سياسة
بعد ظهر الثلاثين من يونيو ٢٠٢٥؛ قُل تحديدا في الخامسة واثنتين وخمسين دقيقة مساء بتوقيت لندن، كنت أنتظر قرارا لمحكمة بريطانية رصينة، سيكون لها حكمٌٍ بلا سابقة لكن لواحق كثيرة ستبنى عليه؛ وهو ديدن قرارات المحاكم في بريطانيا. جاء القرار؛ خسرت مجموعة من الحقوقيين متحصنين بالقانون المدني اٌلإنساني دعوى ضد الحكومة الإنجليزية أمام المحكمة العليا البريطانية بأن رفض الدعوى سيمكّن الحكومة من تصدير ملحقات وأجزاء من المقاتلة F-35 لإسرائيل لا يمثل انتهاكٌ للقانون الدولي الإنساني.
تجارة السلاح أهم من الإبادة في غزة!
رفضت المحكمة الدعوى واستأنفت حكومة بريطانيا بالفعل إمدادها إسرائيل بما يلزم للمقاتِلة الأمريكية. ليس ذلك فقط وإنما في حكمها الطويل (٧٢ صفحة) ادعت الحكومة في إفادتها أن خطوة تجريم ومنع الحكومة البريطانية وأن الشركة العملاقة Lockheed Martin ونصيبها من إمداد مقاتلات F-35 وحوالي ١٦٪ من أجزائها يعد تخليا عن حلف شمال الأطلسي وأن المحكمة استمعت في جلسة مغلقة مدى خطورة حجب لوكهيد مارتن لم ينشأ أو يسمح للملكة المتحدة لكي تمنع بريطانيا بالذات حجب مساعداتها عن إسرائيل. بريطانيا كانت قد أوقفت ٣٠ ترخيصا من أصل ثلاثمئة من رخصة لإسرائيل في الثالث من سبتمبر ٢٠٢٤.
سبق وأن أدرت ورشة عمل استضافتها مؤسسة GIJN الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية في الدور الذي يلعبه الإمداد العسكري الأميركي والبريطاني في الحرب الإسرائيلية في غزة. حاورت فيها ثلاثة زملاء خبراء مختصين بالتسليح.
ما استشرفت به هذا المقال لا يخرجنا أبدا عن سياق القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط الذي خصصنا له مقالين متتابعين، فهذه الأحكام التي تجرد السلطات القضائية وعمق الهوة بينها وبين شعوبها التي نراها تنتفض اليوم تلو الآخر في محاولة شديدة الضغط لوقف الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة، وتؤشر للتطبيع مع اللا إنسانية برد بارد.
القواعد الأمريكية المهددة في الشرق الأوسط (٢)
القوات الأمريكية (الجنود)
ترمب ونتنياهو – الأصل غزة
خُطَط ضرب الولايات المفاعلات النوويةَ الإيرانيةَ مازال حُلْما لحوحا مزعجا مع مجموعة ٥+١ لعقود خلت قد تكون غوغائية ترمب حلما ليس مستحيلا. محفزات وعقوبات وحروب بالوكالة هنا واستهداف مصالح هنا. وكالمعتاد التهوا في مصالحهم وأطماعهم وخوفهم من إيران، نسوا غزة! فلسطين تُركت لحالها تحارب فوق المدرعات والدبابات استهدافات الآلية الثقيلة بالعين الجبانة التي استهدفت قوافل الإغاثة والطحين بعد أن أتت على المستشفيات وفرق الإنقاذ و أونروا.
في المقال الفائت كتبت مفصلا عن المواقع الأمريكية الحساسة عسكريا في الشرق الأوسط بما فيها مواقع لحلف شمال الأطلسي.
أما وقد عددت ذلك فعلي في هذا المقال أن أدقق في أسئلة قانونية وماهية الأسلحة الإيرانية للمواقع الأمريكية في المنطقة من زوايا محددة:
ما مشروعية الضربة الأمريكية للمفاعلات الأيرانية وانخراطها في الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟
السؤال الذي لم يٌسأل ترمب عنه لا في الولايات المتحدة ولا ناتو ولا حتى الأمم المتحدة عدا مجلس الأمن الذي – للحق كان خطابا محترما من المندوب المصري – هو لماذا لم تتغير تركيبة مجلس الأمن من خمسة دول شُكلت بعد الحلفاء والمحور بعد الحربين العالميتين.
