مدونات
الكاتبة: هنادي اللبابدة
قد يكون من السابق لأوانه التنبؤ بما قد يؤول إليه الوضع في سوريا ودول الجوار بسبب التغييرات الكبيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط بوتيرة متسارعة خلال العامين السابقين والتي كان آخرها عملية ردع العدوان والتي أطاحت بحكم عائلة الأسد الذي امتد لستين عاما، عملية سيكون لها ما بعدها، ولن يتوقف إثرها عند الحدود السورية، بل قد تكون آذانا ببداية حقبة جديدة تحريك المياه الراكدة.
خلال أحد عشر يوما وفي عملية خاطفة ومباغتة وغير متوقعة زحفت المعارضة السورية من المناطق الشمالية الشرقية لتستولي على المدينة تلو الأخرى لتعلن وبعد أحد عشر يوم سيطرتها على مدينة دمشق العاصمة والإعلان رسميا عن الإطاحة بحكم بشار الأسد الذي فر برفقة عائلته إلى روسيا، انهيار مدهش لم يتخيله ولم يتوقعه حتى أكثر المتفائلين بنجاح عملية ردع العدوان ورغم الخفايا الكثيرة للساعات الأخيرة للإطاحة بالأسد والتي تتكشف يوما بعد يوم، فإن سقوط الأسد يعد زلزلا سياسيا سيمتد أثره لكافة مناطق الشرق الأوسط وأنه أشبه بإلقاء حجر بمجرى مياه راكدة، سيكون أثره على المدى الطويل أثر قد يعصف بمنطقة الشرق الأوسط التي تغلي أساسا وتعيش على صفيح ساخن من السابع من أكتوبر 2023 بارقة للشعوب ونكسة لقوى الاستبداد.
قد يكون وقع الإطاحة بالأسد مؤلما لأنظمة الاستبداد في منطقة الشرق الأوسط والتي عملت على مدار أربعة عشر عاما وبعد سلسلة ثورات منيت بالفشل على تطبيق سياسة القبضة الحديدية فاكتظت السجون بالمعارضين وطبقت الأحكام العرفية والعسكرية وتحولت البلدان العربية لثكنات عسكرية فجُردت المؤسسات من سلطتها وعُطِّل القانون، وسيطرت العسكرة على كافة مناحي الحياة ظنًا منها أن إحكام القبضة الأمنية سيمكنها من الصمود لعقود وأن الشعوب العربية قد تم ترويضها، خاصة بعد قمع ثورات الربيع العربي التي دفعت المواطن العربي لليأس من إمكانية التغيير، وأنه لن يستطيع بصدر عار مجابهة العسكر، وأن عليه الانحناء للعاصفة حتى لا ينتهي به المطاف في أقبية سرية مظلمة، أو جثة هامدة تمتلئ بآثار التعذيب.
ثم تأتي عملية ردع العدوان وفي لحظات تاريخية فارقة وحساسة لتخلط الأوراق وتعيد تشكيل منطقة الشرق الأوسط وتزلزل أركان الأنظمة الاستبدادية لعلها تعيد حساباتها، والعبرة لمن اعتبر، ولتعيد الأمل للمواطن العربي بأن التغيير قادم لا محالة.
أشهر طغاة القرن الواحد والعشرين لاجئ في روسيا، قد لا يكون من السهل التصديق كيف انتهى المطاف بشخص ملأ أركان سوريا رعبًا وفزعًا، صاحب الصيت السيئ بالتنكيل بالمعارضين، فكان سجن صيدنايا شاهدًا على واحدة من أسوأ الحقب التاريخية، وواحد من أسوأ السجون سمعة في العالم، ارتُكبت داخله أبشع الجرائم اللاإنسانية، فخرج الأسرى ليروا أكثر القصص ترويعًا في التاريخ البشري.
لم يكن سجن صيدنايا سوى واحدًا من سلسلة سجون تنتشر في كافة أنحاء سوريا، سجونًا لإرهاب وترويع المعارضين، وكما يقال “الابن سر أبيه”، فبشار لم يكن يختلف عن أبيه الذي قوض مدينة حماة في ثمانينات القرن العشرين وقتل الآلاف من أبنائها، إضافة إلى ماهر الأسد الذي أشرف بشكل شخصي على تعذيب وإعدام الآلاف من المعتقلين السياسيين. ولسرد تاريخ هذه العائلة الإجرامي قد لا يكفي مقال واحد، ولكن تبقى الحقيقة التي ترفض الأنظمة العربية تصديقها بأن أثر الفراشة قد يُسقط سدًا، وأن هذه الأنظمة مهما زادت تعاظمًا وإجرامًا، فإن السقوط وارد وقد يكون بوتيرة لا يتوقعها حتى معارضو هذه الأنظمة.
ويعود ذلك إلى أن تلك الأنظمة قائمة على بنى هشة ومتهالكة، فالخوف لن يساعدك على بناء دولة، قد يساعدك على الصمود لبعض سنوات وربما عقود، ولكن السقوط المدوي سيكون مصيرك الحتمي بمجرد أن ينكسر حاجز الخوف لدى من كانوا يهابونك، قلة من الثوار الذين قرروا تقديم أنفسهم كقرابين للتغيير، سرعان ما تتحول تلك القلة إلى أغلبية مطلقة تجتاح البلاد وتزلزل أركان الاستبداد.
دروس وعبر للأنظمة والشعوب
سيقف التاريخ طويلًا أمام هذا السقوط التاريخي لطاغية الشام، سقوط يفتح أفقًا للشعوب للتصديق بإمكانية التغيير مهما طال ليل الظلم، وأن فجر التغيير قادم، وأن تقويض ثورات الربيع العربي ليس نهاية المطاف، وأن أنظمة الاستبداد ينخرها الوهن وإن تظاهرت بغير ذلك.
وأن أي تصادم قادم قد يكشف ضعف و وهن تلك الأنظمة، وأن على الشعوب أن تستعد للتغيير القادم. أما الأنظمة فعليها أن تستخلص الدروس والعبر من سقوط بشار، الذي فاق أباطرة العالم طغيانًا ومع ذلك سقط كما لم يكن، وطويت صفحته للأبد. وأن استمرار هذه الأنظمة في استخدام سياسة القبضة الأمنية، سيكون وبالًا عليها كمن يدق مسمارًا أخيرًا في نعشه. فهل ستعي الأنظمة العربية الدرس؟!