آراء
بطولات في غزة لا تنتهي! آخرها بطولة الدكتور البطل الأسير عند الاحتلال، مدير مستشفى كمال عدوان، الدكتور حسام أبو صفية.
يواجه الدبابات بمفرده. يأبى أن يترك المستشفى مع القصف المستمر. بل بالعكس، يستخدم منصته ومنصبه لجلب الانتباه لما يتعرض له آخر مستشفى متبقٍ في شمال غزة من انتهاكات، وهو يعرف مصيره. فقد سبقه إليه الدكتور الشهيد عدنان البرش – طبيب وبطل مستشفى الشفاء – الذي عُذب في سجون الاحتلال حتى الموت.
ها هو الدكتور حسام، مزدوج الجنسية، ولديه الإمكانية لإنقاذ حياته والعيش بحرية وأمان يقوم بأعمال بطولية مركبة. يأبى أن يغادر غزة. أن يعتذر باحتياج أطفاله إليه.
بل يستمر في معالجة المرضى وإدارة المستشفى. ثم، عند شن حملة غاشمة في قصف المستشفى وتدميرها وحصارها، بدلا من الرحيل في صمت، يصمد ويستغيث ليلفت ما تبقى من أنظار العالم التي صرفت نظرها عن غزة- والمأساة المركبة في شمالها.
ربما ما يبعث بعضا من الأمل، ما جلبت بطولته من حملة التضامن حول العالم للإفراج عنه. وإجبار الاحتلال بالاعتراف باعتقاله بعدما نفى بداية، ليؤكد الخبر ثم يعتبره أنه كان خطأ.
يبعث الأمل، أنه بعد مرور عام على الإبادة، وبينما يقاوم الفلسطينيون أن لا يصبح أسراهم وشهداءهم مجرد أرقام لا نعرف عنها شيئا وتمر على القارئ -أو حتى لا تمر- أن يسطع نور بطل آخر من غزة، يجذب الانتباه، ويعيد الانتباه لغزة، لصمودها، لمعاناتها، لبشاعة مغتصبيها.
وفي ذات الوقت، وما يحزن القلب، أنه عند المرور على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، أجد مظاهرات وحملات من أطقم طبية حول العالم -العالم الأجنبي- ويخفت الصوت العربي لدرجة أن خبر صموده داخل المستشفى، وأهوال المستشفى، واعتقاله جراء صموده، وحملات التضامن معه، تكاد تمر دون خبر، إن لم تكن لكتابات وحملات المتضامنين الأجانب!
نعم، حللنا وفسرنا. بلادنا مقموعة…تم إفقارها وتخويفها وقمعها…وهزيمتها!
ولكن!! حتى الهزيمة درجات. فهل هزيمتنا مطلقة لهذه الدرجة. لدرجة أن بلادنا العربية بمئات الملايين، وآلاف الأطقم الطبية والمنشئات والكليات والجامعات، باتت عاجزة عن التضامن مع طبيب يتعرض للاعتقال والتعذيب بجرم أنه يعترض على قصف مستشفى وقتل المرضى!
أو أن نسلط الضوء على مستشفى يتم قصف فنائها بالروبوتات! نحن أمام بشاعات لم نظنها ممكنة إلا في أفلام الرعب للخيال العلمي. ها هي اليوم تصبح حقيقة، دون أن تلفت نظر دولنا!
يشعر المرء بالخزي أن سقف مطالبنا في مرحلة كهذه هو لفت النظر، والاستنكار. لكن.. في ظل الخمول والهزيمة المطلقة التي أصابتنا، لربما علينا أن نذكر العالم أن البطولة ما زالت ممكنة، فالأبطال حولنا كل يوم، لكننا نحن الذين صرفنا أعيننا. أن نذكر عالمنا أن التضامن ممكن، فحملات التضامن مع طبيب غزي فلسطيني عربي انتشرت في أنحاء العالم. وأن نذكر عالمنا أن اعتقال طبيب يدافع عن حق المرضى في تلقي العلاج في المستشفيات بأمان دون أن يقصفوا ويقتلوا في أسرتهم ويشردوا هو أمر جلل، يستحق -على الأقل- الاستنكار!