سياسة
7 تشرين الأول – أكتوبر 2025
في خطوة تحمل دلالات عميقة، قام وفد عسكري سوري رفيع المستوى برئاسة قائد هيئة الأركان العامة اللواء علي النعسان بزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو في الثاني من تشرين الأول، وقد اتسمت الزيارة بدرجةٍ عالية من التكتم، حيث امتنعت الوسائل الإعلامية السورية والروسية عن نشر أيّ تفاصيل حول الموضوعات المطروحة للنقاش.
تمحورت فعاليات الزيارة حول جولة ميدانية في الحديقة العسكرية الوطنية المركزية للقوات المسلحة الروسية، اطّلع خلالها الوفد السوري على أحدث المنظومات الدفاعية، مع تركيزٍ ملحوظ على تقنيات الدفاع الجوي والطائرات المسيرة بمهامها الاستطلاعية والقتالية، إلى جانب المعدات العسكرية الثقيلة. ويُعد هذا التركيز التقني مهماً في سياق سعي الجيش السوري لتحديث ترسانته العسكرية وتعزيز قدراته الدفاعية، وإن كانت متطلبات الحرب في أوكرانيا والضغوط على الصناعات الدفاعية الروسية قد تحد من إبرام صفقات عسكرية كبيرة في المدى المنظور.
من ناحية أخرى، يمكن النظر إلى هذه الزيارة ضمن سياق أوسع يشير إلى وصول الطرفين إلى تفاهمات أولية بشأن الملفات المشتركة والعالقة بينهما، وأبرزها موضوع الوجود العسكري الروسي في سوريا حيث تجد دمشق نفسها مضطرة للتنسيق والتفاهم مع موسكو ذات الثقل السياسي والعسكري الدولي رغم أنّها ستحافظ على سعيها لبناء جسور الثقة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى.
الجدير بالذكر أنّ هذه الزيارة تسبق بأسبوع واحد فقط زيارة الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع إلى موسكو للمشاركة في القمة الروسية-العربية الأولى المقرر عقدها في الخامس عشر من تشرين الأول، ما يثير تساؤلات حول طبيعة الترتيبات التي يجري الاتفاق عليها، ويدفع إلى الاعتقاد بأنّ هذه الزيارة العسكرية تمهّد الطريق لخطوات قد تُعلن خلال القمة المرتقبة أو بعدها.
شكلت مظاهرة محدودة في دمشق أواخر سبتمبر 2025، تخللتها هتافات مسيئة للرئيس المصري وموقف بلاده من غزّة، توتراً دبلوماسيًّا بين البلدين. إذ أثارت ردود فعل مصرية غاضبة تجاوزت الإعلام الرسمي إلى حملة قادتها شخصيات برلمانية وشعبية طالبت بمراجعة ملف اللاجئين السوريين.
بدورها سارعت الخارجية السورية لاحتواء الأزمة عبر بيان استنكرت فيه الحادث، ونأَت بالشعب السوري عنه، معيدة التأكيد على متانة العلاقات الثنائية. ويأتي هذا الرد في سياق مرحلة دقيقة تمر بها العلاقات السورية-المصرية، التي تشهد تفاعلاً حذراً منذ لقاء الرئيسين في مارس 2025، ممّا يجعل من البيان رسالة طمأنة للحكومة المصرية بأنّ الحادث لا يعبر عن سياسة رسمية، وبأنّ دمشق لا ترغب في تحويل أراضيها إلى منصةٍ لاستهداف مصالح القاهرة.
تَكْمُنُ أهمية هذه الأزمة المصغرة في كشفها هشاشة الاستقرار الدبلوماسي العربي، وتبرز في نفس الوقت براغماتية الدبلوماسية السورية، سعياً لمنع العزلة الإقليمية والحفاظ على مسارات إعادة الاندماج مع المحيط العربي.
