أدب

سوريا في عيون شعرائها

يونيو 27, 2025

سوريا في عيون شعرائها

– عصام يزبك


منذ آلاف السنين، كانت سوريا ملتقى الحضارات الكبرى، ومعبر الشعوب، ومهد الكتابة الأولى في أوغاريت، شهدت أراضيها مولد التاريخ الإنساني، وصنعت دمشق أقدم مدينة مأهولة في العالم، وظلت عبر العصور منارةً للعلم، والفن، والأدب.

 


في ظل كل هذه العراقة، لم يكن غريباً أن تكون سوريا، بتضاريسها الساحرة وأمجادها القديمة، مصدر إلهام لكبار الشعراء، إذ لم تكن مجرد وطن؛ كانت قصيدةً مفتوحة على الأبدية، سكنها الشعراء في قلوبهم، ونسجوا من حروفها أناشيد حب ووفاء لا تنتهي.
في هذه الرحلة، سنقرأ سوريا في عيون شعرائها: حباً، وفخراً، وحلماً مستمراً.

 

 

نزار قباني: دمشق، نبض القلب الأول

 

نزار قباني، ابن دمشق، لم يكن شاعر غزل فقط، بل شاعر وطن وشغف ووجع، كتب عن دمشق بحنين العائد إلى حضن أمه، وحنان العاشق لأول حب، في إحدى قصائده الشهيرة يقول:


“فرشتُ فوقَ ثراكِ الطاهـرِ الهدبـا
فـيا دمشـقُ.. لماذا نبـدأ العتبـا؟
حبيبتي أنـتِ.. فاستلقي كأغنيـةٍ
على ذراعي، ولا تستوضحي السببا”
دمشق عند نزار كانت أكبر من مكان، كانت هوية وذاكرة وجرحاً جميلاً يحمله أينما ارتحل، وفي قصيدة أخرى يخاطبها قائلاً:
“دمشقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي
أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟”


بكلماته، تحولت دمشق إلى أسطورة من العطر والياسمين والدموع.

 

 

بدوي الجبل: لواء الكرامة وسيف المقاومة

 

بدوي الجبل (محمد سليمان الأحمد) كان شاعر الكبرياء السوري، في زمن الاحتلال الفرنسي، حمل قضيته بقوة السيف، وجعل من كلماته خنجراً مغروساً في خاصرة الاستعمار، كما كتب عن سوريا بشجاعة لا تعرف الخوف:


“إن الذي خلق البيان المفصحا
جعل العروبةَ شعلةً لا تخمدا”
وفي قصيدة أخرى، يرسم بدوي صورة الشعب الحر الذي لا ينكسر:
“يا شامُ أهلوكِ أحرارٌ توثّقهم
بالسيف لا بالضنى أو بالدّمِ النّوبُ”.
لم تكن سوريا عند بدوي الجبل وطناً جغرافياً فقط، بل كانت معركة مستمرة للكرامة والشرف.

 

 

محمد الماغوط: مرآة الوطن الجريح

 

بين سطور الحزن والتمرد، كتب محمد الماغوط عن سوريا، لا بحبرٍ، بل بالدمع والأمل الخافت، في زمن الهزائم والانكسارات العربية، جسد الماغوط وجع الوطن المسحوق وأحلام البسطاء.
كتب بمرارة عن وطنٍ يحلم بالحرية:


“آه يا وطني…
كنتُ أراكَ جميلاً من بعيد،
والآن أراكَ كجرحٍ لا يندمل”.

الماغوط، رغم سوداويته الظاهرة، كان يغزل في أعماق نصوصه أملاً عنيداً لا يموت.

 

 

سلمى الحفار الكزبري: سوريا الأنثى الخالدة

 

سلمى الحفار الكزبري، الأديبة والشاعرة الدمشقية، حملت في قلبها صورة سوريا النقية المضيئة، وغنت لها بأعذب الألحان، ،كتبت عن سوريا كمن يكتب عن حب أبدي:


“سوريا…
يا حضنَ الأيام
يا رحيق الطفولة،
ويا وردةً لا تذبلُ مهما طال الخريف.”
عبرت سلمى، عبر قصائدها ونصوصها، عن ارتباطها الروحي بالأرض، وكانت حاملة لرسالة المرأة السورية الحرة، الكريمة، والعتيدة مهما تقلبت الظروف.

 

وعن الحنين والشوق كتب حذيفة العرجي في قصيدة النصر

رجعتُ يا حمص.. لو تدرينَ كم قتلت

بنا المنافي، وكم أودت بنا المُدُنُ

أسيرُ فيكِ بعقلٍ لا يُصدِّقُ ما

تراهُ عيني، وحُبٍّ سِرُّهُ عَلنُ

مزعزعَ القلبِ.. مخنوقٌ ومُنبَسِطٌ

أبكي وأضحكُ، بي حربٌ، وبي هُدَنُ

 

 

عجَزتُ واللهِ أن ألقاكِ مُتَّزناً

كيفَ المشاعرُ في المشتاقِ تتَّزنُ؟

 

سوريا في القصيدة: حكاية لا تنتهي

 

كل شاعر من هؤلاء حمل سوريا في قلبه بطريقة مختلفة، فلدى نزار قباني كانت الحبيبة التي لا تعوض، وعند بدوي الجبل كانت راية المقاومة والكبرياء، وفي قصائد الماغوط كانت دمعةً ساخنةً على خد الأحلام الضائعة، أما عند سلمى الحفار الكزبري، فكانت سوريا وردة أملٍ لا تذبل.
مهما تغيرت الأزمان، ستظل سوريا مصدر إلهام لا ينضب، وستظل قصيدةً تكتبها القلوب العاشقة.



وفي زمنٍ تاهت فيه الحدود واختلطت المفاهيم، تبقى سوريا، كما رآها شعراؤها، وطناً لا يُقاس بمساحةٍ ولا بسلطةٍ، بل بما تتركه في القلوب من أثر خالد. وحدها القصيدة قادرة على تخليد الأوطان، ووحده الحب الحقيقي يزرع الياسمين في خرائط الدم.
سوريا.. ستظلين القصيدة الأجمل.

شارك

مقالات ذات صلة