آراء

لماذا نكتب عن فلسطين؟

نوفمبر 21, 2024

لماذا نكتب عن فلسطين؟

يظن بعض الناس أن الكتابة عن القضية الفلسطينية لا تحقق أي أثر على أرض الواقع، فهي ليست إلا عبارات تُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي وينساها الناس مع الأيام. ربما آمن البعض بهذه الفكرة وأصبح يرى الكتابة عن فلسطين هدفها زيادة التفاعل في منصات التواصل الاجتماعي، ولا يوجد أي أثر حقيقي لها. فهل هذا التصوّر صحيح؟ تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أثر الكتابة عن القضية الفلسطينية على تغيير الواقع، وهو -بعكس ما يظنه الكثيرون- تأثير كبير.


أهمية الصراع حول السردية


أحيانًا يكون الصراع في الساحة الإعلامية، وليس في الميدان، وذلك في جميع القضايا. في القضية الفلسطينية تحديدًا، يدور الصراع حول السردية منذ أكثر من سبعة عقود! وهو صراع مستمر بين السردية الصهيونية التي تسعى إلى تقديم الرواية الإسرائيلية على أنها “قصة شعب” يبحث عن وطن له، مقابل السردية الفلسطينية التي تحكي عن معاناة شعب لا يزال يعاني من الاحتلال، والتهجير، وتدمير وطنه، وزهق أرواحه.

 

هنا يتجلى دور الكتابة بوضوح؛ فهي ليست مجرد نقل للوقائع، بل هي أداة لتشكيل الفهم العام للأحداث. ما يُكتب عن قضية فلسطين، سواء كان مقالًا، كتابًا، أو حتى قصة، يمكن أن يكون له دور محوري في كيفية تقديم هذه السردية للأجيال القادمة. فعندما تتكرر تلك السرديات في وسائل الإعلام وفي الكتابات الأدبية والثقافية، تُصبح جزءًا من التاريخ الذي يتوارثه الناس.

 

إن الصراع حول السردية ليس فقط صراعًا على من يمتلك الحق في أن يروي التاريخ، بل هو صراع على تحديد الحقيقة نفسها، إذ أن الكتابة تلعب دورًا أساسيًا في هذا الصراع من خلال التأكيد على رؤية بديلة، وإظهار الحقيقة من منظور مختلف. وهذا ما يجعل الكتابة وسيلة فاعلة في تعزيز الوعي بالقضايا الحقوقية.


الصراع الإعلامي

 

في عصرنا الحالي، أصبح الإعلام بمختلف أشكاله أداة قوية في نقل المعلومات والتأثير على الرأي العام. فعندما يتم تسليط الضوء على القضايا الحقوقية في وسائل الإعلام، يتشكل الوعي العالمي بها. وفيما يخص قضية فلسطين، نجد أن التغطية الإعلامية الدولية لها تتسم بالتحيز، سواء من خلال إبراز الرواية الصهيونية، أو عبر تغييب بعض الحقائق الهامة. وبالتالي، يصبح الصراع الإعلامي جزءًا لا يتجزأ من الصراع على السردية.

 

من خلال الكتابة، يمكن تصحيح هذا التحريف الإعلامي والتأكيد على الحقائق التي يُحاول الإعلام المُتحيز تجاهلها. المقالات، التقارير، والكتابات الأدبية التي تركز على معاناة الفلسطينيين، على سبيل المثال، تقدم منصة لتسليط الضوء على جرائم الاحتلال، وتدعو إلى العدالة. الكتابة عن هذه القضايا تصبح أداة لإيصال صوت من لا صوت لهم، وإعطاء الزخم للمطالب الفلسطينية في المحافل الدولية.

 

الكتابة قد تلعب دورًا مهمًا في تقديم صورة متكاملة حول القضية التي ربما لا تتناولها وسائل الإعلام التقليدية. لاحظ أن بعض الكتابات تسلط الضوء على جوانب إنسانية في حياة الفلسطينيين، مثل معاناتهم اليومية تحت الاحتلال، وتاريخهم الثقافي والحضاري الذي يتم محوه مع مرور الزمن. هذا النوع من الكتابة يرد على الصور النمطية التي يحاول الغرب رسمها عن فلسطين والشرق.

 

الكتابة وتأثيرها على الأجيال القادمة

 

تتمثل إحدى أهم فوائد الكتابة حول القضايا الحقوقية في قدرتها على تغيير مواقف الأجيال القادمة. الكتابة ليست مجرد فعل ترفيهي أو تمرين عقلي، بل هي وسيلة لإحداث تأثير اجتماعي وثقافي على المدى الطويل. عندما يقرأ الشباب اليوم عن قضية فلسطين في الكتب أو المقالات، أو يستمعون إلى روايات مؤثرة وقصص معبرة، فإنهم لا يقتصرون على الحصول على معلومات، بل يتشكل لديهم وعي جديد بشأن عدالة القضية الفلسطينية.

 

من خلال الكتابة، يمكن للأجيال القادمة أن تتعرف على الحقيقة، وأن يفهموا السياق التاريخي والسياسي، فالكتابة هي الوسيلة التي يمكن أن تضع النقاط على الحروف وتُعطي الشباب أدوات التفكير النقدي التي تمكّنهم من تحديد موقفهم الأخلاقي. وعلى المدى البعيد، يمكن لهذه الكتابات أن تُساهم في إنتاج جيل جديد يدافع عن الحقوق ويطلب العدالة، لا سيما عندما يرتبط الأمر بقضية كبرى مثل قضية فلسطين، وقد لاحظنا ذلك في حراك طلبة الجامعات الذي اجتاح العالم.

 

الكتابة وسيلة للإصرار على القضية

 

الكتابة عن قضية فلسطين، أو أي قضية حقوقية أخرى، هي بمثابة بذل جهد فكري وثقافي في سبيل إثارة الوعي، وحشد الدعم، وتعميق الفهم. الكتابة لا تكتفي بالإخبار، بل تساهم في تكريس فكرة أن هذه القضايا ليست عابرة، بل هي قضايا ينبغي على كل فرد أن يتفاعل معها، فالمسلم لا يسكت عن الظلم ولا يخذل إخوانه.

 

حتى إذا لم تتمكن الكتابة من تغيير الواقع بشكل فوري، فإنها تظل أداة أساسية في الحفاظ على الذاكرة الجماعية، وهي وسيلة لتوجيه العالم نحو معالجة الظلم. ومن هنا، يمكن أن نعتبر الكتابة أداة للتغيير، تبدأ بالكلمة وتستمر في التأثير على كل من يقرأ، لتتحول إلى حركة اجتماعية وثقافية يمكن أن تحقق التغيير المرجو في المستقبل.


الخاتمة

 

إن الكتابة عن القضايا الحقوقية، مثل قضية فلسطين، تفتح لنا أبوابًا واسعة لفهم أعمق للأحداث، وللتأثير في تشكيل مواقف الأجيال القادمة. إنها لا تقتصر على سرد الوقائع فقط، بل هي عملية نضال فكري تُسهم في نقل الحقيقة، وتحدي السرديات الخاطئة، وممارسة التأثير على المدى البعيد. الكتابة ليست مجرد أداة تعبيرية، بل هي عمل سياسي وثقافي له أثره العميق على تحفيز الوعي الجماعي، وخلق جيل واعٍ قادر على تبني قضايا الحق والعدالة.



شارك

مقالات ذات صلة