سياسة
بدأت الاهتمام بهذه الرحلة بالذات ضمن رحلات بريطانية من سلاح الجو الملكي البريطاني تتردد بين قبرص وإسرائيل منذ فترة عُزِّزَ شَكِّي فيها بتغريدة دوّنها Matt Kennard مات كينارد – الصحفي المستقل عصر الجمعة في الرابع من يوليو تحديدًا قبل منتصف النهار بدقيقتين كتب فيها إنّ الناقلة الجوية البريطانية A400M ستقلع من قاعدة RAF Akrotoro البريطانية في قبرص إلى إسرائيل.
بعد التغريدة الأولى مباشرة دون ”Matt“ ثانية بأنّ خط سير الطائرة يلزمها أن تبقى في إسرائيل لمدة لا تزيد عن الساعة قبل عودتها للقاعدة الأمّ في قبرص. وختم Matt Kennard بأنّ المحكمتين الجنائية والعدل الدوليتين يجب أن تعرفا عن هذه الرحلة المَكُّوكِيَّةِ الجوية بالذات.
كتب حرفيًّا أنّ الحاملة يمكنها استيعاب ١١٦ جنديا وحاوية للأسلحة، وأنّ هذه الرحلة تتردد بشكل اعتيادي منذ بداية الإبادة الجماعية، لكنّ الحكومة البريطانية ترفض الإفصاح عن حمولة الطائرة .
ضمّن بحثي منذ فترة في تحقيقات سابقة عن دور لبريطانيا تحديدًا في دعم إسرائيل في جريمة الإبادة الجماعية أكتب هذا التحقيق. في هذا التحقيق انتهى عمل الزميل
Matt Lennard ويبدأ عملي.
الرحلة المشبوهة RRR9943
أقول مشبوهةً لعدة أسباب بالاستقصاء عن تفاصيل هذه الرحلة بالذات وعمّا وراءها.
أولًا: رصدتُ على مدار عام كامل أنّ هذه الطائرة تتردد بين قاعدتها البريطانية في قبرص RAF A400M وإسرائيل عدة مرات في الشهر منذ بداية حرب الإبادة على غزة، وعلى الأغلب تحمل إمّا سلاحًا أو جنودًا؛ أرجح ذلك كونها إذا هبطت فقط لمدة ساعة واحدة؛ فإنزال السلاح والجنود معًا سيستغرق بالتأكيد أكثر من ساعة.
ثانيًا: استوقفني أنّ الرحلة قبل الأخيرة هذه في الثالث من يوليو ٢٠٢٥ هبطت في إسرائيل لتنقل رعايا بريطانيين دون مطالبة الحكومة البريطانية إجلاء رعايا أو حتى دبلوماسيين، يعني تحوّلت الرحلة القادمة من قبرص RAF A400M إلى إجلاء ٢٢٠ من رعايا ومواطنين من الكومونويلث من مطار بن جوريون إلى القاعدة البريطانية في قبرص (سرا) ، وقد خُصّصَ جنودٌ وصلوا على متن الطائرة لهذه المهمة. هذا مشهدٌ خطيرٌ إذا كان تردد الطائرة بين قبرص وإسرائيل يسير بهذا المنوال في هدوءٍ وبهذه السرية؛ يعني ذلك أنّ إسرائيل تستشعر الخطر ومُقْدِمة على أسوأ مما نراه الآن، وللأسف يعني أنّ الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وغزة سترى مزيدًا من الشراسة والإجرام.
ثالثًا: بالبحث؛ كان لافتًا أن أرصد في مسار الرحلات الجوية ٦٠ طائرة بريطانية من طراز C-17 Globemaster III military transport في مطار بن جوريون منذ بدء حرب الإبادة على غزة، كل منها قادرة على حمل أسلحة و١٠٠ جندي. الأهم أنّ الطائرات البريطانية أقلعت بين قاعدتها في قبرص لإسرائيل وهي قاعدة يشغلها عملياتيًّا على أهبة الاستعداد حوالي ٤٣٠٠ جندي ، سيكون من بينهم على الأرجح قوات العمليات الخاصة.