يمثل تمديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بسوريا استمراراً لإطارٍ قانوني مؤسسي تعتمده واشنطن منذ عام 2004، هذا التمديد الجديد الذي يأتي بعد إلغاء وتجميد العقوبات الشاملة في منتصف 2025، يحفظ للإدارة الأمريكية صلاحيات استثنائية للتحرك ضد أفراد وكيانات محددة، حيث تتيح حالة الطوارئ للرئيس تفعيل عقوبات مستهدفة دون العودة للكونغرس، مع الحفاظ على القدرة على إعادة فرض عقوبات أوسع عند الحاجة. في الوقت ذاته، لا يعكس القرار تراجعاً عن الانفتاح الأميركي على سوريا فمن جهة يدعم رواية الانفتاح على سوريا الجديدة ويمنحها مساحة “اختبار”، ومن جهة أخرى يؤكد أنّ مفاتيح اللعبة ما زالت في يد واشنطن تذكر من خلالها الرأي العام داخل الولايات المتحدة وخارجها بأنّ أدوات الضغط لم تُرفع بالكامل. تجاه السلطات السورية، ويرسل رسالة واضحة بأنّ الانفتاح الأمريكي لازال مشروطاً وأنّ الولايات المتحدة لن تغادر الساحة السورية، بل ستحتفظ بأوراق ضغط فعالة. وهكذا تتحوّل حالة الطوارئ من مجرّد إجراءٍ قانوني روتيني إلى أداةٍ تُمكن واشنطن من قيادة دفة المشهد السوري دون التخلي عن خياراتها، في صيغة توفيقية تجمع بين فتح نافذة للانفتاح والإبقاء على أدوات ضغط جاهزة للاستخدام.
شكّلت الانتخابات التشريعية التي جرت في سوريا مؤخراً محطة هامة في مسيرة الانتقال السياسي، حيث شهدت البلاد مشاركة واسعة في 50 مركزاً انتخابيًّا منتشراً في معظم المحافظات السورية -باستثناء السويداء ومناطق شمال شرق سوريا التي أجلت فيها الانتخابات لأسبابٍ أمنية- وجاءت هذه الانتخابات كأول استحقاق برلماني بعد سقوط نظام الأسد، ممثلةً عودة للسوريين إلى ممارسة السياسة علناً بعد سنوات من الصمت القسري.
بالمجمل، أظهرت النتائج ضعفاً ملحوظاً في التمثيل النسائي، حيث لم تحقق سوى 6 نساء الفوز بعضوية المجلس، ما يشكل نسبة 4% فقط من إجمالي الأعضاء المنتخبين، كما كان تمثيل الأقليات محدوداً، حيث حصل المسيحيون على مقعدين فقط من أصل 210، وفشل المرشح اليهودي الوحيد في تحقيق الفوز. ومن المتوقع أن يعمل الرئيس السوري أحمد الشرع على معالجة جوانب القصور في التمثيل النيابي من خلال تعيين 70 عضواً إضافيًّا في مجلس الشعب، حيث سيسعى إلى اختيار شخصيات من الخبراء والكفاءات المهنية، مع مراعاة تحقيق تمثيل عرقي وديني أكثر توازناً في تشكيلة المجلس النهائية.
ورغم الجدل الدائر بين التفاؤل الحذر بإمكانية بداية جديدة، والتحفظات حول الآلية الانتخابية غير المباشرة، مثلت هذه الانتخابات إعلاناً رمزيًّا لعودة الحياة السياسية إلى البلاد، وفرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتأسيس مرحلة جديدة تقوم على المشاركة والمساءلة.
أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع مرسوماً بتحديد العطل الرسمية للعاملين في الدولة، حيث أضاف عطلتين جديدتين هما “عيد التحرير” في 8 ديسمبر/كانون الأول الذي يمثل تاريخ سقوط نظام الأسد، و”ذكرى انطلاق الثورة السورية” في 18 مارس/آذار من كل عام. وفي المقابل، ألغي المرسوم عدة عطل سابقة كانت تحيي مناسبات مرتبة بالنظام السابق أبرزها “ثورة الثامن من آذار” و”حرب تشرين” و”عيد الشهداء”. وقد أثار اعتماد يوم 18 مارس/آذار كعيدٍ للثورة جدلاً في الأوساط السورية، حيث رحب البعض بهذا القرار كتكريمٍ لشهداء درعا الأوائل وتخليد لذكرى انطلاق الحراك الشعبي الواسع، بينما رأى آخرون أن تاريخ 15 مارس/آذار هو الأنسب لكونه شهد أول مظاهرة منظمة ضد نظام الأسد في دمشق. واعتبر مراقبون أنّ هذا الخلاف يعكس التحديات الرمزية التي تواجهها المرحلة الانتقالية في معالجة الإرث التاريخي للثورة السورية وكتابة التاريخ الجديد.
