مدونات

تحديات إعادة إعمار غزة.. بعد 15 شهرًا من حرب الإبادة

يناير 22, 2025

تحديات إعادة إعمار غزة.. بعد 15 شهرًا من حرب الإبادة

للكاتب: ظاهر صالح

 

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار الذي طال انتظاره حيز التنفيذ في قطاع غزة، وبعد حرب الإبادة التي تعرض لها سكان القطاع، تتجه الأنظار نحو الظروف المأساوية التي لن يتم تجاوزها بسهولة في ظل حاجة قطاع غزة إلى مليارات الدولارات لرفع الأنقاض وإعادة الإعمار. يتسم الوضع اليوم بالتعقيد، ويبرز ملف الخسائر في المباني والممتلكات العامة والخاصة والبنية التحتية إلى الواجهة، حيث تقف غزة أمام تحديات عديدة ومعقدة. وسيجد سكان القطاع في الأيام القادمة ظروفًا قاسية خلفها العدوان الوحشي الذي استمر 471 يومًا.


بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف دمارًا كبيرًا وأزمات إنسانية عميقة، باتت التحديات تثقل كاهل السكان الذين عانوا منذ 7 أكتوبر 2023. وتبرز أولويات ملحة في قطاع غزة المدمّر، وتحتاج إلى معالجات سريعة لتحقيق استقرار نسبي وبدء عملية إعادة الإعمار، وإسكان آلاف العائلات التي دمر جيش الاحتلال منازلهم، وإجراء صيانة عاجلة للبنية التحتية، وتوفير تمويل دولي عاجل لذلك.

لقد خلّف العدوان على قطاع غزة دمارًا هائلًا، حيث فقد أكثر من مليون شخص منازلهم، وفقًا لبيانات البنك الدولي. وتعرض ما يقرب من 90% من المرافق الصحية للأضرار أو التدمير، كما دمرت المدارس أو تحولت إلى ملاجئ للنازحين. وأظهر تقرير للأمم المتحدة نشر في العام الماضي أن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد يستمر حتى عام 2040 على الأقل، وقد يطول الأمر أكثر من ذلك.


ووفقًا لبيانات أقمار صناعية للأمم المتحدة نشرت في ديسمبر، فإن ثلثي المباني في غزة قبل حرب الإبادة، أي أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض. وهذا يعادل حوالي 69% من إجمالي المباني في قطاع غزة. كما ذكرت تقديرات للأمم المتحدة أن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245,123 وحدة سكنية. وقال مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حاليًا إلى مأوى في غزة.

ذكر تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولي أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار حتى نهاية يناير 2024، وأثرت على المباني السكنية والمحلات التجارية والمصانع والمدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة. وأظهر تحديث صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية هذا الشهر أن المتاح الآن من إمدادات المياه أقل من ربع الإمدادات قبل الحرب، في حين تعرض ما لا يقل عن 68% من شبكة الطرق لأضرار بالغة.


كما أظهرت صور أقمار صناعية حللها خبراء أمميون أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة، والتي تعد حيوية لإطعام السكان الجوعى في القطاع الذي مزقته الحرب تدمرت بشكل بالغ. وتكشف البيانات زيادة في تدمير البساتين والحقول والخضراوات في القطاع الفلسطيني، حيث ينتشر الجوع على نطاق واسع بعد 15 شهرًا من القصف الإسرائيلي. وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة العام الماضي إن 15 ألف رأس من الماشية، أو أكثر من 95% من إجمالي الماشية، ونحو نصف الأغنام، قد ذُبحت أو نفقت منذ بدء الحرب. دُمرت أو تضررت مئات المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية ودور العبادة. وتُظهر البيانات الفلسطينية أن الحرب أدى إلى تدمير أكثر من 200 منشأة حكومية و136 مدرسة وجامعة و823 مسجدًا وثلاث كنائس.

