فنون
“ميزيري” الذي أُنتِجَ في عام 1990، هو واحد من أروع أفلام الإثارة والرعب النفسي في تاريخ السينما، وقد أخرجه “روب رايْنَر”، وهو مبني على روايةٍ تحمل الاسم نفسه للكاتب الشهير “ستيفِن كينغ”، التي أصدرها في عام 1987، وتولّى الكاتب “وليام غولدمان” الفائز بجائزة الأوسكار مرّتين في السابق مهمة اقتباس الرواية وصياغتها كنصٍ سينمائي مُحْكَم.
تبدأ أحداث الفيلم مع الكاتب الروائي الشهير “بول شيلدون”، الذي يعتزل في كوخ جبلي لينهي مسودة روايته الجديدة من سلسلة “ميزيري”، ويتخذ قرارًا بقتل بطلتها “ميزيري”، إذ رأى أنّ الوقت قد حان لوضع نهاية لهذه السلسلة التي رافقته لأعوامٍ طويلة، وبعد مغادرته الكوخ وسط عاصفة ثلجية، يتعرض لحادث سيارة مروّع يتركه عاجزًا في العراء.
تنقذه من الموت “آني ويلكس”، وهي ممرضة سابقة تعيش وحيدة في منزل معزول وتُعلن أنّها أكبر معجبيه، وفي البداية يبدو الأمر وكأنّه معجزة، لكن سرعان ما ينكشف الوجه الآخر لـ “آني” حين تكتشف في مسودّة الرواية أنّ “ميزيري” تموت، فيتحوّل إعجابها المرضي إلى هوس عنيف، وتسجن الكاتب الجريح وتفرض عليه إعادة كتابة الرواية بالطريقة التي تريدها هي، ومع اعتقاد الجميع أنّ “بول شيلدون” قد مات، يعيش الكاتب صراعًا مرعبًا داخل ذلك المنزل المعزول، محاولًا النجاة بعقله وجسده من قبضة امرأة مجنونة.
فازت “كاثي بيتْس” بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، وتمّ تصنيف أدائها لشخصية “آني ويلْكْس” من قِبَل النقّاد كأحد أفضل الشخصيات الشريرة في تاريخ السينما الأمريكية، ولم يكن الفيلم ليصل لهذه الشعبية لدى الجمهور لولا أداؤها الرهيب الذي أشاد به الجميع، وعلى رأسهم “ستيفن كينغ” نفسه، كما أنّ “جيمس كان” قدّم أداءً رائعًا بشخصية “بول شيلدون”.
كان “ستيفن كينغ” يحمل خوفًا حقيقيًّا من القرّاء الذين لا يكتفون بالإعجاب، بل يريدون امتلاك الكاتب وتحديد ما يكتبه وكيف يكتبه، فخلال فترة ازدهار مسيرته كان يتلقى رسائل متكررة من بعض المعجبين المتطلّبين، الذين يلحّون عليه كي يعود إلى نوعٍ أدبي معيّن أو شخصيات محدّدة ابتكرها في بداياته، ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الإلحاح إلى هاجس داخلي: ماذا لو أصبح الكاتب سجينًا لرغبات جمهوره؟ ماذا لو رأى المعجب أنّ له الحقّ في التحكم بمصير الشخصيات كما لو كانت ملكه الخاص؟
ومن هنا جاءته فكرة رواية “ميزيري”، التي لم تكن فقط قصة مرعبة عن كاتب يُحتجز في منزل امرأةٍ مهووسة، بل كانت انعكاسًا مباشرًا لصراع “ستيفن كينغ” نفسه مع فكرة “المعجب المتملّك” الذي تتجاوز علاقته بالكاتب حدود القراءة لتصبح مطالبة، ثمّ ضغطًا، ثمّ سلطة غير مرئية، وقد ابتكر شخصية “آني ويلكس” لتكون تجسيدًا لهذا الخوف: امرأة تؤمن أنّ لها الحقّ الكامل في تقرير مصير روايات “بول شيلدون”، تمامًا كما كان بعض القرّاء يفعلون معه، ولكن بصورة رمزية أقل خطورة.
بلغت ميزانية إنتاج الفيلم 20 مليون دولار، وحين عُرِض الفيلم في دور السينما في أمريكا والعالم حقّق نجاحًا لافتًا، بإيراداتٍ وصلت إلى أكثر من 60 مليون دولار، ولا يزال الفيلم إلى يومنا هذا محافظًا على شعبيته الكبيرة كواحدٍ من أفضل أفلام الإثارة والرعب النفسي.



