فكر

بين حكمت الهجري والملازم نمر: تشابه الأدوار في خدمة الخارج وهدم الداخل

سبتمبر 28, 2025

بين حكمت الهجري والملازم نمر: تشابه الأدوار في خدمة الخارج وهدم الداخل

في التاريخ والسياسة، كما في الدراما، تتكرّر الشخصيات وتتشابه الأدوار وإن اختلفت الأزمنة والسياقات. هذا ما نراه حين نقارن بين شخصيّة حكمت الهجري، الذي نصّب نفسه شيخاً أوحد على الطائفة الدرزيّة في سوريا، مرتهناً إلى أجنداتٍ خارجية، وبين شخصيّة الملازم نمر في مسلسل باب الحارة، الذي ادّعى أنّه “مأمون بن كامل الضبع” والذي أُرسل من سلطات الاحتلال الفرنسيّ لشراء الولاءات داخل الحارة وهدمها من الداخل. كلاهما يقدّم نفسه باعتباره جزءاً من الجماعة، لكنّه في العمق أداة بيد قوى خارجيّة تعمل على تفكيك البنية الاجتماعيّة والسياسيّة، مستغلة المال والوعود والتهديدات.

برز حكمت الهجري في السنوات الأخيرة بصفته شخصيّة تحاول أن تفرض نفسها مرجعية مطلقة على الطائفة في سوريا، متجاوزاً تقاليدها الراسخة القائمة على التعددية القيادية والتوازن بين المشايخ. مستنداً إلى علاقته بنظام الأسد المخلوع، والذي قدّمه بوصفه شخصيّة اعتباريّة تحظى بمكانةٍ خاصة في القصر الجمهوري، مانحاً إياه امتيازات واسعة في مناطق نفوذه في السويداء، ووصولاً مباشراً إلى ضباط نظامه، مقدماً إياه كصاحب اليد الطولى في حل المشاكل.

بالمقابل، أُرسل الملازم نمر في مسلسل باب الحارة باعتباره أحد أبناء الحارة المهاجرين، محاطاً برجالٍ يلبون أوامره، مالكاً خط اتصال مباشر مع سلطات الانتداب الفرنسيّ، خادعاً أهل الحارة بوهم قدرته على فتح الأبواب ومنح الامتيازات المعيشية، وحل مشاكلهم. هذا الوهم دفع عدداً من رجالات حارة الضبع إلى تصديقه وتسليمهم له شؤون حياتهم وحارتهم.

إلا أنّ الهجري لم يكتف بمحاولة الهيمنة الداخليّة على السويداء، والحصول على امتيازات داخلية وحصة أكبر من الكعكة السورية، والتي قد تُفهم ضمن سعي الإنسان للسلطة والسيطرة، والمحافظة على امتيازاتٍ هي في الحقيقية ليست ملكه، بل ربط مصيره بخطوطٍ خارجيّة واضحة. من خلال خطاباته ومواقفه ومطالبته بتدخل الاحتلال الإسرائيلي مباشرة في الشأن السوريّ، تحت ذريعة “حماية الطائفة”. بهذا المعنى، لم يعد مجرّد شيخٍ محلي أو ديني، بل تحوّل إلى واجهة لمشروعٍ خارجيّ تقوده إسرائيل، لاستخدام الطائفة أداة ضغط في الملف السوري.

وسائل الهجري في ترسيخ سلطته لم تكن نابعة من القبول الشعبيّ العفوي، بل اعتمدت أساساً على قربه من نظام الأسد، ثمَّ على المال السياسي الذي يأتي من الخارج. توزيع المساعدات المالية وشراء الولاءات داخل الطائفة جعل المشهد أقرب إلى شبكة محسوبية مدعومة بتمويلٍ أجنبي، لا إلى زعامة روحية حقيقية. هذا الأسلوب يكشف عن هشاشةٍ شرعيته، ويضعه في موقع من يسعى لتفكيك النسيج الاجتماعيّ من الداخل خدمةً لقوى لا يهمها استقرار سوريا.

كما استغل حكمت الهجري وزبانيته الانتهاكات التي ارتكبها بعض عناصر السلطات السورية في السويداء، أداة للترهيب وإيهام أبناء الطائفة أنهم يواجهون خطراً قد يؤدي إلى زوالهم. في المقابل، كان من الأجدر به أن يطالب بمحاسبة كلّ من ارتكب هذه الانتهاكات ومن أصدر الأوامر، بل وحتى المطالبة بإسقاط الحكومة أو السلطة التي عجزت عن حماية الضحايا. وعند الحديث عن الضحايا، لا بدّ من التذكير بأنّ عائلات من البدو والعشائر في المنطقة، إضافة إلى أبناء الطائفة السنية ومسيحيي السويداء، تعرضوا للانتهاكات والتهجير على يد رجال الهجري.

في المقابل، بينما ادّعى الملازم نمر أنّه أحد أبناء حارة الضبع وقدّم الدعم والمساعدة لأهلها، لم يتمكن إلا أبو محمود الختيار، الكبير في السن، من كشف حقيقته. ومع ذلك، لم يصدِّقه أهل الحارة عندما كان يردّد: “كذّاب، وحياة الله كذّاب، مأمون ابن كامل الضبع مات من زمان”، فلا دليل لديه سوى ذاكرته الهرمة. أمّا مواقف حكمت الهجري وماضيه فهي ليست خافية على أيّ سوري، فصوره مع بشار الأسد وصور حافظ الأسد المعلقة في مضافته منتشرة بالصوت والصورة في كلّ مكان، ولا تحتاج إلى شهادة أحد. ودعواته لتقسيم سوريا واستجداء نتنياهو، قاتل أطفال غزة، تكشف بوضوح طبيعة أفعاله ومشروعه السياسي.

ما يجمع بين حكمت الهجري والملازم نمر أكبر من مجرّد تفاصيل متفرقة، بل هو جوهر واحد: أداة داخلية بوجه محلي تخدم مشروعاً خارجيًّا استعماريًّا أو احتلاليًّا. كلاهما لم يدخل من بوابة المواجهة المباشرة، بل من خلال باب الولاءات الداخلية.

وفي حين أنّ لا أحد يشكك في ولاء السوريين، ومن بينهم أبناء السويداء، لوطنهم، وربما لو كان ما نتعرض له اليوم اختراقاً خارجيًّا لكان عدد كبير منهم يواجه مع إخوته السوريين التهديد مباشرة، إلا أنّ الاختراق عبر “وجه داخلي” يُعد أكثر فعالية وأشد خطراً. فهذه الأدوات يُنظر إليها داخل المجتمع على أنّها “منّا وفينا”، ما يمنحها غطاءً شرعيًّا يسمح لها بتقويض البنية الداخلية دون مقاومة واضحة.

ويبقى المشهد الأخير واحداً رغم اختلاف السيناريوهات، كما عُلِّق الملازم نمر على باب حارة الضبع بعد كشف خيانته وقُتل رجالاته الذين استخدمهم لتمرير مشروعه، سيكون مصير حكمت الهجري، الذي سلّم الجنوب السوري ورقة مفاوضات مجانية تستغلها إسرائيل في كل مرة، ومصير رجالاته الذين يرفعون العلم الأزرق مطالبين نتنياهو باحتلال أراض سورية، بينما هم مشغولون بقتل أطفال غزّة التي لا تبعد خطّ نظر أكثر من 230 كيلومتراً عن السويداء، معلّقين أو مسجونين، أو في أحسن الأحوال هاربين مطاردين.

شارك

مقالات ذات صلة