رَوَتْ الرَّاهبةُ الكاثوليكية الأم تريزا قصَّةً حدثتْ معها، فقالتْ:
كنتُ أزورُ مصنعًا في الهند، فلفتَ انتباهي عاملٌ في زاويةٍ من زوايا المصنع ينشدُ الأهازيج، وتعلو مُحيّاه علامات السعادة، فاقتربتُ منه، فإذا هو يجمعُ البراغي ويضعها في عُلبٍ خاصة شأنه شأن بعض رفاقه بالقرب منه، فزاد هذا الأمر استغرابي.. فسألته: ماذا تفعل؟
فقالَ: أنا أصنع طائرات!
فقلتُ له باستغرابٍ: تصنعُ طائرات؟
فقال: أجل يا سيدتي أصنعُ طائرات، هذه الطلبية لشركة تصنيع طائرات، والطائرات العملاقة التي تركبينها لا يمكن أن تطير دون هذه البراغي الصغيرة!
نظرتنا لأنفسنا هي التي تُحدد قيمتنا في الحياة!
فارقٌ كبير بين من يرى نفسه جامع البراغي في عُلبٍ، وبين من يرى نفسه شريكًا في صنع الطائرة!
فارقٌ كبير بين من لا يرى من وظيفته إلا الأجر الذي يجنيه، وبين من يرى الأثر الذي يتركه!
كلّ عملٍ مهما كان بسيطًا يترك أثرًا في هذا العالم، تحتاج فقط أن تنظر إلى هذا الأثر!
أنتَ لستَ مجرّد كنّاسٍ للطريق، أنتَ شخص يُجمّل وجه مدينة!
أنتَ لستَ مجرّد نجّار، أنتَ إنسان يحمي البيوت من الشمس والريح!
أنتَ لستَ مجرد خيّاط، أنتَ تهب الناس لمسة أناقة!
أنتَ لستَ مجرّد خطيب على المنبر، أنتَ تُعبّد طريق الناس إلى الله!
أنتَ لستَ مجرّد مُدرس صبيان، أنتَ صانع رجال!
أنت لستَ مجرد مهندس وصانع جسور ، أنتَ منشئ الوصل بين الناس!
أنتَ لستَ مجرّد طبيب، أنتَ مخفف آلام!
أنتِ لستِ مجرّد ربة أسرة، أنتِ أهم شخص في العالم، أنتِ بأمر الله واهبة هذا الكوكب قاطنيه، أنتِ أول مُربٍّ وأهمُّ مُربٍّ فليس هناك صناعة أعظم من صناعة الإنسان!
الذي لا يرى من عمله إلا الأجر الذي يتقاضاه فقط، هو إنسان أعمى لا يرى!
هناك أثر يجب ألا يغيب عن بالنا، وهو الذي يجعل العمل رسالة، ويهب الإنسان قيمته، وقيمة الإنسان الحقيقية هي بالطريقة التي ينظر بها إلى نفسه، لا بالطريقة التي ينظر بها إليه الآخرون، لا أحد يستطيع إذلالك ما لم تكن أنت تشعر بالإذلال في داخلك فعلًا، ولا أحد يستطيع رفع قيمتك ما لم تكن أنتَ تشعر بقيمة نفسك!
أدهم شرقاوي