أعلنت جماعة، تدعى “المقاومة الوطنية في سوريا” (كتيبة أحمد مريود)، مسؤوليتها عن عملية استهدفت بعبوة ناسفة، لعدد من الجنود الإسرائيليين في ريف القنيطرة، ما أسفر عن إصابة ضابط احتياط إسرائيلي بجروحٍ بالغة. تمثل هذه العملية تطوراً نوعيًّا في الجبهة الجنوبية لسوريا، حيث تشير إلى انتقال محتمل من عمليات فردية محدودة إلى عمل منظم يفتح الباب أمام سيناريوهات عسكرية جديدة، أبرزها احتمال تحول الجنوب السوري إلى ساحة صراع مفتوحة خصوصا مع ظهور العديد من الجهات التي كشفت عن نفسها كمجموعات “مقاومة”، تزامنا مع التوغلات الإسرائيلية بعد سقوط نظام الأسد. من ناحية أخرى فقد يؤدي تطور مثل هذه الهجمات إلى دفع إسرائيل إلى تحميل الحكومة السورية المسؤولية، ممّا يزيد من تعقيد المفاوضات الأمنية الجارية بين الطرفين، واحتمالات توسع نطاق الاستهداف الإسرائيلي للمواقع السورية.
تُجسِّد العملية الأمنية الناجحة التي نفذتها القوات التركية بالتنسيق مع جهاز الأمن الداخلي السوري في مدينة أطمة بريف إدلب ضد خلايا تنظيم الدولة، انتقال أنقرة من نهج العمل الأحادي إلى اعتماد منهجية التنسيق المباشر مع الحكومة السورية. العملية التي نجحت في القضاء على خلية مكونة من 14 فرداً من تنظيم “الدولة”، تمثل أول تطبيق عملي للتعاون الأمني المباشر بين البلدين منذ إعلان إنشاء مركز العمليات المشترك ضد التنظيم في أغسطس/آب الماضي. كما تأتي في سياق تحوّل أوسع في العلاقات الثنائية، تجلّى أيضاً في توقيع اتفاق أمني بين البلدين شمل برامج تدريبية بهدف إعادة بناء القدرات الأمنية السورية.
ورغم أن الأهداف المُعلنة للعملية تركزت على مطاردة عناصر التنظيم والرد على حادثة قتل المواطن التركي، إلا أنّها تخدم أهدافاً إستراتيجية أعمق لأنقرة، أبرزها سعي أنقرة إلى ترسيخ دورها كلاعب إقليمي فاعل من خلال التعاون مع دمشق واحتواء النفوذ الكردي في شمال سوريا، ودفع واشنطن إلى وقف دعمها لقسد والتركيز على التعاون الإقليمية والمحلي مع دمشق وأنقرة لمكافحة التنظيمات الإرهابية.
تُشكّل التطورات المتسارعة في حلب مؤشراً واضحاً على اقتراب مواجهات عسكرية أكبر بين القوات السورية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في ظل تصاعد التحركات العسكرية الميدانية والتصريحات السياسية المتشابكة. حيث تشهد جبهات حلب اشتباكات متصاعدة، خاصة في حيي الشيخ مقصود والأشرفية، أدت إلى سقوط ضحايا وإغلاق طرق رئيسية. وفي الوقت ذاته، تظهر مؤشرات على مسار سياسي موازٍ، تجسّد في عقد اجتماع ثلاثي برعاية أمريكية في دمشق لدفع المسار التفاوضي لملف “اتفاق 10 آذار”. شهد الاجتماع حضور الرئيس السوري الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية والأدميرال براد كوبر” قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، بالمشاركة مع المبعوث الأمريكي الخاص توم باراك، ممّا يعكس مستوى متقدماً من الاهتمام الأمريكي والمتابعة الميدانية، وقد سبق الاجتماع مباحثات تمهيدية مكثفة في الحسكة، جمعت كوبر وباراك مع قيادة “قسد” بهدف تقريب وجهات النظر مع دمشق.
يشكّل استمرار انعقاد الاجتماع رغم توترات حلب مؤشراً إيجابيًّا على جدية الأطراف الرئيسية في عدم السماح للتصعيد الميداني بإفشال المفاوضات السياسية. إلا أن هذا المسار التفاوضي لا يلغي حقيقة التصعيد الميداني، حيث تواصل قسد حملات التجنيد الإجباري الواسعة في الرقة ودير الزور، فيما يعزّز الجيش السوري والقوات التركية وجودهما في مواقع استراتيجية مثل قاعدة كويرس الجوية. بالمحصلة، يبدو أنّ كلاً من الأطراف يستعد لسيناريويهن متوازيين: التفاوض والمواجهة.
