فكر

من “خط أوباما الأحمر” إلى “خط أوجلان”: سوريا بين الوهم والواقع

سبتمبر 7, 2025

من “خط أوباما الأحمر” إلى “خط أوجلان”: سوريا بين الوهم والواقع

– الكاتب: مصطفى الجرادي

 

ما تزال مفردة “الخط الأحمر” حاضرة في القاموس السياسي، رغم مرور أكثر من عقد على ابتداع السياسة “الأوبامية” لهذا المصطلح الذي ترك أثراً بالغاً في الوعي السوري. فقد رسم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما خطاً أحمر لنظام الأسد آنذاك، محذراً من مغبة استخدام الأسلحة الكيميائية، وهو ما تم خرقه في مجزرة الغوطة بتاريخ 21 آب/ أغسطس 2013. يومها، وصفت صحيفة نيويورك تايمز ما حدث بأنه “عارٌ سيلاحق إدارة أوباما وإرثه السياسي”.

 

وبعد سنوات من غياب أوباما عن المشهد السياسي الأمريكي والدولي، وسقوط نظام الأسد الكيماوي في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، ظن كثيرون أن مصطلح “الخط الأحمر” قد اندثر مع النظام الذي خرقه. لكن مقابلة الزعيم الكردي التركي عبد الله أوجلان مع قناة JIN TV أعادت إحياء المصطلح، حين قال: “سوريا هي خطي الأحمر”.



تصريحات أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) المعتقل في جزيرة إمرالي، جاءت في سياق جهود إنهاء الصراع الكردي التركي المستمر منذ عقود، والذي أعلن في أيار/ مايو الفائت إنهاء التمرد وإلقاء السلاح. لكنها تزامنت أيضاً مع تعثر المسار التفاوضي بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والحكومة السورية الانتقالية، والذي بلغ ذروته في اتفاق 10 آذار/ مارس بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع والجنرال مظلوم عبدي.

 

ورغم محاولات دمج “قسد” ومؤسساتها ضمن الدولة الوليدة، تعثرت المفاوضات وألغيت قمة باريس التي كانت مقررة برعاية فرنسية أميركية. في هذا السياق، يعد تصريح أوجلان مؤشراً مقلقاً، خاصة في ظل تصاعد التوترات بين “قسد” والحكومة السورية، وتباين المواقف بين التصعيد والتهدئة.

وفي مقابلة بثت على قناة JIN TV، كشفت بيرفين بولدان عن تفاصيل محادثاتها مع أوجلان في إمرالي، مشيرة إلى دعمه لفتح قنوات مع السلطات الكردية في شمال شرق سوريا إذا تحقق تقدمٌ في المسار الداخلي التركي. وأضافت: “الزعيم قال أكثر من مرة إن سوريا خطه الأحمر”، معتبرة أن الانخراط مع الفاعلين هناك قد يساعد على رسم الخطوات التالية إذا تم الاتفاق على القواعد الأساسية.

 

بالتوازي، عبّر الحلفاء القوميون لأردوغان، وعلى رأسهم دولت بهجلي، عن تململ واضح، محذرين من “حتمية” عملية عسكرية في سوريا إذا فشل تنفيذ الاتفاق، فيما أشار أردوغان إلى إمكانية تنفيذ عملية مشتركة مع دمشق وقوات حليفة لنزع سلاح “قسد” بالقوة.

 

وبالعودة إلى الخط الأحمر”الأوبامي” القديم و”الأوجلاني” المستجد، تبرز مفارقةٌ لافتةٌ: الأول تراجع عن وعده الأخلاقي وتجنب التورط في سوريا، بينما الثاني، رغم سجنه منذ ربع قرن، يرسم خطاً أحمر من زنزانته، ويضعه في قلب الحسابات التركية والسورية والإقليمية، حيث تتقاطع المصالح في منطقة الجزيرة السورية (شمال شرق الفرات).

 

لطالما كانت الخطوط الحمراء في الشرق الأوسط دوماً أكثر من مجرد حدود سياسية؛ فهي تعبيرٌ عن صراعات الهوية، والنفوذ، والمصالح. وبينما تتغير الخرائط والتحالفات، تبقى هذه الخطوط مرآة تعكس هشاشة النظام الإقليمي، وتكشف عن عمق التناقضات التي تحكمه.

 

لم يكن الخط “الأوبامي” سوى وهم سياسي ساعد في إفلات النظام من العقاب، وأطال مأساة السوريين. أما الخط الأوجلاني الجديد، فيفتح المنطقة على صراعات وعنف لا يمكن توقع مآلاته، وإن كان يحتاج إلى المزيد من الوقت لنرى مدى جديته وتأثيره على الملف الكردي في تركيا وسوريا على حد سواء.

شارك

مقالات ذات صلة