وأورد تقرير مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن العديد من المستشفيات تهدمت أو تضررت أثناء الحرب، حيث لم تعد تعمل سوى 17 فقط من أصل 36 مستشفى، وبصورة جزئية في يناير. وتضررت أكثر من 70% من المدارس، التي تدير الأونروا الجزء الأكبر منها، والتي لجأ العديد من المدنيين إليها هربًا من القتال. وأحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) 408 مدارس لحقت بها الأضرار، أي ما يعادل 72.5% على الأقل من هذه المنشآت التعليمية التي تفيد بياناتها بأن عددها 563. ومن بين هذه المنشآت، دُمّرت مباني 53 مدرسة بالكامل وتضرر 274 مبنى آخر جراء النيران المباشرة.


وتُعد غزة من المناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر في العالم، حيث كان 2.3 مليون شخص يعيشون في القطاع البالغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا قبل الحرب. ووفق تحليلات عبر أقمار صناعية أجراها متخصصون بالجغرافيا في جامعة ولاية أوريغون، فإن 56.9% من مباني غزة تضررت أو دُمّرت حتى 21 أبريل 2024، لتصل إلى ما مجموعه 160 ألف مبنى. وفي مدينة غزة التي كانت تعد 600 ألف نسمة قبل الحرب، فإن الوضع غاية في الخطورة، إذ تضررت أو دُمّرت ثلاثة أرباع (80%) مبانيها تقريبًا.

هاجم جيش الاحتلال عدة مستشفيات في غزة بشكل متكرر خلال الحرب، زاعمًا أن حماس تستخدمها لأغراض عسكرية، وهي تهمة تنفيها الحركة. وخلال الأسابيع الستة الأولى من الحرب، أشير إلى أن 60% من المنشآت الصحية قد تضررت أو دُمّرت، بحسب تحليلات جامعة أوريغون. واستُهدف أكبر مستشفى في القطاع (مجمّع الشفاء الطبي) في مدينة غزة بهجومين شنّهما جيش الاحتلال، الأول في نوفمبر 2023 والثاني في مارس 2024. وأفادت منظمة الصحة العالمية بأن العملية الثانية حولت المستشفى إلى “هيكل فارغ” تناثرت فيه الأشلاء البشرية.


أشارت الأمم المتحدة في أكتوبر إلى أن إزالة 42 مليون طن من الركام الذي خلفه قصف جيش الاحتلال قد تستغرق سنوات وتكلف 1.2 مليار دولار. وأشار تقدير للأمم المتحدة في أبريل 2024 إلى أن الأمر سيستغرق 14 عامًا لإزالة الأنقاض. وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن ثلثي المدارس ستحتاج إلى عمليات إعادة إعمار كاملة أو رئيسية لتعود إلى الخدمة. وقدّرت الأمم المتحدة أنه حتى مطلع مايو 2024، ستكلف إعادة الإعمار ما بين 30 و40 مليار دولار.

دمرت حرب الإبادة اقتصاد غزة وقلصته إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022. وذكر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أن العمليات العسكرية أدت إلى “أزمات إنسانية وبيئية واجتماعية غير مسبوقة”. وأظهر التقرير أن إجمالي الناتج المحلي في غزة انخفض بنسبة 81% في الربع الأخير من عام 2023، مما أدى إلى انكماش بنسبة 22% للعام بأكمله. وتعرض القطاع الخاص لأضرار كبيرة، إذ تأثرت 82% من الشركات التي تعتبر المحرك الرئيسي لاقتصاد غزة.


ختامًا.. إن قضية إعمار قطاع غزة ليست مجرد قضية مادية، بل هي حق وقضية إنسانية ملحّة تمس كرامة الإنسان وحقه في العيش في بيئة آمنة وكريمة. لذلك يجب العمل بسرعة لإعادة الإعمار في غزة، واعتبار ذلك أولوية قصوى لإعادة الأمل والاستقرار إلى القطاع. وعلى المجتمع الدولي أن يتعاون ويتحمّل مسؤولياته تجاه غزة التي تعاني حصارًا خانقًا يزيد من تعقيد الأزمة

شارك

مقالات ذات صلة