رابعًا: الأدهى أنّ هذه القاعدة في قبرص تُستخدَم ”سرا“ من قِبَل القوات الجوية الأمريكية لنقل السلاح إلى إسرائيل. ما يعني ضلوع كامل من بريطانيا إن ثبت. عند سؤال الصحفيين لوزارة الدفاع البريطانية في مساءلة كتابية عن عدد الطائرات التي تستخدمها القوات الجوية الأمريكية في القاعدة البريطانية RAF Akrotiri منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ أجابت الوزارة في ١٣ مايو ٢٠٢٤ حرفيًّا بالتالي: ”وزارة الدفاع لا تعلق على عمليات حلفائنا“!
أُلاحِقُ بالأدلة منذ بدء حرب الإبادة الدورَ الذي يلعبه (الإمداد العسكري الأميركي والبريطاني تحديدًا)؛ بالاشتراك أو التواطؤ مع جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة. وقد أثبتنا في جلسة عمل استضافتها مؤسسة GIJN الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية في الثاني من أكتوبر ٢٠٢٤ حاورت فيها ثلاثة زملاء من الخبراء المختصين بالتسليح، أثبتنا فيه قطعيًّا وجود هذه الصلة ومدى تأثيرها على موقف إسرائيل في حرب الإبادة على غزة. يمكن لحضراتكم الاطلاع على أدلتنا وكيف توصلنا لها باللغة العربية في هذا الرابط.
كما أفاد تقرير المراقبة ”بعد فواح الشبهة“ من قبل القوات الملكية البريطانية عن الرحلات الجوية البريطانية فوق المجال الجوي للأراضي الفلسطينية المحتلة في الفترة ما بين ٣ ديسمبر ٢٠٢٣ و ٢٧ من مارس ٢٠٢٥، أنّ القوات الملكية البريطانية قامت ب ٥١٨ إقلاعٍ جوي معلنٍ مرصود في تقاريرها الاستخباراتية العلنية.
كذلك رد عضو حزب العمال لوك بولارد Luke Pollard عن وزارة الدفاع من ذات الحزب على النائب نيل دنكن Neil Duncan-Jordan في سؤاله لوزير الدولة للدفاع عن عدد المرات التي أقلعت فيها طائرات SHADOW R1 من قاعدة RAF Akrotiri في قبرص باتجاه غزة منذ التاسع عشر من يناير وبأي غرض؟ رد بولارد بتحديد موقفه السياسي بشكل بدا لي حادًا ويزيد من توريط الحكومة، إذ استهل إجابته بالتالي ” منذ الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، عملت الحكومة البريطانية مع شركائها في المنطقة ”يعني الشرق الأوسط“ لتأمين الرهائن بمن فيهم البريطانيين. ولتعزيز ذلك تقوم وزارة الدفاع بتنفيذ رحلات استطلاعية للمراقبة فوق شرق المتوسط، بما فيها رحلات فوق مجالي إسرائيل وغزة الجويين. ولتجنب أي شبهة، تفويضنا محدد جدًّا بالتركيز على تحرير الرهائن فقط، وكذلك فإن طلعاتنا الجوية الكاشفة غير مسلحة بالمرة ولا دور لها في أي معارك مطلقًا.“
إشكاليات محددة في هذا الرد المعلّب، بعضها قانوني:
أولًا) أتى الرد من نائب عن دائرة بليموث ساتون وميناء ديفون وليس من وزير الدفاع، وهذه الطريقة الإنجليزية المعتادة في الحط من شأن الرد إذا لم يكن السؤال سهلًا.
ثانيًا) أعرب النائب عن وجهة نظره المغايرة لما تجهر به الحكومة البريطانية على الأقل وقد رد في الثامن عشر من مارس ٢٠٢٥، يعني ذلك أنّ الجواب جاء بعد مظاهرات حاشدة شهدتها كل العواصم الأوروبية بما في ذلك لندن تناصر غزة وأهلها، لم تجرؤ الحكومة البريطانية أن تخرج عن النسق في تسمية ما يحدث في غزة بما يخالف ما سمته محكمة الجنايات الدولية أكثر من مرة باسمه القانوني: جريمة الإبادة الجماعية.
ثالثًا) لماذا تحتاج وزارة الدفاع البريطانية إرسال الحاملة العملاقة 17 Globemaster III لتنفيذ طلعات استكشافية فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة ولم تنفذ الطلعات بطائرات أصغر طالما أنها غير مسلحة وتفويضها فقط لإنقاذ الرهائن من البريطانيين كما ادّعى النائب بولارد؟!
