مجتمع

لجان الحقيقة في سوريا: من توثيق الانتهاكات إلى تفكيك خطاب الكراهية

يونيو 29, 2025

لجان الحقيقة في سوريا: من توثيق الانتهاكات إلى تفكيك خطاب الكراهية

في مسار العدالة الانتقالية، تُعد لجان الحقيقة من أهم الأدوات التي تُستخدم لكشف الانتهاكات وتوثيق معاناة الضحايا. لكن في السياق السوري، لا يقتصر دور هذه اللجان على كشف الجرائم فقط بل يمتد إلى مهمة حساسة ومصيرية: فضح الخطاب الطائفي والتحريضي الذي تم توظيفه لتأجيج الصراع وتفتيت المجتمع، فالخطاب الطائفي لم يكن عرضاً جانبياً في الثورة السورية، بل أداة مركزية استُخدمت من قبل النظام ومؤيديه  لتبرير العنف، وبناء سرديات أدت إلى تقسيم السوريين.

 

 

من خلال توثيق منهجية استخدام هذا الخطاب، وتحديد من روجه وكيف أثّر على المجتمعات، يمكن كسر دائرة الكراهية، ومساءلة الذين استخدموا الإعلام والدين والسياسة لإشعال الفتن.

 

 

توثيق الحقيقة هنا لا يعني الانتقام أو الثأر، بل وضع رواية موحدة منصفة للتاريخ، تعترف بآلام الجميع وتمنع إعادة إنتاج نفس الأدوات في المستقبل.

كما تعمل لجان الحقيقة على تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تم تداولها لتشويه بعض الشخصيات أو المجموعات، وتبرئة أو تلميع آخرين، فطوال سنوات الثورة، تم اتهام كثيرين بأنهم “خدموا النظام” أو “أطالوا في عمره”، بينما في الواقع، كان بعضهم ضحية مباشرة للابتزاز، أو مُجبراً تحت التهديد، أو حتى مخترقاً من قبل مؤسسات أمنية فرضت عليه حدوداً لا يُمكن تجاوزها.

 

 

في المقابل، هناك من ظهروا بمظهر المعارض أو الحيادي، بينما ساهموا بشكل فاضح في ترسيخ النظام القائم من خلال خطابهم الطائفي أو التحريضي أو استثمارهم في آلام الناس لكسب شرعية كاذبة.

 

 

لذلك، فإن توثيق الحقيقة بشكل محايد لا يعني فقط عدّ الانتهاكات، بل الغوص في عمق السياق، وفهم طبيعة الضغط، ومتى كانت الأفعال ناتجة عن قناعة، ومتى كانت ناتجة عن الخوف أو التلاعب.

 

 

العدالة الانتقالية الحقيقية:

  • تُفرّق بين الضحية الحقيقية والمُضلَّل والمُجبر.
  • تُعرّي من تاجر بالخطاب الطائفي باسم المعارضة أو الوطنية.
  • تُعيد الاعتبار لأشخاص شوهتهم آلة الدعاية الطائفية.
  • وتُعلي من قيمة الحق، لا الانتماء.
 
 

إن تصحيح الروايات ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة لبناء مجتمع لا يُعيد إنتاج أعدائه الداخليين من جديد. ولأن لكل تجربة خصوصيتها، من المهم أن ننظر إلى نماذج ملهمة استطاعت مواجهة هذا التحدي بشجاعة، وهنا مثالان بارزان من التاريخ الحديث يقدمان دروساً قوية: جنوب أفريقيا ورواندا

 

جنوب أفريقيا

 

بعد عقود من نظام الفصل العنصري، لم يكن أمام البلاد سوى مواجهة الحقيقة كاملة، فأسست لجنة الحقيقة والمصالحة لا لكشف الجرائم المباشرة فقط، بل أيضاً الأيديولوجيا العنصرية التي صاغت عقول الناس وبرّرت العنف والتمييز.

 

 

استمعت اللجنة إلى شهادات من ضحايا عُذّبوا وشُرّدوا، وإلى اعترافات من مسؤولين ومثقفين وإعلاميين تورّطوا في إنتاج خطاب الكراهية وتضليل الرأي العام.

 

 

كانت رسالتها واضحة: لا يمكن أن ندفن الماضي دون فضحه أولاً، ولا يمكن بناء مستقبل مشترك ما لم نعترف بكل طبقات الظلم، بما فيها تلك التي بدأت بالكلمة والفتوى والمقال.

 

 

رواندا 

في رواندا، الإبادة الجماعية لم تولد في يوم وليلة، فعلى مدى سنوات، زرعت إذاعات وصحف ومسؤولون خطاباً تحريضياً يشيطن التوتسي ويبرّر إبادتهم، وبعد المأساة، أنشأت رواندا لجنة وطنية للوحدة والمصالحة، عملت على تفكيك السرديات العنصرية التي غذّت القتل الجماعي.

 

،لم تكتفِ اللجنة بتسجيل عدد الضحايا، بل درست كيف استُخدم الإعلام والدين لتعبئة الناس وإلغاء إنسانية الآخر.

ومن هناك، بدأت برامج إعادة التأهيل والتعليم، لتأسيس ذاكرة وطنية تعترف بالجريمة وتُحصّن الأجيال ضد إعادة إنتاجها.

شارك