مدونات
في خضم الصراع المحتدم الذي شهدته الأراضي الفلسطينية، وتحديداً قطاع غزة، بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، تأكد للجميع أن المقاومة كانت وما زالت صامدة، رغم كل الآلام والدمار الذي عصف بالقطاع. ورغم الضغوط العسكرية الهائلة، وبغض النظر عن الحجم الهائل للدمار الذي لحق بغزة، كانت المقاومة الفلسطينية قادرة على إظهار قوة لا يُستهان بها، مُبددة بذلك كل الآمال الإسرائيلية في القضاء عليها.
تأسس هذا الصمود على فكرة أساسية تظل ثابتة في قلب المعركة الفلسطينية: الحق في الأرض والحرية لا يمكن أن يطوى أو يُمحى، وأن الشعب الفلسطيني سيظل يقاوم الاحتلال بكل وسيلة ممكنة. المقاومة، التي ربما لم يكن الكثيرون يتوقعون استمراريتها أمام آلة الحرب الإسرائيلية المتطورة، تمكنت من إرسال رسالة قوية مفادها أن هذه الأرض ليست ساحة مفتوحة للاحتلال، بل هي موطن لنضال طويل الأمد.
رغم الحصار والمجازر، لم تقتصر المقاومة الفلسطينية على مجرد الدفاع عن نفسها، بل تمكّنت من تنفيذ عمليات عسكرية مُركّزة ضد أهداف إسرائيلية حيوية، مُظهرة بذلك قدرات لوجستية وعسكرية متطورة. هذه العمليات كانت بمثابة صدى لرغبة الفلسطينيين في استعادة كرامتهم، وتأكيداً على أن الأمل في النصر ليس مجرد حلم بعيد المنال، بل هو أمر ممكن ومستمر.
فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي، كانت محورية في هذا الصمود والتحدي. صحيح أن الآلة الحربية الإسرائيلية لا يمكن مقارنتها من حيث القوة المادية، إلا أن الصمود الفلسطيني كان هو السلاح الأقوى. فقد نُفّذت العمليات العسكرية بعناية وحرفية، تتماشى مع واقع غزة المدمر. ولم تقتصر المقاومة على العمليات العسكرية، بل كانت تحمل في طياتها رمزية سياسية، حيث أكدت أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالاستسلام، بل سيستمرون في النضال حتى زوال الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
من غير الممكن إغفال حجم الدمار الهائل الذي ألحقه الاحتلال الإسرائيلي بغزة. آلاف المنازل والمرافق المدنية دُمّرت، وسقط آلاف الشهداء والمصابين. هذه الخسائر الفادحة تركت أثراً عميقاً في المجتمع الفلسطيني، فقد دُمرت البنية التحتية التي كانت تُعتبر العمود الفقري للقطاع. ومع ذلك، وسط هذا الدمار، ظهرت روح المقاومة الفلسطينية في صور جديدة، معبرة عن تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في الحياة، وفي بناء غزة من جديد.
إنه لواقع مرير أن يضطر الإنسان إلى التعامل مع التدمير اليومي لمنازله ومدينته، لكن الفلسطينيين أظهروا مرونة لا تُصدق حتى في ظل الحصار. أظهرت المقاومة استعدادًا لبناء ما يُدمَّر، مُؤمنة بأن غزة، رغم المحن، ستظل قادرة على النهوض مرة أخرى. الحرب لا يمكن أن تمحو الهوية، والمجتمع الفلسطيني، رغم ما تعرض له من قصف، يظل متماسكًا ومستعدًا لاستئناف الحياة. ذلك هو المعنى الحقيقي للصمود: البناء وسط الأنقاض.
