مواجهة الفكر بالفكر ووضع البدائل التي تفضلها مقدمة مفهوم عن الإسلام أبعد ما يكون عن الشمولية وعن صلاحيته كبديل للرأسمالية التي تعتمد على الفردانية.

وإن من أبرز ما يمكن التوقف عليه أثناء قراءة كتاب “المسلمون قادمون”:

  • أنه مهما تماهيت مع الفكرة المطروحة للإسلام من وجهة نظر الحكومتان البريطانية والأمريكية فستظل مشتبهًا به إلى أن تثبت ولاءك ووطنيتك.
  • مفهوم التوافق مع القيم الليبرالية محصور في القيم الغربية وحدها ويصادر ما يعارضه، وهو ما يتناقض مع القيم الليبرالية المعروفة مثل حرية الفكر والاعتقاد.
  • تقييد الحرية في تربية أطفال المسلمين فهم يتتبعون آبائهم من خلال تتبع أفكار الأطفال واستدراجهم في الحديث، ويذكر الكاتب أن برنامج مكافحة التطرف يشمل من هم تحت سن المراهقة فيبدأ من عمر الأربع سنوات.

فالحرب على الإرهاب هي فكرة قومية أرادت أن تجمع بها الولايات المتحدة وبريطانيا شعوبها بها، دون تفنيد واضح لمفهوم الارهاب وإنما فقط حصره في الإسلام سواء بوجهة نظر المحافظين أنه في أصل الدين، أو كما يرى الإصلاحيون أن النصوص الإسلامية ليست بالأصل إرهابًا، ولكن تأويلها ووضعها في إطار أيديولوجية سياسية شمولية هو الإرهاب. إذن، أنت كمسلم موصوم في كل الأحوال.

شارك

مقالات ذات صلة