آراء
أصبح من الطبيعي أن تشاهد مباراة كرة قدم في الدوري الإنجليزي فتلاحظ علم فلسطين بين المدرجات. ولم يعد مستغرباً أن تكون القضية الفلسطينية حاضرة في المدرجات الرياضية. كيف حدث ذلك؟ ولماذا تداخلت الرياضة مع السياسة؟
كيف حدث ذلك؟
لطالما كانت الرياضة وسيلة لتهذيب البدن وتسلية النفس وتعزيز الصحة، وقد وحّدت الشعوب تحت غطاء تنافسي واحد. ولكن التاريخ يظهر أن الرياضة لم تعد نشاطاً بدنياً فحسب، بل على العكس، أصبحت ساحة صراع بين أقطاب العالم. وفي أحيان كثيرة، كانت الرياضة وسيلة تعبير عن قضايا حقوقية وأيديولوجيات معينة.
عندما اقتحمت روسيا أوكرانيا في عام ٢٠٢٢، طرد الاتحاد الأوروبي المنتخب الروسي واستبعده من المشاركة في المحافل الدولية. أصبحت الرياضة في هذا السياق أداة ضغط سياسية. ولا شك أن الاستبعاد من البطولات الرياضية الكبرى كثل كأس العالم أو البطولات القارية له آثار كبيرة على سمعة الدولة وحضورها الدولي.
هذه السياسات قديمة، وقد كان منتخب جنوب أفريقيا من المنتخبات التي تُستبعد وتُعزل بسبب سياساتها العنصرية. ولا يخفى عليك عزيزي القارئ أن منتخب الكيان لم يُعزل إلى الآن من أي بطولة، فالمؤسسات الرياضية الرسمية تتعامى عن هذه الجرائم، ولكن الجماهير تلوّح بها دون تنازل.
التأثير السياسي للرياضة
تعمل المؤسسات الرياضية اليوم بالتوازي مع المؤسسات الدبلوماسية، إذ أنها واجهة تمثّل الدولة وتعكس مواقفها السياسية. ولأن القضية الفلسطينية قضية حق يدركها كل عاقل، فقد وجدت مساحتها في عالم الرياضة، وأصبحت من القضايا التي تملأ المدرجات، بجانب قضايا حقوقية أخرى.
القول بأن الرياضة لا تنفصل عن السياسة هو تصريح دقيق ومنطقي. فالرياضة، باعتبارها ساحة مفتوحة للتنافس، هي في جوهرها تتداخل مع قوى سياسية واقتصادية واجتماعية. فالتحديات التي يواجهها الرياضيون خارج الملعب ليست أقل أهمية من تلك التي يواجهونها داخل الملعب. من الحرب الاقتصادية إلى القوانين التي تحد من حرية الحركة والمشاركة، جميعها عوامل تتداخل مع السياسة.
وعلى الرغم من محاولة البعض الفصل بين الرياضة والسياسة، فإن التاريخ الحديث والقديم أثبت أن الرياضة تُستخدم كوسيلة فعّالة للتعبير عن المواقف السياسية. في عالم اليوم، لا يمكن للأحداث الرياضية الكبرى أن تتم دون التأثر بالظروف السياسية العالمية.
المقاطعة الرياضية
وفي حال تم السماح لمنتخب يمثل دولة مارست تطهيراً عرقياً أو دعمت الإرهاب، فإن ذلك يُعد بمثابة تطبيع مع هذه السياسات المرفوضة. فالمشاركة تُعتبر نوعاً من الاعتراف بشرعية الأنظمة التي تتبنى هذه السياسات المدمرة، سواء كانت على مستوى الرياضة أو السياسة الدولية.
حرمان هذه المنتخبات من المشاركة في المحافل الرياضية -كما حدث مع جنوب أفريقيا وروسيا- يقدّم رسالة رفض صريحة وواضحة بأن سلوك هذه الدولة مرفوض وأن شرعيتها ليست قائمة.
من خلال هذه المقاطعة، يتم إرسال رسالة واضحة: أن الدول التي تتورط في دعم الإرهاب، أو تمارس العنصرية ضد فئات معينة من شعوبها، لا يمكن أن تتمتع بالشرعية الدولية في ساحات الرياضة.
الدور الإعلامي
مقاطعة المنتخبات التي تمثل دولاً مارقة ذات سياسات عنصرية أو إرهابية لا يعد مجرد فعل رياضي عابر، بل فيه رسالة قوية تؤكد على ضرورة الفصل بين الرياضة والأنظمة القمعية.
المشاركة مع هذه المنتخبات لا تعني فقط التنافس، بل أيضاً الاعتراف بشرعية هذه الأنظمة. من خلال هذه المقاطعة، يتم إرسال رسالة إلى العالم أن الرياضة يجب أن تظل مساحة للسلام والمساواة، وأن الدول التي تروّج للعنف والكراهية لا مكان لها في الساحة الرياضية.
وعليه، فإن دور الإعلام في تسليط الضوء على هذه الانتهاكات هو عامل حاسم في محاربة هذه السياسات المدمرة، ويجب أن يكون أكثر حزماً وشفافية في تعاطيه مع هذه القضايا الإنسانية الهامة.
الخاتمة
هذه المقالة كُتبت تزامناً مع أحداث الاعتداء على جماهير الكيان في أوروبا، وهي الجماهير التي لم تحترم دقيقة صمت على ضحايا الأسبان، وهي الجماهير التي تعمّدت تمزيق علم فلسطين، وهي الجماهير التي هتفت “الموت للعرب” بالعلن.
ولا تتعجب إلا من “الورع البارد” الذي يمتلكه البعض، فهو يرفض أي وجود للقضية الفلسطينية في الرياضة، ولكن لا يمانع القضايا الأوروبية مثل الشذوذ وأوكرانيا.
ومن كان مهتماً بالمجال الرياضي، فمن الأولى أن يستنكر قصف الكيان للرياضيين في غزّة، فقد دفن الكيان أحلامهم، وأصبح أكثرهم ضمن الشهداء، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.