على الرغم من كل التحديات العسكرية، كانت المواجهة على الجبهة السياسية جزءاً لا يتجزأ من هذه الحرب. ومع تزايد الضغوط الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بدأت دول العالم تدرك أن استمرار الحرب دون إيجاد حل دائم سيؤدي إلى المزيد من التأزم. لذلك، بدأت القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بالرغم من تحالفاتها التقليدية مع إسرائيل، تسعى إلى التفاوض على وقف إطلاق النار أو على الأقل الحد من التصعيد.
لكن النقطة الأكثر أهمية في هذه الحرب ليست في الانتصار العسكري لأي طرف، بل في الانتصار السياسي الذي حققته المقاومة. بعد أن كانت فلسطين تُعتبر قضية هامشية في بعض الأوساط الدولية، أصبح الحديث عن غزة والمقاومة جزءًا من النقاشات الدولية الكبرى. حتى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بدأ التدخل في القضية كوسيلة لإظهار قوته على الساحة العالمية، مما يشير إلى تغيير في ديناميكيات العلاقة بين القوى الكبرى وواشنطن.
ما يعكسه هذا الاهتمام الدولي هو أن فلسطين أصبحت جزءًا من التوازنات السياسية الدولية، وأن المقاومة الفلسطينية نجحت في نقل القضية من صراع عسكري إلى صراع سياسي يأخذ الأبعاد العالمية. ورغم أن بعض المحللين يرون أن الضغوط الدولية كانت تهدف إلى إنقاذ إسرائيل من هزيمة دبلوماسية، إلا أن الحقيقة الواضحة هي أن إسرائيل أصبحت مضطرة للحديث عن وقف إطلاق النار مع الحفاظ على شكل من أشكال التنسيق الأمني في القطاع.
السؤال الأهم يبقى: ماذا بعد الحرب؟ من المهم أن نتذكر أن معركة غزة ليست فقط معركة سلاح، بل هي معركة إرادة. حتى لو تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن مهمة إعادة إعمار غزة ستكون معركة جديدة بكل المقاييس. غزة تحتاج إلى المساعدة الدولية لإعادة بناء ما دمرته الحرب، لكن هذه المساعدات لن تكون حلاً كافيًا ما لم تكن هناك ضمانات حقيقية لحماية حقوق الفلسطينيين، وتوفير الفرص الحقيقية لإعادة بناء حياتهم.
إعادة إعمار غزة لن تقتصر على البناء المادي، بل يجب أن تشمل دعمًا سياسيًا، اقتصاديًا، واجتماعيًا، في ظل واقع سياسي معقد. غزة بحاجة إلى حلول مبتكرة لتحسين وضعها الاقتصادي والاجتماعي. ولن يكون ذلك ممكنًا إلا إذا جرت تسوية سياسية تضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة.
رغم أن الحرب قد ألحقت أضرارًا جسيمة، إلا أن المقاومة الفلسطينية تظل رمزًا للأمل. غزة التي كانت في الماضي مركزًا للصراع الدامي أصبحت اليوم نموذجًا لصمود لا يُضاهى. وبينما تواصل إسرائيل تنفيذ سياساتها العسكرية، يظل الفلسطينيون، رجالاً ونساءً، في الداخل والخارج، متمسكين بأرضهم وحقوقهم.
الدمار لم يكن النهاية، بل كان بداية جديدة لنضال طويل. وعلى الرغم من أن المستقبل يظل غامضًا، إلا أن الحقيقة الوحيدة التي يرفض الاحتلال أن يعترف بها هي أن المقاومة الفلسطينية قد فرضت إرادتها على طاولة المفاوضات الدولية. فهذه المقاومة هي التي أسفرت عن انتصار سياسي بامتياز، وستظل حية في قلوب الفلسطينيين والأحرار في العالم مهما اشتدت الصعاب. وفي ظل هذه المعركة الطويلة، تبقى المقاومة الفلسطينية قوة دافعة نحو تحقيق التحرير الكامل لأرض فلسطين، مع تأكيد أن القضية الفلسطينية هي قضية عزة وكرامة. ستظل فلسطين تنادي بالتحرر.