خمسون عاماً من حكم البعث! أربعون ألفاً قتلهم حافظ الأسد في حماةٍ وحدها! نصف مليونٍ قتلهم ابنه! وثلاثة ملايين هجَّرهم في أصقاع الأرض! ضربهم بالأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة! قصفهم في الخيام وبؤس اللجوء! أكثر من مئتي ألف مفقود لا أحد إلا الله يعرفُ عن مصائرهم شيئاً!
فُتحتْ أبواب سجن “صدنايا” فاكتشف العالم أنَّ ما كتبته البشرية جمعاء عن أدب السُّجون لا يبلغُ فصلاً واحداً من فصوله! ورغم هذا بقي بشَّار الأسد رئيساً لا يُثير ذعر أحدٍ في الغرب! وفي الشَّرق كان يُدعى إلى القمم كرئيس دولة! وكان يعتلي المنبر ليحدِّثنا عن جرائم إسرائيل في غزَّة، هذه الجرائم التي لا تختلفُ كثيراً عمَّا ارتكبه في حقِّ شعبه! ولكنَّه بقي لا يثير ذعر أحدٍ، رغم أنَّ الجميع كان يعرفُ أنه أحد أكبر مصاصي الدماء في العصر الحديث!
حمى حدود دولة الاحتلال بكفاءة، وتاجرَ بالمقاومة التي لم يمارسها في الجولان ولو بطلقةٍ واحدة من باب على عينك يا تاجر! وحلفاؤه يتهامسون سراً أنه أسلمَ إحداثياتهم، فقد عرفوا بعد فوات الأوان أنَّه لم يكن له من صاحبٍ إلا عرشه، فلا هم كسبوا الأُمة، ولا هم سلموا منه! ولكنَّه بقي حتى صبيحة هروبه لا يثيرُ ذعراً عند أحد!
ثمَّ انتصرت الثَّورة، عاد أصحاب الدَّار إلى بيوتهم وعائلاتهم وذكرياتهم! كانوا متحضِّرين جداً، وفتحُهم واحد من أكثر الفتوحات رحمةً في التَّاريخ الحديث!
لم يعتدوا على قلّة أذاقتهم الويلات طوال خمسين سنة! لم يهدموا مرقداً أو يمنعوا أحداً من أداء شعائره!ورغم هذا دبَّ الذُّعرُ في الكوكب!
صارت دمشقُ مَحَجًّا للدبلوماسيين من كل حدب وصوب، الكل يريدُ أن يعرف كيف سيحكمون بلدهم!تحدثت عنهم قنوات التلفزة، وتصدَّروا نشرات الأخبار! قناةBBC أجرت مقابلةً مع أحمد الشَّرع، سيلٌ من الأسئلة التي تُثير القرف! كان الرَّجلُ متَّزناً في إجاباته، دبلوماسياً حين يُحشر في الزَّاوية ليقدِّم إجابة قد تُستخدم ضدَّه، عارفاً بما يريدُ هذا العالم أن يسمع، على ما يبدو أنَّ فترة إدلب أتاحت له لملمة أوراقه، وتجهيز إجاباته!
ولكن أكثر سُؤالين وجدتهما مثيرين للقرف هما :
هل ستسمحون للمرأة بأن تتعلم؟
وهل ستسمحون للنَّاس بشرب الخمر؟
فجأة صار هذا العالم قلقاً على حقِّ النِّساء في التعليم في سوريا!
ولكنهم لم يقلقوا على حقِّ النِّساء في الحياة!
ثلاثة عشر عاماً وهُنَّ يُقصفنَ بالبراميل المتفجرَّة والكيماوي!
ثلاثة عشر عاماً وهُنَّ يُرمَّلنَ، ويُقتلُ أولادهُنَّ!
ثلاثة عشر وهُنَّ يُسجنَنَّ ويُغتصبنَ!
لا أحد في هذا العالم حرَّكَ ساكناً!
لم تعقد النَّسويات لأجلهنَّ مؤتمراً واحداً!
ولا هبَّتْ أوروبا تنصُرهُنَّ كما فعلت في أوكرانيا!
حتى البكاء استكثروه عليهنَّ فلم يبكِ عليهنَّ أحد!
أمَّا الآن فهذا العالم قلقٌ جداً ويتساءل: هل ستحصل نساء سوريا على حقِّ التعليم؟!
لم يبكِ هذا الغرب الكاذب نساء أفغانستان وهُنَّ يُقتلنَ على يد أمريكا، ولكن بمجرد انسحابها من أفغانستان، اكتشفَ العالم أنَّ في أفغانستان نساءً يجب أن يحمي حقوقهُنَّ!
وممن سيحمون حقوقهنَّ؟! من آبائهنَّ، وإخوتهنَّ، وأزواجهنَّ، وأبنائهنَّ!
هل بكى أحدٌ في هذا الغرب العاهر نساء غزَّة وهُنَّ يُبدنَ منذ 440 يوماً؟!
ولكن بمجرد أن تنتهي الحرب سيصبح لنساء غزَّة حقوق يجب أن يُطالبوا بها!
هل ستسمحون للنَّاسِ بشرب الخمر؟! أين كنتم حين كان السَّفاح يشربُ دماءهم أمام أعينكم؟! أين كنتم حين كان الرِّجال يذوقون الإذلال في السُّجون؟! أين كنتم حين كانت النساءُ تشربُ القهرَ والمُرَّ؟! أين كنتم حين اختنقَ الأطفال بدموعهم؟! تركتموهم لجلاديهم خمسين سنةً يفعلون بهم ما شاؤوا، وحين ثاروا، أرسلتم أساطيلكم لقتلهم، وقواتكم لحراسة مصافي النَّفط! ثم الآن تأتون لتسألونهم عن تعليم النِّساء وشرب الخمر! هذا الغرب لا يستحي!