آراء
“في حیاتي لم أشھد أصدق من ھذا الإخاء بین أناس من جمیع الألوان والأجناس، إن أمیركا في حاجة إلى فھم الإسلام لأنه الدین الوحید الذي یملك حل مشكلة العنصریة فیھا”.. مالكوم اكس.
كما أن التاريخ دوّن قصة العنصرية التي عانى منها أصحاب البشرة السمراء في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد دوّن كذلك قصة رجل مسلم واجهها وخلّد اسمه في صفحات التاريخ. رجل تحوّل من حياة العصابات إلى أن أصبح رمز النضال الحقوقي ضد العنصرية. فمن هذا الرجل؟ وكيف دفعته مشكلة العنصرية في أمريكا إلى إيجاد الحل في جانب آخر من الكرة الأرضية؟
معاناة من العنصرية
سنة ١٩٢٥م ُولد الطفل مالكوم في ولاية نبراسكا الأمیركیة، وتنقل كثیراً بین المدن بسبب ملاحقات البیض لوالده صاحب البشرة السوداء، والذي كان منشغلاً بالنشاط السياسي. عانى والده بسبب العنصرية، فالعنصريون أحرقوا منزله، وھددوا عائلته، إلى أن قتلوه عندما كان (مالكوم) في السادسة من عمره فقط، مما أدخل الأسرة في وضع صعب نفسياً واقتصادياً. تم تسجیل قضية قتل والده على أنھا حادث مروري، رغم اعتقاد العائلة أن الوفاة حدثت بسبب النشاط السياسي للوالد.
وبعد سنوات قليلة، عندما أصبح مالكوم في عامه الثالث عشر، دخلت والدته إلى المصحة العقلية بعد أن عانت من الانھیارات العصبية، فقد كانت تكفل ٨ أطفال لوحدھا. حاولت العمل كخادمة لكنھا كانت ُتطرد بسرعة بسبب لون بشرتھا، وأحیاناً لا تُعطى حقوقھا. كان الجو العام في الولایات المتحدة الأمریكیة ملیئاً بالعنصرية، وكان صاحب البشرة السوداء ُیعامل على أنه كائن أدنى من صاحب البشرة البيضاء.
الانخراط في عالم الإجرام
بعمر الـ١٨ سنة، انخرط في عالم الإجرام وتورط بالسرقة والقمار والمخدرات. وبسبب ھذه النشاطات، ُحكم على مالكوم بالسجن ٨ سنوات. تجربة السجن غيرت حياته، وغيرت تاريخ أمريكا للأبد.
بحث مالكوم عن الحق، وقرأ العديد من الكتب، ثم أعلن إسلامه وانضمامه لحركة أمة الإسلام، وھي منظمة فاعلة تدعم المسلمين أصحاب البشرة السمراء في أمریكا. هذه الحركة لم تكن مثالية، فمشكلة هذه الحركة أنها ترتكز على أفضلیة العرق الأسود، وترى بأن الجنس الأسود أفضل من الجنس الأبیض.
أسس الحركة رجل يدعى (والاس محمد) ثم ترأسھا (إلیجا محمد). برزت الحركة واعتنقھا الكثير من الشبان السود بسبب المعاناة التي یتعرض لھا الشاب الأسود المسلم في المجتمع الأمريكي بذاك الوقت.
برز اسم مالكوم داخل السجن بسبب تطور شخصیته ودعوته للإسلام ومناظرته للمخالفین، فقد كان یقرأ طوال الیوم، في المكتبة والزنزانة، وعندما خرج من السجن أصبح من قیادات الحركة. كان رئیس الحركة یسعد به بسبب الفطنة والنباھة التي یمتلكھا.
ورغم نجاح مالكوم داخل حركة أمة الإسلام إلا أنه لم يستمر معھم، أولا لأنه لاحظ تصرفات غير سوية من قبل رئيس الحركة إلیجا محمد، وثانيا لأن رحلته إلى الحج كشفت له العديد من الأمور. وما أكثر من تغيرت حياته في الحج!
الحج
عام ١٩٦٢م زار مالكوم مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وكان یرید استكشاف الإسلام أكثر.. وقد اكتشف اكتشاف العمر بھذه الزیارة! لاحظ انعدام العنصریة، والمساواة في الكعبة، وتعدد الأجناس والأعراق فیھا، وهذه مشاهد لم يعرفها من قبل.
كتب مالكوم: “خلال الاثني عشر یوماً التي قضیتھا في العالم الإسلامي، أكلت من إناء واحد وشربت من كأس واحدة ونمت على سجاد واحد وأنا أعبد ربا واحدا مع مسلمین عیونھم زرقاء وشعورھم شقراء وجلدھم أبیض.. رجال وجدت في إخلاصھم الإخلاص نفسه الذي وجدته عند المسلمین السود القادمین من نیجیریا والسودان وغانا.. وأذكر لیلة نمنا فیھا في المزدلفة تحت السماء واكتشفت أن الحجاج المنتمین إلى كل أرض ولون وطبقة ورتبة، الموظفین السامین منھم والمتسولین على السواء، كلھم یغطون بلفة واحدة”.
مر مالكوم على لبنان ومصر والسودان وغیرھا من البلدان العربیة، فوجد الاحتفاء والترحیب، بل إنه قابل الملك فیصل بن عبدالعزیز رحمه الله، وتحاور مع شیخ الأزھر الشریف كذلك.
عرف في هذه اللحظة أن الإسلام الذي یظھره حركة أمة الإسلام ھو في الواقع لا یمثل الإسلام الصحیح، وأن النظام العنصري حله ظاهر أمامه، فقرر العودة إلى الولایات المتحدة الأمریكیة وتصحیح المسار.
الخاتمة
تتعلم الحضارات من بعضها، وهذا ما دفع مالكوم لأن يجلب الحل من الخارج لمشكلة العنصرية الموجودة في أمريكا. في عام ١٩٦٥م، حضر مالكوم، والذي أسمى نفسه (مالك)، إلى نیویورك لإلقاء محاضرة. وفور ظھوره على المسرح، ظھر ٣ شبان بأسلحتھم، وتوالت طلقات الرصاص علیه، لتنتھي مسیرة بطل من أبطال مناھضة العنصریة. لا يُعرف إلى الیوم هل كان وراء الاغتیال حركة أمة الإسلام أم الشرطة الأمریكیة، وربما كانت عملیة مشتركة بینھما كما تذكر بعض النظریات.
لو أنه لم یذھب للحج لربما لم تحدث ھذه التغیرات في تاریخ أمریكا، وقد كتب رحمه الله: “لقد وسّع الحج نطاق تفكیري وفتح بصیرتي فرأیت في أسبوعین ما لم أره في تسع وثلاثین سنة”.