على الجانب المقابل، تُشكّل التعزيزات العسكرية التركية الأخيرة في قاعدة كويرس الجوية شرق حلب نقلة نوعية في المشهد العسكري شمال سوريا، حيث شرع الجيش التركي بنشر عتاد متطور يشمل مركبات “سامور” المدرعة القادرة على التحوّل إلى جسورٍ عائمة لعبور الممرات المائية، بالإضافة إلى أنظمة دفاع جوي ومروحيات قتالية ما يتيح تجاوز العوائق الطبيعية التي تشكّل خطوط دفاع طبيعية لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كسد تشرين، فيما يمكن تفسيره كرسالة واضحة بجدية أنقرة في التصعيد العسكري إذا استدعت الضرورة.
تشهد محافظة السويداء مرحلة استقرار نسبي، حيث أسهم فتح طريق دمشق-السويداء وتحسين حركة النقل في تسهيل حركة التنقل وازدياد أعداد المسافرين ووسائط النقل العام. وتتوازى هذه التطورات الإيجابية مع استمرار وصول المساعدات الحكومية، ووصول لجنة تحقيق أممية لبحث الانتهاكات، مما يعكس اهتماماً دوليًّا بأوضاع المحافظة.
في الإطار الخدمي، تبذل الحكومة جهوداً مكثفة لتحسين قطاعات الكهرباء والمياه والصحة في المناطق الخاضعة لإدارتها بالريف الغربي والشمالي والشرقي. ما يمهد الطريق لمرحلةٍ جديدة من العمل التنموي والخدمي. ويهيئ الظروف المثلى لبدء مشاريع إعادة التأهيل والخدمات دون عوائق، بهدف عكس صورة إيجابية عن قدرة الحكومة على إدارة الملف الخدمي في المحافظة، وتعزيز ثقة المواطنين بأداء الحكومة، وبما يشكّل حافزاً لباقي أجزاء المحافظة للانخراط في الخطط الحكومية السورية، وتعزيز مسارات الاستقرار والتنمية فيها.
تشكل المطالب الإسرائيلية بإنشاء “ممر إنساني” يربط الجولان المحتل بمحافظة السويداء العقبة الرئيسية أمام توقيع اتفاق أمني مع سوريا، حيث تُصر إسرائيل على اعتباره التزاماً تجاه الطائفة الدرزية بينما ترى دمشق أنّ هذا الممر يمثل انتهاكاً لسيادتها ومحاولة لخلق منطقة نفوذ إسرائيلية، ما قد يؤدي إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ طائفية، ويشجع الأكراد على المطالبة بحكم ذاتي أوسع. وقد أدى هذا الخلاف إلى تأجيل الإعلان عن الاتفاقية رغم الضغوط الأمريكية لإنجازها.
وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في أكتوبر 2025، يبدو الاقتصاد السوري على أعتاب منعطف كبير محفوف بالتحديات، حيث تشير التوقعات إلى نمو طفيف لأول مرة منذ سنوات، بينما تظل أسس هذا التعافي هشة ومعتمدة على عوامل خارجية إلى حدٍ كبير. يعكس هذا التناقض بين النمو المتوقع والمخاطر القائمة صعوبة المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد. وتشير البيانات إلى بوارق أمل أولية، حيث من المتوقع أن يحقق الاقتصاد السوري نموًا حقيقيًّا بنسبة 1% في 2025، وذلك بعد انكماش بلغ 1.5% في 2024. ويؤكد البنك الدولي أنّ استمرار النمو مشروط بعدة عوامل مترابطة، قد تحوّل النمو الطفيف إلى تعافٍ حقيقي أو تعيد البلاد إلى مربع الانكماش، أبرزها الدعم الدولي وتحقيق الاستقرار الأمني والمؤسسي، وتأمين واردات النفط وتسهيل التجارة، بالإضافة إلى زيادة إنتاج الطاقة محليًّا.
يقدّم التقرير صورة اقتصادية مختلطة؛ فبينما يشير النمو المتوقع إلى نهاية مرحلة الانهيار الحاد، فإنّه لا يرقى إلى مستوى “الانتعاش” الحقيقي بسبب التحديات الجوهرية –من أزمة السيولة وسيطرة محدودة على الموارد الطبيعية إلى معدلات الفقر المدقع وغيرها من العقبات– التي لا يمكن حلّها بنمو رمزي بنسبة 1%.