السؤال الأكثر أهمية هل تدخل الولايات المتحدة في الحرب بين إسرائيل وإيران أو أي دولة أخرى في المنطقة قانوني؟ من سمح لترمب بالتدخل المسلح في دولة أخرى؟ في الحادي والعشرين من يونيو دخلت طائرات أمريكية B-2 stealth bombers حاملة القنابل التي أطلقت أكثر من ١٢ قنبلة بصاروخ خارق massive “bunker-buster” bombs لمنشأة ”فوردو“ لتدميرها وقد كتبت عن ذلك باستفاضة، و ونشرَت “سطور” تصاميم منشأة فوردو الحصينة و القنبلة الأمريكية المستخدمة والطائرة الخارقة للمراقبة B2 Stealth.
هذه الطائرة التي أمر ترمب تحريكها وإطلاقها صوب ثلاث مفاعلات داخل المنشآت النووية لما سماه ترمب ونتنياهو ضرب ما قال الاثنين إنه ”تهديد ضاغط“. أين الكونجرس من هذه القرارات؟ دخول حرب وإطلاق آلات حربية أميركية وتوريط واشنطن. ليس في الكونجرس فقط؛ الحقيقة أن الغضب والخشية كانت المكتب البيضاوي الذي ينفذ أوامر شخص بتهور ترمب وخروجه كليا على البروتوكول السياسي والعسكري المؤسساتي بما يخل بدور الولايات المتحدة المعتاد.
ترمب يقرع إسرائيل!
كانت المرة الأولى في التاريخ المعاصر حقيقة أن نرى رئيسا أمريكيا يوبخ إسرائيل بهذه اللهجة، صحيح أنه وبخ إيران أيضا بسبب وقف إطلاق النار، ثم كتب على حسابه للتواصل بصيغة الأمر ” إسرائيل! لا تلقوا القنابل! إذا فعلتم فهذا خرق كبير. أعطوا أوامر لطياريكم بالرجوع فورا! ارجعوا فورا! بإمضاء دونالد ترمب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية“
لم أر من رئيس أمريكي هذه اللهجة أبدا ضد إسرائيل. ويبدو أنه تلقى تقريعا لا أتخيله، لأنه خرج بعدها ب ٤٨ ساعة يطالب بإسقاط التهم الجنائية عن ”بي بي“ نتنياهو داخل إسرائيل لأنه يواجه حملة كالتي تعرض هو نفسه لها! عبث! وصب على نتنياهو يمجد دوره في غزة ولا يجب أن يتعرض أيضا ل“حملة كثيفة عليه“ في قضايا الفساد والذمة المالية.
هل علم الكونجرس أو شارك بقرار البيت الأبيض؟ كلا!
الخلاصة: على ترمب وهذا ما يعد له الكونجرس حاليا هو مساءلة ترمب أمام لجنة العلاقات الخارجية – هذا لو قبل الحضور – أولا عن ماهية وصلاحياته كرئيس – أو بالأحرى باعتقاده هو عن صلاحياتي في هذا الشأن – كي يصدر قرارا بتحريك قوات أو عتاد من دون موافقة الكونجرس. سيكون أسبوعا حافلا.
إذا ما قرر ترمب ضربات عسكرية جديدة ضد إيران، على الأرجح لن تتلقى الجيوش في المنطقة مهما بالغت بالحفاوة به الآن لهوة تزداد اتساعا بين الشعوب والحكام. على ذلك لن يجد غير العسكريين الأميركيين في قواعد الولايات المتحدة في المنطقة لخوض القتال، وربما من أكثر من جبهة.
اللافت فعلا هو أن بوارج أمريكية حُّركت بالفعل من قواعدها بعضها يحمل سفنا حربية أثناء الضربات بين إيران وإسرائيل.عديد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط الآ في حدود الثلاثين ألفا بينما ٤٠ ألف رُفع إلى ثلاثة وأربعين ألفا.التقى ترمب برئيس الأمن القومي الأمريكي الخميس .
مصادر التقرير
https://www.foreign.senate.gov/imo/media/doc/121317_Bellinger_Testimony.pdf
https://www.cfr.org/expert-brief/does-trump-have-authority-strike-iran