آراء

ماذا نتعلم من ثورة الجزائر؟

سبتمبر 26, 2024

ماذا نتعلم من ثورة الجزائر؟

 

الاحتلال الفرنسي

 

عندما تمر عليك المشاهد الأخيرة في غزة، يصيبك اليأس وتظن أنها غمة لن تزول. لكنك تقرأ قصة تحرر الجزائر من الاحتلال الفرنسي، فتدرك أنها قصة يكررها التاريخ. احتلال يرمي كل أوراقه، ومقاومة صامدة لا تنتهي إلا مع انتهاء الاحتلال.

قصة الكفاح الجزائري طويلة، فالثورة الجزائرية استمرت لـ ١٣٢ سنة، فما الذي تقوله كتب التاريخ عن هذه القضية؟ ما القصة التي اخترعها أهل فرنسا لغزو الجزائر؟ وما الذي نتعلمه من الثورة التي انتهت بالتحرير؟

حادثة المروحة

 

كتب التاريخ تروي لنا أن الاحتلال الفرنسي للجزائر بدأ في عام ١٨٣٠م، لكن ما لا يعرفه الكثير أن الشرارة انطلقت قبل هذا التاريخ، وفي حادثة تاريخية حصلت في عام ١٨٢٧م، تحديداً. هذه الحادثة اعتبرتها فرنسا حجّة لاستعمار الجزائر، واستخدمتها ذريعة لسلب الثروات والموارد!

 

تبدأ القصة في عيد الفطر عام ١٨٢٧م، اتجه القنصل الفرنسي (دوفال) إلى الباشا العثماني (الداي حسين)، والذي حكم الجزائر قبل هذا التاريخ بـ ٩ سنوات. وصحيح أن هذه الزيارات تُقام بشكل اعتيادي دبلوماسي، لكن هذه الزيارة كانت مختلفة، إذ أنها أعطت فرنسا مبرراً لاحتلال الجزائر، وكأنها تهتم للتبرير أصلاً!

أثناء جلوسهما، تحدّث الداي حسين عن مصير الديون التي قدمتها الجزائر لفرنسا في الأعوام الأخيرة، والتي لم تسددها فرنسا بعد. ساعدت الجزائر فرنسا بهذه الأموال الطائلة، لكنها لم تُدفع لسنوات، وكانت فرنسا تماطل في التسديد، فرأى الداي حسين بأن يطرح الموضوع للطرف الفرنسي ويذكّره به. لكن القنصل الفرنسي لم يعجبه هذا الحديث، ورد بطريقة غير لائقة! وما كان من الداي حسين إلا أن يلوّح له بمروحة كان يحملها بيده، ويقول البعض أنه ضربه بالمروحة على وجهه، وهي حادثة تُعرف بحادثة (المروحة).

بداية الاحتلال الفرنسي

 

لم تمر هذه الحادثة على خير، فالقنصل الفرنسي أبلغ السلطة الفرنسية بتفاصيلها. كانت فرنسا تبحث عن أي تبرير لغزو الجزائر، وذلك لتمديد نفوذها الاستعماري، وسلب ثروات الجزائر الغنية، فكانت فرنسا ترسل جواسيساً للجزائر بهدف دراسة المجتمع والأرض. أصبحت هذه الحادثة تبريراً مناسباً لفرنسا لأن تُقدم على هذه الخطوة، وفعلاً اتجه الأسطول الفرنسي إلى الجزائر ليغزوها!

ورغم أن الجزائر ساندت فرنسا بعد نجاح الثورة الفرنسية، لكن المطامع الفرنسية بالجزائر قديمة، وكان الغزو لحظة غدر بهذا الحليف. بل أن بعض أهل الاختصاص في مجال التاريخ يذكرون أن الحادثة بأكملها اختلقها الفرنسيون لتبرير الغزو والقتل. خصوصاً وأنه كان هناك غول استعماري آخر في المنطقة يدعى (بريطانيا).

الثورة اشتعلت في عام ١٧٨٩م وكانت سبباً في عزل فرنسا عن دول كثيرة، لأن الأنظمة الملكية خشيت أن يمتد النموذج الفرنسي الجديد إلى ممالك أخرى، فيهز صورتها ويهدد مستقبلها.

تخيّل أن القمح، الذي كان يجده الفرنسي بسهولة في الأسواق، أصبح نادراً لفترة ليست بقصيرة، لأن الدول المصدّرة للقمح آنذاك لم يعجبها النموذج الفرنسي الجديد. بلغت ديون فرنسا لأكثر من ٢٦٠ مليون يورو (التقدير الحالي). وفي ظل هذه الأزمة، طمعت فرنسا باحتلال الجزائر، ودخلت بقواتها العسكرية في عام ١٨٣٠م.

 

لم تكن فرنسا تنوي تعمير الجزائر كما تروّج بعض الأدبيات الفرنسية، بل كانت تحاول تجهيل المجتمع قدر الإمكان، وسلب ثروات الأرض ومواردها. لكن الشعب الجزائري لم يقبل بهذا الاستعمار، وقامت المظاهرات التي تنادي بخروج الاحتلال. من أشهر الثورات: ثورة عبد القادر الجزائري، وثورة فاطمة نسومر، وثورة أحمد باي بن محمد الشريف. استمرت هذه الثورات وغيرها، وسعى الشعب الجزائري لطرد المحتل، إلى أن اندلعت الثورة الجزائرية في عام ١٩٥٤م، والتي كانت نتيجتها النهائية: تحرير الجزائر من الاستعمار.

 الوحشية الفرنسية

 

لكن كيف عاش الجزائريون تحت الاحتلال؟ فرنسا مثلها مثل أي مُستعمر، والوحشية الفرنسية فترة الاستعمار كانت شديدة. اعتدت فرنسا على المساجد، واعتدت على اللغة، واعتدت على الهوية، ولو أننا نظرنا إلى جزء من التشريعات التي أصدرتها فرنسا لأخذنا فكرة واضحة عن هذا التوجّه:

  • حظر استخدام اللغة العربية
  • حظر شرح آيات القتال والحرب
  • حظر تدريس تاريخ الجزائر واستبداله بالتاريخ الفرنسي

التحرر

 

استشهد الكثير من أهل الجزائر، وكتبوا لنا قصصاً تاريخيةً نادرة، وتجاوز عدد الشهداء المليون ونصف، ليقدموا لنا درساً تاريخياً عن صراع الحضارات ومقاومة الاستعمار.

 

اسأل الأراضي العربية عن الثروات العربية التي سُلبت منها، لتعرف أن البطش الفرنسي في الجزائر ليس مستغرباً على الحضارة الغربية. حاولت فرنسا إبادة الشعب الجزائري وسرقة أرضه، لكنه قدّم أرقى صور التضحيات، فكانت النتيجة طرد المحتل والحفاظ على الأرض. مهما كان المحتل قوياً، إلا أن استمرار المقاومة سبيل التحرير، وما أشبه اليوم بالأمس!

 

“الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا”.. عبد الحميد بن باديس

 

 

شارك