رابعًا)
أخيرًا، من فوّض هذه المهام؟ ولماذا أعلنت عنها وزارة الدفاع فقط في ٢٠٢٥ بعد مساءلات كثيرة من النواب والصحافة؟ بينما بدأ تفويضها مبكرًا في الحرب على غزة في ٢٠٢٣؟ ولماذا تنقل الحاملة فعلًا الرعايا والمواطنين البريطانيين ( وليس الرهائن كما ادّعى النائب) سرا ومن دون إعلان أو السماح لمن تم إجلاؤهم بالحديث للصحافة والإعلام في بريطانيا؟
كلها هذه أسئلة تضفي شبهة على التفويض وظروفه وعلى الرحلة المسافرة من القاعدة RAF A400M.
بريطانيا تُصدّر ملحقات وأجزاء من المقاتلة F-35 لإسرائيل بحكم محكمة
بعد ظهر الثلاثين من يونيو ٢٠٢٥؛ قُل تحديدًا في الخامسة واثنتين وخمسين دقيقة مساءً بتوقيت لندن، كنت أنتظر قرارًا لمحكمة بريطانية رصينة، سَيَكُونُ لَهَا حُكْمٌ بِلَا سَابِقَةٍ، لَكِنَّ لَوَاحِقَ كَثِيرَةً سَتُبْنَى عَلَيْهِ، وهو ديدن قرارات المحاكم في بريطانيا. جاء القرار أن خسرت مجموعة من الحقوقيين متحصنين بالقانون المدني الإنساني دعوى ضد الحكومة أمام المحكمة العليا البريطانية بأنّ رفض الدعوى سيُمكّن الحكومة من تصدير ملحقات وأجزاء من المقاتلة F-35 لإسرائيل لا يمثل انتهاكٌ للقانون الدولي الإنساني. رفضت المحكمة الدعوى واستأنفت حكومة بريطانيا بالفعل إمدادها إسرائيل بما يلزم للمقاتِلة الأمريكية. ليس ذلك فقط وإنّما في حكمها الطويل (٧٢ صفحة) ادّعت الحكومة في إفادتها أنّ خطوة تجريم ومنع الحكومة البريطانية وأنّ الشركة العملاقة Lockheed Martin ونصيبها من إمداد مقاتلات F-35 وحوالي ١٦٪ من أجزائها يُعَدُّ تخليًا عن حلف شمال الأطلسي وأنّ المحكمة استمعت في جلسة مغلقة مدى خطورة حجب لوكهيد مارتن لم ينشأ أو يسمح للمملكة المتحدة لكي تمنع بريطانيا بالذات حجب مساعداتها عن إسرائيل. بريطانيا كانت قد أوقفت ٣٠ ترخيصًا من أصل ثلاثمئة من رخصة لإسرائيل في الثالث من سبتمبر ٢٠٢٤.
المستفز حقًا كانت تصريحات وزير الخارجية البريطاني في الثامن من الشهر الجاري يوليو ٢٠٢٥، التي لوّح فيها بأنّه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل لإطلاق النار، فإن المملكة المتحدة ستتخذ مزيدًا من الإجراءات تجاه إسرائيل، وهو ما نشرته إسرائيل على موقع The Times of Israel.
سجّلَت النشرات الرسمية البريطانية والعالمية – تحديدًا بتاريخ ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣ زيارة رسمية لرئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك، وفي استقباله عددٌ من المسؤولين الإسرائيليين أثناء هبوطه على متن الطائرة رقم ZM401، خرج من مؤخرة الطائرة المكدسة بالسلاح والذخائر.. بتتبع الطائرة ZM401 . أبدى رئيس الوزراء آنذاك ريشي سوناك تضامنا باللفظ والفعل مع إسرائيل في حربها على غزة. سير خط الطائرة اقتفيناه هنا.
السؤال الآن أين القانون الجنائي الدولي إزاء ما أثبتنا وغيرنا من التواطؤ في جريمة الإبادة الجماعية في غزة؟
في الأجزاء القادمة الإجابة.
تحقيقات سابقة بحثا عن الدور البريطاني في بالاشتراك أو التواطؤ في جريمة إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة:





