إن لم يكن وقف إطلاق النيران في غزة انتصارًا للمقاومة، فماذا يكون الانتصار؟
لما يقارب خمسمائة يوم، لم تكن حرب مقاومي غزة ضد الاحتلال فقط، بل ضد قوى العالم بأسره. خلف الكيان المحتل، وقفت ثروات العالم، وأجهزته الاستخباراتية، وأسلحته المتطورة، وروبوتاته القتالية. أما هم، فلا جيش لديهم ولا مصانع ولا تمويل، بل يعيشون تحت حصار محكم برًا وبحرًا وجوًا. أعلن الاحتلال مرارًا أنه لن يهدأ له بال حتى يقضي على المقاومة ويفككها تمامًا، ويقتل أهل غزة في صمت.
اليوم، تخرج المقاومة وكأنها أقوى من الأمس. العالم، الذي نسي فلسطين أو تآمر لتحويلها إلى ذكرى من الماضي، يتذكرها اليوم ويتعامل معها ومع مقاومتها كواقع يفرض نفسه.
نعم، قد يلوم المحبطون، أو المطبعون، متسائلين: “ما الثمن؟”. وهنا، يجب أن نذكر أن ضحايا فلسطين ليسوا ضحايا المقاومة، بل ضحايا الاحتلال. هؤلاء الضحايا ليسوا نتيجة معركة البقاء، بل نتيجة مشروع الاحتلال الصهيوني لإبادتهم، سعيًا لتحويل فلسطين إلى دولة يهودية خالصة.
قد يتساءلون: “هل تحررت فلسطين؟ هل تحررت غزة؟ هل تحسن الوضع؟”. غالبًا، هؤلاء السائلون ليسوا من أهل غزة أو فلسطين، بل من دول تواطأت مع الاحتلال، مثل مصر التي شاركت في الحصار، أو الدول التي قدمت المعلومات أو الأموال مثل الإمارات والأردن.
أي مقاومة كُتب عليها مواجهة عدو يسعى لإبادتها، وفي الوقت ذاته مواجهة دول عربية فضّلت مناصرة العدو؟
دروس من “درب الدموع”
لا نعلم يقينًا إن كان التحرير سيأتي أو إن كانت فلسطين ستصبح ذكرى مؤلمة. لكننا نعلم أن المستعمر لا يفرق بين السلمي والمقاوم. كما حدث في “درب الدموع” في أمريكا، عندما هُجّر السكان الأصليون قسرًا دون مقاومة، فلم تشفع لهم سلميتهم، وماتوا جوعًا وبردًا ومرضًا.
رغم كل التحديات، حققت المقاومة إنجازات عظيمة. الاحتلال، الذي ظن أنه سيضعف غزة، فشل فشلًا ذريعًا. فشل في تهجير أهل غزة إلى سيناء، فشل في تفكيك المقاومة، وفشل في تحقيق الأمن لدولته.
إذا أردنا قياس نجاح المقاومة، فلننظر إلى ما حققه الاحتلال:
لم يتمكن من تحرير أسراه، رغم أكثر من 70 ألف طن من القنابل.
أفلس ميناء إيلات، وخسر معركة الرأي العام العالمي.
شهد هجرة عكسية واسعة، تجاوزت مائة ألف مستوطن.
بينما تحارب المقاومة وحدها، محاصرة فوق الأرض وتحت الأنفاق، تغيب عن دعمها دول الجوار، بل وتحاربها. ومع ذلك، لا يسعنا إلا الانحناء احترامًا لإنجازاتها، آملين التحرير الكامل وحقن دماء الفلسطينيين، والدعاء بالرحمة لشهدائهم الأبرار الذين رسموا بدمائهم خريطة للصمود.