الأخ الكبير يراقبك! ما هو وجه التشابه بين آل الأسد البائد ورائعة أورويل 1984؟
يونيو 26, 2025
11
الأخ الكبير يراقبك! ما هو وجه التشابه بين آل الأسد البائد ورائعة أورويل 1984؟
– ضحى السطم
عام 1948 كتب جورج أورويل في مكان معزول وهو مريض رواية ستصبح لاحقاً مرجعاً أدبياً بل وحتى سياسياً، راقب أورويل صعود النازية والفاشية والشيوعية، وشهد بنفسه دور السلطة في تكميم أفواه الشعوب وكيف يراقب الحاكم المواطن ويلاحقه، فقرر أورويل الذي تكهن بالمستقبل والذي درس سايكولوجية السلطة والشعب كتابة رواية 1984 التي تتحدث عن دولة يعاني فيها الشعب بسبب مراقبة الحكومة لهم، تقييدهم، غسل أدمغتهم، تحديد حرياتهم بل وحتى منعها.
لم يكن هناك مجال لتكتب أو تقرأ أو تمارس فناً شخصياً أو علاقة حب سليمة دون معرفة الحزب بذلك، كان هذا الحزب يقتل معارضيه وأحياناً يستدرجهم بأفراد يدّعون الثورة ثم يسلمونهم للأخ الكبير الذي يعذبهم حتى الموت، كما كانت السلطة تفرض رقابة مرعبة على الفن والأدب والإعلام وحتى الحب والعائلة، ربما يكون ابنك من يشي بك أو زوجك من يكون السبب باعتقالك، كانت الحكومة أشبه بمنظمة مافيا مليئة بتقنيات معقدة وجرائم لا يعرفها التاريخ. ألا تذكركم قصة هذه الرواية بدولة ما؟ بحزب ما؟ برئيس ما؟
حين نلقي نظرة إلى الوراء، نرى مهزلة حزب البعث الأسدي البائد، نرى كذبهم وتفاهتهم وترويجهم للحياة الوردية والاستقرار الوطني والرفاهية المطلقة في سوريا، هذه الأفكار التي لم تكن موجودة إلا في عقولهم على ما يبدو.
لكن الأخ الكبير -نظام الأسد المخلوع- تقصد استخدام هذا التكتيك الذي يستنزف الشعب، ويغسل دماغه، ويجعله في نهاية الأمر يصدق أننا نعيش في دولة مستقرة ورفاهية اقتصادية وسياسة ديمقراطية، لكنه كان يراقب.. في كل بيت، في عملك، في المقاهي والمطاعم، حتى في خطب المساجد وبين جلسات الأصدقاء وربما على فراش الزوجية حتى، كان نظام الأسد موجوداً.. زارعاً حشراته ليسمعوا، ليكتبوا، ولينقلوا ما يحصل، ألم نسمع من قبل جملة (الحيطان لها آذان)؟.
لماذا تم الترويج لهذه الجملة وانتشارها بين الناس؟ ألم نرى سائحاً يأتي من الخارج فينتقد حكومة الأسد ثم يختفي كأنه لم يكن؟ ألم نرى بعد سقوط النظام تقارير مروعة عن أسماء شباب تم اعتقالهم لأنهم يصلون في المساجد؟ كيف؟ من كتب هذه التقارير؟ قد يكون أحد أصدقائهم، أشقائهم أو حتى آبائهم.
لقد كنا نعيش في مزرعة محدودة، مسيجة بأسوار على عقولنا، تُحاك فيها الأفكار التي تلائم النظام المخلوع، نقرأ فيها الكتب التي تمجد الأسد، ونرى أفلاماً تنادي باسم الأسد، ونغني في مدارسنا صباحاً عن حزبنا وعن الأسد، وندعو في مساجدنا للأسد، لقد تم تأليه صورة تلك العائلة وتقديسها حتى غُسلت أدمغة الشعب السوري بالكامل، وجيلاً بعد جيل صرنا نحب الأسد! وكيف لا تحبه وهو الأخ الكبير الذي يراقبك؟ والذي يطلق اسمه على جميع الأماكن؟ على الجسور والمتاحف والحدائق والمشافي كما لو أنه يزرع في عقلك أن كل حجر في هذا البلد يعود إليه وملكه وحده.
الحمد لله الذي منَّ علينا بالتخلص من آل الأسد وحزبهم القذر، لكن لا يسعنا إلا أن نشفق على آبائنا وأجدادنا الذين توارثوا الذعر والرعب على مدى أجيال وأجيال!، وتحول هلعهم هذا مع مرور السنوات إلى حب مشوب بالخوف، ولاء مطلق بسبب الخوف وحسب، خوف ليس فقط من الموت بل من تلك العيون الكبيرة التي تلاحقهم أينما ذهبوا ومهما فعلوا.
يقول أورويل في روايته: “من المستحيل أن تؤسس حضارة على الخوف والكراهية والقسوة، فمثل هذه الحضارة إن وجدت لا يمكن أن تبقى”، كما لو أنه تنبأ بالثورة.. كما لو أنه درس الشعب وقرأ أفكارهم ورأى مستقبلهم على حين غرة، كما لو أنه أيقن أن الخوف المكتوم في صدور العالم لن يتبخر، بل سيتراكم ويتراكم حتى يتحول لبركان خامد ينتظر لحظة معينة فيفور فيها ويملأ الأرض ناراً، سيصبح هذا الخوف حقداً دفيناً ينتظر شرارة بسيطة توقظه من سباته، حتى ولو كان هذا الخمود والنوم هو أكثر من 40 عاماً لكنه في النهاية سيستيقظ وستكون صحوته مرعبة.